تنمية الثروة الحيوانية ضرورة لازدهار الاقتصاد الصومالي

الصومال الجديد

آخر تحديث: 28/05/2023

[supsystic-social-sharing id="1"]

القاهرة : صفاء عزب

لاشك أن الثروة الحيوانية تعد من أهم ثروات ومقدرات الدولة الاقتصادية التي تلعب دورا مهما في كفالة الأمن الغذائي إضافة إلى كونها مصدرا مهما من مصادر الدخل سواء بتصديرها مباشرة للخارج أو من خلال تحسين كفاءة استغلالها في مشروعات التنمية وإدخالها في الصناعات المرتبطة بها وبمنتجاتها لزيادة القيمة المضافة ومن ثم زيادة العائد.

وتتمتع الثروة الحيوانية في الصومال بسمعة طيبة وتحظى بمكانة مهمة في مصاف الثروات الحيوانية العربية والإفريقية خاصة في مواسم الحج حيث كان هناك إقبال كبير على صادرات الصومال من هذه الثروة. وقد جنى الصوماليون الكثير من ثمار ثروتهم خلال فترات الاستقرار وقبل الانزلاق في الحروب الأهلية عام 1991 . وتشير التقديرات الحكومية إلى أن الصومال عام 1986 كان يحتل المرتبة الأولى عالميا من حيث تعداد الإبل، وأنه كان يمتلك 45 مليون رأسا من شتى الأنواع من الإبل والغنم والبقر، وكانت الثروة الحيوانية الصومالية آنذاك هي سلة غذاء ومصدر أضاحي الحجاج بالمملكة العربية السعودية في موسم الحج، كما كانت صمام أمان للأمن الغذائي بالمنطقة، وذلك لما يتمتع به الصومال من أراض شاسعة خصبة تعد مراعي جيدة لتغذية وتسمين الحيوانات.

ولكن مع الأسف الشديد تبدلت الأحوال وازدادت سوءا خلال السنوات التالية وصولا لما هو عليه الحال مؤخرا لدرجة أصبح فيها الصوماليون مهددين بالموت جوعا بسبب الجفاف الشديد وعدم القدرة على مواجهة الظروف البيئية القاسية والتقلبات المناخية، في ظل ما فرضته التحديات الأمنية من أوضاع صعبة وخطيرة تعرقل أي محاولة أو أية جهود لمعالجة هذه المشاكل. وقد أصدرت منظمة الفاو بدايات عام 2018 تحذيرا من تدهور أوضاع الثروة الحيوانية الصومالية وانعدام الأمن الغذائي وأشارت إلى نفوق قطعان الماشية بشكل كبير في الصومال نتيجة للجفاف، والذي وصل إلى نسبة 60 في المائة من القطيع في بعض المناطق، مما ألحق أضراراً فادحة بسبل معيشة الرعاة ومربي الحيوانات خاصة في مناطق الصومال الوسطى والشمالية بحسب المنظمة الدولية. وفي ظل هذه الظروف تعرضت الأسر الصومالية لأزمات شديدة نتيجة نقص الغذاء والاضطرار لشراء الطعام بالدين ما أدى إلى تضاعف الديون لأربع مرات ما كانت عليه في أوقات سابقة. كما انعكست هذه الظروف بالسلب على الوضع الاقتصادي العام بالصومال نظرا لاعتماده بشكل كبير على صادرات الثروة الحيوانية للخارج التي تشكل 40% من الناتج المحلي  وحوالي 50% من الإيرادات، كما تشكل مصدر دخل لما يزيد عن 60% من السكان الذين يعملون في مجال تربية الحيوانات. وفي إحصائيات أخرى حديثة تشير الأرقام إلى أن تجارة الماشية في الصومال تسهم بحوالي 80% من عائدات البلاد من العملات الأجنبية، مع تصدير الكثير من عناصر الثروة الحيوانية إلى بلدان في شبه الجزيرة العربية ، مثل المملكة العربية السعودية واليمن وعمان والإمارات العربية المتحدة. ومن ثم فإن أي هزة في الأسواق سرعان ما تؤثر بقوة على كل المستويات في الداخل الصومالي. لقد أدى نفوق الماشية ونقص المعروض منها في الأسواق بشكل كبير، إلى ارتفاع مستويات التضخم في أسعار الماشية وما يرتبط بها من منتجات حيوانية.

هذا، ويعد القطاع الزراعي من أهم القطاعات الاقتصادية في الصومال حيث تقدر الأراضي الصالحة للزراعة في الصومال بما يقرب من 8 مليون هكتار، الأمر الذي يؤهل الصومال ليكون سلة غذائية ثرية لشعبه ولغيره من الشعوب المحيطة. وبطبيعة الحال يرتبط هذا النشاط بازدهار قطاع الثروة الحيوانية الذي يعتمد بشكل أساسي على المراعي الطبيعية وما تنتجه الأرض الخضراء. ولذلك تأثر هذا القطاع بشكل كبير وحاد بما شهدته الأراضي الصومالية من جفاف وقحط شديدين بسبب تذبذب مواسم الأمطار وانقطاعها في بعض الأحيان لفترات طويلة. فالماء هو سر الحياة وبدونه لا يمكن للماشية أن تشرب ولا أن تجد ما تقتاته.

لا شك أن أي تراجع أو تدهور في الثروة الحيوانية ينعكس سلبا على الاقتصاد الصومالي ككل ويؤدي إلى خسائر مادية فادحة تتكبدها البلاد، لأنه يعني حرمان الشعب الصومالي من مكاسب كبيرة كان من الممكن تحقيقها في الأوضاع العادية. وما يؤكد ذلك ما حققه الصومال من رقم قياسي عام 2014 عندما نجح في تصدير خمسة ملايين رأس ماشية إلى أسواق الخليج، الأمر الذي اعتبرته منظمة الفاو “الأغذية والزراعة” إنجازا كبيرا غير مسبوق لأنه يزيد على عدد الحيوانات الحية التي صدرها الصومال خلال العشرين سنة السابقة على ذلك العام. وعندما نتأمل ظروف ومعطيات الواقع آنذاك والتي ساهمت في تحقيق هذا الإنجاز التاريخي الكبير نجد أنها ترتبط بشكل كبير بزيادة الاهتمام بالاستثمار في مجال الثروة الحيوانية وفتح المجال أمام الخبرات العالمية للإستفادة منها في تنمية هذه الثروة الحيوية. وبالفعل شهدت تلك الفترة استثمارات ضخمة لا سيما فيما يتعلق بمجال الوقاية من الأمراض الحيوانية إضافة إلى دعم دولي كبير خاصة من بريطانيا والاتحاد الأوروبي بشكل عام. كما كشف مسؤولون صوماليون في تلك الفترة ومنهم سالم عليو، وزير الثروة الحيوانية آنذاك أن تحسن الوضع الأمني في البلاد وكفالة الحماية للمزارعين والقطعان قد ساهما بشكل كبير في زيادة الإنتاج من الثروة الحيوانية وارتفاع مستوى صادرات البلاد منها ومن ثم زيادة الدخل القومي الذي يعود بالفائدة على المواطن الصومالي.

بالانتقال من تلك الفترة إلى وقتنا الحالي نجد أن حجم الإنتاج من الثروة الحيوانية تأثر كثيرا بمجموعة من العوامل السلبية التي ضربت البلاد وعلى رأسها الجفاف والعنف والأعمال الإرهابية وما صاحبها من ترويع للآمنين في ممتلكاتهم وأراضيهم وثرواتهم الحيوانية، والتي تسببت أيضا في إعاقة الحكومة عن القيام بدورها المنوطة به لمواجهة مثل هذه الأزمات وسرعة التحرك لإنقاذ الثروة الحيوانية. كما تسببت سنوات الصراع السياسي السابقة في تراجع الاهتمام الحكومي بتنمية هذه الثروة وكذلك تراجع الاستثمار خاصة الأجنبي في البلاد وبالتالي حدث انخفاض في الإنتاج بل تأثرت أيضا مختلف القطاعات.

ولكن مع دخول البلاد في مرحلة جديدة من الاستقرار السياسي والمؤسسي وحرص وتصميم الإدارة الصومالية برئاسة دكتور شيخ محمود على النهوض ببلاده وإتاحة الفرصة للتعاون مع كل الصوماليين والاستفادة من طاقات أبناء بلاده فإن ذلك من شأنه أن يسهم في حدوث تطوير كبير يؤتي ثماره مرحليا، وخاصة ما يتعلق بخطط الاستثمار وفتح آفاقه على مصراعيه لزيادة فرص التنمية والقيم المضافة بحيث لا يكون الاعتماد فقط على تربية الحيوانات وتصديرها حية ولكن من الضروري أن يتم تنويع الصادرات الصومالية واستغلال موارده الأولية في صناعات متنوعة مرتبطة بالثروة الحيوانية ومنتجاتها بهدف تصديرها أيضا للخارج بما يزيد من المكاسب الاقتصادية التي يجنيها الاقتصاد الصومالي من جانب وبما يسهم أيضا في زيادة مرونته في مواجهة الصدمات المفاجأة لا سيما تلك المرتبطة بالأسواق وقوى العرض والطلب.

ولا شك أن الأمر يتطلب جهودا كبيرة من قبل المسؤولين والمستثمرين والأيدي العاملة لإنقاذ ثروة الصومال واستعادة سمعته العريقة في إنتاجه المميز من الثروة الحيوانية. والأمر يتطلب توفير بيئة آمنة إضافة إلى تقديم فرص استثمارية مغرية لرجال الأعمال العرب والاجانب وتشجيعهم على إقامة مشروعات اقتصادية كبرى ذات صلة وثيقة بتنمية الثروة الحيوانية.

كما يجب على دولة الصومال أن تدعم الدراسات الخاصة بالمناخ وتقلباته حتى يمكن التوصل لأساليب علمية للتدخل المبكر لمواجهة الصدمات المناخية التي تسبب خسائر كبيرة للرعاة ومربي الحيوانات، ويحسب لإدارة الرئيس شيخ محمود إدراجها لمشروع الحد من المخاطر والشمول وتعزيز القيمة للاقتصادات الرعوية في القرن الإفريقي وذلك في أواخر أغسطس 2022، بمساندة من البنك الدولي. وهو مشروع يهدف إلى تعزيز قدرة الرعاة على الحصول على الخدمات المالية للتخفيف من مخاطر الجفاف، وكذلك إدراجهم في سلاسل القيمة وتسهيل تجارة الماشية في منطقة القرن الإفريقي.

لاشك أن تنوع المشروعات الاستثمارية مع توفير البنية الأساسية المطلوبة لدعم تنمية الثروة الحيوانية يصب في النهاية في تحسين الصورة وزيادة الإنتاج وزيادة معدلات التنمية وزيادة الدخل القومي مع تنويع مصادره بما يساعد على امتصاص صدمات الأسواق العالمية.  

قضايا ساخنة

هل تستمر الدوحة في التأثير على الانتخابات الصومالية بالمال السياسي؟

المرشح البغدادي في حديث خاص للصومال الجديد

بعد أربع سنوات من الدور السلبي في الصومال: قطر تحاول تلميع صورتها

خطاب الرئيس دني .. مخاوف وأسرار

الاتفاقيات حول النفط الصومالي .. تقض مضاجع الخبراء في الصومال