هل تسبب "كورونا" حقا في أزمة بين تركيا والسودان بعد واقعة الطائرة؟

صفاء عزب

آخر تحديث: 21/03/2020

[supsystic-social-sharing id="1"]

القاهرة- تلوح في الأفق بوادر أزمة دبلوماسية بين السودان وتركيا على خلفية أزمة الطائرة الأخيرة في السودان والتي أثارت غضب الجانب التركي ودفعته لاتخاذ إجراءات سميت ب”انتقامية” ضد ركاب سودانيين، وهي الأزمة التي تسبب فيها الإنتشار المرعب لفيروس كورونا وما أثاره من هلع وحذر من استقبال طائرات قادمة من جهات تعاني انتشار المرض، خوفا من انتقال العدوى. جاء ذلك في الوقت الذي كانت تشهد فيه العلاقات السودانية التركية تطورا جيدا وتقدما في مختلف المجالات على حد وصف مدني عباس وزير الصناعة والتجارة السوداني في تصريحاته التي أدلى بها الشهر الماضي على هامش لقائه بالسفير التركي بالخرطوم عرفان نذير، الذي أعرب بدوره عن استعداد بلاده تركيا تقديم مساعدات اقتصادية للسودان لرفع قدرته التنافسية والتنموية، الأمر الذي يطرح سؤالا عن مستقبل تلك العلاقة ومصير اتفاقيات التعاون الاقتصادي بين تركيا والسودان في ظل الأزمة الأخيرة.

وكانت السلطات السودانية قد رفضت السماح لطائرة ركاب تركية بالهبوط في أحد مطاراتها، وذلك في إطار الإجراءات الإستثنائية التي يتخذها السودان للسيطرة على الأوضاع الصحية في مواجهة فيروس كورونا. وقد تسبب الإجراء السوداني في اشتعال غضب الجانب التركي واندفاعه لاتخاذ إجراء مضاد وصف ب”الرد الإنتقامي” من السودان وذلك عندما قامت عناصر من الشرطة التركية بإجبار 37 راكبا سودانيا ممن كانوا على متن الطائرة بالنزول في مطار اسطنبول.

 يرى بعض المراقبين أن الموقف السوداني جاء طبيعيا وفي إطار التدابير وإعلان حالة الطوارئ التي تتخذها البلاد لمواجهة فيروس كورونا بعد تسجيل أول حالة وفاة، والتي بموجبها تم إغلاق كافة المعابر الحدودية، ومن ثم فلا توجد أسباب قوية لأزمة مع تركيا حيث أن الإجراء لم يقتصر عليها وإنما امتد ليشمل مختلف الرحلات الجوية التي يستقبلها السودان من دول أخرى.

من ناحية أخرى هناك من يعتبر فترة التوافق والوفاق بين تركيا والسودان قد انتهت بسقوط نظام الرئيس السوداني المعزول عمر البشير والذي كانت تعتبره تركيا بمثابة نظام يمكنها التفاهم معه والتوافق حول بعض القضايا في ظل أرضية فكرية مشتركة، وهو الأمر الذي تغير مع قيام الثورة السودانية لينضم السودان إلى قائمة الدول التي خرجت من مسار التحرك في الفلك التركي. ولكن هل يعني ذلك تمرد السودان على تركيا، أو انقلاب علاقتهما من تعاون مشترك إلى خصومة وعداء؟

لقد شهدت العلاقات التركية السودانية تطورا ملحوظا منذ وصول حزب العدالة والتنمية إلى الحكم في تركيا عام 2002 ، حيث ازداد الاهتمام التركي بالسودان كون نظامه السياسي “آنذاك” متوافقا مع النظام السياسي التركي ذي المرجعية الدينية، وكذلك للأهمية الاقتصادية والسياسية التي رأتها تركيا في السودان سيما الموقع الجغرافي والموارد الطبيعية. وربما كان ذلك من أهم الدوافع لحرص تركا على الحفاظ على علاقاتها مع “بشير” السودان في الوقت الذي كان العالم يطارده لاتهامه بجرائم حرب ضد شعبه، كما قام البشير بزيارة تركيا ضمن عدد قليل من الدول التي كان يطمئن لزيارتها دون خوف من الإعتقال. 

وعلى الجانب الآخر كان السودان يرى في تركيا منفذا جيدا للخروج من أزمته المالية والإقتصادية خاصة بعد أن خسر ما يقرب من ثلاثة أرباع ثروته البترولية بانفصال الجنوب السوداني عنه، ومن ثم كانت النظرة السودانية للإستثمارات التركية في السودان على أنها أحد وسائل الإنقاذ من الإنهيار الإقتصادي والخروج من الأزمات. وهو الوضع الذي استغلته تركيا جيدا للمضي قدما في تحقيق أهدافها وأطماعها في الشرق الإفريقي وموقعه الإستراتيجي على البحر الأحمر، واتخذت من العمل الخيري والاستثمار الإقتصادي وسيلة فعالة للتغلغل في السودان حتى نجحت في توقيع اتفاقية مع السودان عام 2017 لمنحها جزيرة سواكن المطلة على ساحل البحر الأحمر بصفة مؤقتة، بدعوى قيام تركيا بترميم البنايات التاريخية في الجزيرة ومع ذلك لم يتم سوى ترميم مبنى قديم للجمارك ومسجدين. كما كانت هناك مشروعات متفق عليها بشأن تأجير أراض زراعية لمدة 99 سنة للإستثمار فيها، وكلها أمور تأثرت بتغيرات الأوضاع الداخلية بعد الثورة السودانية، وما يرتبط بها من تغيرات محتملة في المواقف السودانية تجاه بعض القضايا الإقليمية ومنها الأزمة الليبية. 

شهد شهر فبراير 2020 اتصالات تركية سودانية بدت أصداؤها في اللقاء الذي جمع مدني عباس وزير الصناعة والتجارة السوداني مع عرفان منذر السفير التركي بالخرطوم وقد بدا اللقاء ودودا يعكس دفئا بين الدولتين وهو ما أظهرته تصريحات المسؤولين، حيث وصف الوزير السوداني علاقة بلاده بتركيا على أنها متطورة ومتقدمة، كما أكد السفير التركي أن بلاده مستعدة لتقديم المساعدات اللازمة لدفع الاقتصاد السوداني وتنمية قدراته وذلك في مختلف المجالات.

وفي الوقت التي تتأمل فيه تركيا تدعيم علاقاتها بالنظام السوداني الجديد واستمرار التعاون والتفاهم اللذين كانا في ظل النظام السابق، اصطدمت تركيا بالموقف السوداني الأخير برفض استقبال الطائرة التركية، وهو الأمر الذي قد يربط البعض بينه وبين محاولة الإغتيال الفاشلة التي كان قد تعرض لها رئيس الوزراء السوداني عبد الله حمدوك مؤخرا. لقد وجهت أصابع الإتهام في هذه المحاولة إلى عدة قوى داعمة لنظام البشير ومنها جماعات دينية يرى البعض أن تركيا قد تستفيد من وجودها في السودان وغيره من الدول العربية لتسهيل عملية التغلغل من خلالها، ولذلك قد يتسبب هذا “الظن” في تعكير صفو العلاقات التركية السودانية بعض الوقت حتى تتبين حقيقته. 

ومن ثم يبرئ البعض “كورونا” من تسببها في أزمة الطائرة التركية مؤخرا، وأنها مجرد نتيجة لسلسلة من الأحداث السياسية المتتابعة. فهل يمكن أن تشهد الفترة القادمة مزيدا من التطورات؟ هذا ما ستسفر عنه الأحداث المستقبلية وتكشفه ردود الأفعال البراجماتية والواعية من الطرفين.

قضايا ساخنة

هل تستمر الدوحة في التأثير على الانتخابات الصومالية بالمال السياسي؟

المرشح البغدادي في حديث خاص للصومال الجديد

بعد أربع سنوات من الدور السلبي في الصومال: قطر تحاول تلميع صورتها

خطاب الرئيس دني .. مخاوف وأسرار

الاتفاقيات حول النفط الصومالي .. تقض مضاجع الخبراء في الصومال