إشكالية مراجعة الدستور وانعكاساتها على الوحدة الصومالية
الصومال الجديد
آخر تحديث: 22/02/2016
تعتبر مراجعة الدستور المؤقت من المهام المنوط تحقيقها بالحكومة الصومالية قبل حلول موعد الانتخابات المزمع إجراؤها في بداية آب/أغسطس من هذا العام، إلا أن الحكومة فشلت في تحقيق كل الأهداف السياسية والإدارية المنتظر منها والتي منها الإنتهاء من مراجعة الدستور وعرضه على استفتاء شعبي، كما فشلت في إجراء انتخابات عامة حرة ونزيهة، يدلى فيها كل فرد بصوته.
صحيح ان الحكومة شكلت اللجنة القومية لمراجعة الدستور في وقت سابق من عام 2014 وتم اختيار عائشة غيلى سمتر المنحدرة من ولاية بونت لاند رئيسة للجنة، الا أنها ما لبثت ان أعلنت استقالتها من رئاسة هذه اللجنة مع احتفاظها بعضويتها فيها بسبب الضغوط التي مارستها عليها إدارة بونت لاند لأغراض سياسية، وأبدت السيدة/غيلى مخاوفها من الفشل بحيث إنه لا يمكن لها مواصة عملها وأداء مهامها على الوجه اللائق بسبب عدم تجاوب المسؤوليين الحكوميين مع مطالب اللجنة وعدم توفير الخدمات المالية واللوجستية اللازمة لتسيير أعمال اللجنة الأمر الذي أجبرها على الاستقالة حفاظا على سمعتها حسب تعبيرها.
وبالرغم من اختيار رئيس آخر للجنة الا أنها لا تزال- كغيرها من اللجان الوطنية الأخرى- تعانى من شلل بنيوي ووظيفي أعاقها من الحركة والعمل معا على مقتضى المصلحة العليا للبلاد وأداء واجبها الدستوري، كما تعاني من تدخلات مستمرة من الهيئات التنفيذية المختلفة لمحاولة التأثير على حيثيات العمل واتخاذ القرارات، وهذا الأمر أضر بكثير على عمل اللجان الوطنية المختلفة وبالتالي أداء الدولة بشكل عام.
ومن الإشكاليات التي واجهت عملية مراجعة الدستور انعدام الثقة بين الحكومة الفدرالية وبعض الولايات خاصة ولاية بونت لاند التي تتصرف وكأنها دولة مستقلة أو دولة داخل دولة على الأقل.
أصول المشكلة هنا ترتد إلى أسباب سياسية تتعلق بوجود كيان إداري أقدم من الحكومة نفسها وأجدر بأن يستحوذ على أكثر من الآخريين حسب رأيه هو، وحكومة تري نفسها مسؤلة عن كل تراب الوطن حسب الدستور لكنها لا تمتلك الوسائل اللازمة والقوة الكافية لممارسة ذلك الحق الدستوري ولو بصورة جزئية ومؤقتة، فالعلاقة المتذبذبة بين الحكومة وإدراة بونت لاند والتي يساورها كثير من الشك والارتياب تغذيها خلافات قبلية تعود الي حقبة تسعينات القرن الماضي و مغلفة في أغلب الأحايين بغلاف سياسي لتبدو الصورة أكثر حضارية في الظاهر، لكنها في الحقيقة تجسد الصراع القبلي القديم حول الثروة والسلطة في بلد لم يعرف الاستقرار السياسي والأمني الا فترات يسيرة من عمره المديد.
ملاحظات بونت لاند حول مسودة الدستور ليست جديدة، فقد كانت الولاية تتهم الحكومة الفدرالية بتغيير بعض بنود الدستور منذ فترة رئيسها السابق عبد الرحمن فرولى، وهو ما تنفيه الحكومة الفدرالية والبرلمان على السواء، الا أن تلك التهم لا تزال تثار من حين لآخر لأسباب سياسية بحتة، والمتابع للشأن الصومالي يدرك تماما بأن مرد هذه الأتهامات إلى توظيف الخلافات السياسية عند الضرورة، فالإشكالية تتحول بشكل تدريجي الي معضلة عند تعمد التعقيد من أطراف النزاع.
ومما يزيد الطين بلة ويجعل الحل بعيد المنال انعدم الثقة بين الشركاء الصوماليين، وإستمرار الخلاف حول مراجعة الدستور وبروز المواقف المتصلبة من قبل إدارة بونت لاند وممانعتها في الإنخراط في الحل والإنسجام مع القوى السياسية الفاعلة على الأرض.
إن مقاطعة إدارة بونت لاند وغيابها عن جلسات النقاش حو ل مراجعة الدستور التي شاركها مع البرلمان كل وزراء الدستور في الولايات الفدرالية يثير الشكوك حول نوايا بونت لاند،كما يظهر عدم رغبتها بل وعدم جديتها في المشاركة في عملية انتقال السلطة في البلاد، وهذا الشذوذ في المواقف السياسية إنما ينم عن تعمد وسبق إصرار لدى قيادة الولاية بهدف الحصول على مكاسب سياسية، وخاصة في القضايا الكبرى ذات الصلة بموضوع الدستور واقتسام السلطة والثروة، و تحقيق تلك المكاسب والمطامح السياسية غير الممكنة مما يؤثر وينعكس سلبا على المسيرة السياسية في البلاد.
وهناك قضية أخرى تستحق الوقوف عندها قليلا وهي تصريح رئيس مجلس النواب السيد/محمد شيخ عثمان جوارى المتعلق باستكمال الدستور، حيث قال: لا يمكن استكمال مسودة الدستور ريثما تنتهي المفاوضات بين الحكومة وإدارة أرض الصومال التي أعلنت الانفصال من طرف واحد في بداية تسعينات القرن المنصرم ولم تحظ باعتراف حتى اللحظة. ربط جواري عملية استكمال الدستور بقضية سياسية معقدة ومفاوضات متوقفة، ويعتبر البعض تناسي دور أرض الصومال في استكمال الدستور يأتي في سياق تأزيم المشهد السياسي الصومالي المتأزم أصلا، بحيث إن تجاهل قضية أرض الصومال يترك انعكاسات سلبية على المسيرة السياسية؛ والتي من الممكن أن تصل إلى مستوى التأثير على الوحدة الصومالية بشكل سلبي؛ إذا تم جعل الدستور رسميا في ظل غياب إدارة أرض الصومال الانفصالية، وهي مسألة لا تقل خطورة عن التعقيدات التي تثيرها إدارة بونت لاند ويجب التنبه لها للحفاظ على الوحدة الصومالية.