معضلة التغيير في الإقليم الصومالي بإثيوبيا: الواقع والتحديات والمآلات

عبد الله الفاتح

آخر تحديث: 27/08/2018

[supsystic-social-sharing id="1"]

مقدمة:
دخول القوات المسلحة الإثيوبية للإقليم الصومالي في إثيوبيا، وإعلان فرض سيطرتها الكاملة على جميع المرافق الحكومية في مدينة جكجكا العاصمة الإدارية للإقليم، شكل علامة فارقة في الصراع السياسي المحتدم بين “نواة الدولة العميقة” المتمثلة في الجبهة الشعبية لتحرير التغراي (TPLF) وحلفائها السياسيين والعسكريين، وبين رئيس الوزراء الإثيوبي أبي أحمد، الذي يسعى منذ توليه مقاليد السلطة، إلى إحداث تغييرات جوهرية عميقة تمس البنية السياسية والاقتصادية والأمنية برمتها.

بدأت الدولة العميقة تتحرك بكل إمكانياتها السياسية والإدارية والأمنية لجعل الإقليم الصومالي ساحة مفتوحة لتسوية حساباتها مع القيادة الإثيوبية الجديدة وقوى التغيير والإصلاح، في محاولة يائسة لاستعادة النسق القديم وإعادة منظومة الاستبداد، ولو على حساب الآخرين.

ومع أن نتائج هذا الصراع لم يحسم بعد بشكل نهائي، إلا أن حكومة رئيس الوزراء أبي أحمد، قد نجحت إلى حد ما في تغيير قواعد التعامل مع الإقليم، وهذا وضح بجلاء في الإجراءات والتدابير السريعة التي اتخذتها الحكومة لإفشال المخطط الانفصالي واعتقال رئيس الإقليم عبدي محمود عمر وإجباره على التنحي وتسليم السلطة، وذلك خلال عملية عسكرية “غامضة”لم يكشف بعد كامل تفاصيلها.

وبعد هذا العرض الموجز لأبرز التغييرات الدراماتيكية المتتابعة التي شهدها الإقليم الصومالي خلال الفترة الماضية، التي لم تعط متابعها فرصة لقراءة أسبابها الموضوعية أو تحليل مساراتها القادمة، فإنه يحاول هذا التقرير تسليط الضوء على أهم المسارات المحتملة للأحداث وملامحها الرئيسية لفهم طبيعتها وأثرها وتداعياتها الحالية والمستقبلية.

ردود الأفعال الرسمية والشعبية:

لقد تباينت ردود الأفعال الرسمية والشعبية في الإقليم على الإجراءات العسكرية الأخيرة التي اتخذتها الحكومة الفيدرالية الإثيوبية، حيث برز مجدداً على السطح حجم التناقضات العميقة بين مختلف المكونات السياسية والاجتماعية الصومالية في الإقليم.

فقد انقسمت ردود الأفعال بين مؤيد ومعارض ومتخوف من تبعات وتداعيات قرار الحكومة الإثيوبية على مستقبل الإقليم سياسياً وأمنياً، ويتم استعراض جانب منها في النقاط الآتية:

أولاً: القوى السياسية والشعبية المؤيدة للتغيير:

رحبت غالبية الحركات الشبابية التي تقود الاحتجاجات الشعبية، والعديد من القوى السياسية المناهضة لسياسات رئيس الإقليم السابق، بهذا التطور المفاجئ، على اعتباره يحقق أحد مطالبها السياسية التي ناضلت من أجلها، كما دعت إلى ضرورة محاكمة القيادات السياسية والأمنية في الإقليم على جرائمها البشعة التي ارتكبتها بحق المواطنين الأبرياء.

بيد أن الجبهة الوطنية لتحرير الأوغادين (ONLF) لم تخف في بداية الأمر عن قلقها الكبير تجاه هذه التطورات العسكرية الأمنية الأخيرة التي شهدها الإقليم الصومالي في إثيوبيا، ورغم ترحيبها مبدئياً بالتغييرات السياسية الكبيرة التي يجريها رئيس الوزراء الإثيوبي أبي أحمد في البلاد، إلا أنها قداعتبرت دخول الجيش الإثيوبي إلى العاصمة الإدارية للإقليم، تحركاً معادياً للشعب الصومالي في إثيوبيا، محذرة القيادة الإثيوبيةالجديدة من ازدواجية المعايير في تعاملها مع القوميات الإثيوبية المختلفة، لكن الجهبة رحبت بانتخاب مصطفى محمد عمر خلفا لرئيس الإدارة السابق عبدي محمود عمر وجرت محادثات بينها وبين الرئيس الجديد في أديس أبابا.

ثانياً: القوى الرافضة للتغيير:

يشعر كثير من أنصار ومؤيدي الرئيس السابق، بموقف حرج بشأن الوضع الجديد الناتج من خسارة نفوذهم السياسي والاقتصادي والأمني، بعد نجاح الحكومة الإثيوبية في فرض سيطرتها الكاملة على الإقليم وترتيب أوضاعه بالتشاور مع مكونات المجتمع الصومالي في إثيوبيا.

ويبدو في نظر القوى الرافضة للتغيير، أن ثمة تداعيات كارثية إضافية يخبئ لها المستقبل على كافة المستويات والأصعدة، حيث يخشى هؤلاء أن تتوسع تلك الخسائر لتشمل جميع المكاسب والامتيازات التي تحققت لهم، طيلة حكم الرئيس السابق عبدي محمود عمر.

ولعل هذا هو ما دفعها إلى محاولة إشعال حرب أهلية شاملة في الإقليم، من خلال إثارة النعرات الإثنية والقبلية بين مكونات المجتمع المختلفة، كوسيلة للتغطية على فشلها في تمرير مخطط إعلان انفصال الإقليم عن إثيوبيا.

وبعد كل هذه المقدمة لتشرح الأسباب ودواعي التطور الدراماتيكي للأحداث، يبقى السؤال المحوري الذي يجب أن يكون ماثلا على الدوام هو: ما هي الخيارات المطروحة بعد اعتقال رئيس الإقليم وانتخاب رئيس جديد؟ هل هو خيار الحرب والمواجهة؟ أم خيار السلم والمصالحة؟

أولاً: خيارات الحكومة الإثيوبية:

من الواضح أن حكومة رئيس الوزراء أبي أحمد، قد حسمت كافة خياراتها، لإنهاء الحالة الأمنية المفتعلة التي أراد الرئيس السابق عبدي عمر، إشعالها في الإقليم، لإحداث اهتزاز في ثقة المجتمع الصومالي بالقيادة الإثيوبية الجديدة وسياساتها الإصلاحية، وذلك بعدما أدرك جيداً بأن فرص بقائه على الحكم باتت محدودة للغاية.

وينظر إلى إصرار الحكومة الإثيوبية على بسط سيادتها الكاملة على الإقليم، بأنه يأتي لاحتواء محاولات “نواة الدولة العميقة” لتفجير الوضع الداخلي في البلاد، بهدف تفكيك أواصر التلاحم الاجتماعي واضعاف نسيج الوحدة الوطنية، في ظل صعود الهويات الإثنية والعرقية والقبلية على الهوية الوطنية للدولة.

ومن الملاحظ أن ما قام به رئيس الإقليم السابق وأجهزته الأمنية قد دفع حكومة أديس أبابا، إلى المضي قدماً في تغيير كل قواعد التعامل مع الإقليم، ليس في المجالات السياسية والأمنية فحسب، وإنما أيضاً في المجالات المالية واستغلال الثروات الطبيعية، وضح ذلك جلياً من خلال التحركات العسكرية التي بدأتها القوات الإثيوبية مؤخرا من أجل فرض سيطرتها على آبار النفط والغاز المستكشف حديثاً في الإقليم.

وإذا استمرت الحكومة الإثيوبية في تنفيذ تلك الإجراءات الأمنية، فإنه من المتوقع أن تخسر سلطة الإقليم السابقة العديد من صلاحياتها السياسية والإدارية علاوة على المكاسب الاقتصادية والأمنية والعسكرية التي حققتها خلال السنوات الماضية، حيث يرى بعض المراقبين، أن تطبيق مثل هكذا إجراءات، يمكن أن يؤدي إلى إضعاف سلطة الإقليم السابقة وتجريدها من الكثير من صلاحياتها التنفيذية، ما يعزز فرص نجاح التغيير السياسي وتحقيق التنمية الاجتماعية المنشودة في الإقليم.

ثانياً: قوات لييو بوليس:

مع إعلان اعتقال رئيس الإقليم وعدد من قيادتها، بدأت قوات (Liyue Police) التابعة لحكومة الإقليم، بالانسحاب من المدن الرئيسية وإخلاء مواقعها العسكرية، ودون أي قتال يذكر.

ومع أنه لم يكن متوقعاً من قوات “لييو بوليس” الصمود طويلاً أمام الزحف العسكري الكبير كهذا، فمن المحال أن تواجه جيشاً نظامياً يعد من أقوى الجيوش الإفريقية بقوات محدودة من المليشيات ذات أسلحة خفيفة، إلا أن انسحابها السريع واخلاء مواقعها العسكرية بهذا الشكل، قد كان مفاجئاً للكثير من سكان الإقليم، حيث وقف الجميع مذهولاً أمام هذا التطور العسكري الدراماتيكي السريع، ويبدو أن الرأي العام المحلي لم يكن مهيئاً لمثل هذا السيناريو، نتيجة لممارسات التضليل الإعلامي التي جرت خلال الفترة الماضية، وبشكل متعمد لتضخيم حجم وقدرة تلك القوات والمبالغة في جاهزيتها لمواجهة أسوء الاحتمالات العسكرية التي قد يتعرض لها الإقليم، في ظل تأزم العلاقات مع الحكومة الإثيوبية الجديدة، وتصاعد الاحتجاجات الشعبية المناهضة لرئيس الإقليم وأجهزته الأمنية.

لقد أثار التبخر السريع لهذه القوات،الكثير من علامات الاستفهام حول طبيعة المرحلة القادمة من المواجهة المحتملة بين أطراف الصراع الرئيسية.

ورغم نجاح الحكومة الإثيوبية في تحقيق تقدم عسكري سريع على الأرض، إلا أن نتائج وتداعيات هذا التطور الدراماتيكي المفاجئ، لم تتضح بعد بشكل نهائي، وأن ذلك الواقع الجديد يستدعي إلى إعمال معايير المنطق والتحليل السليم، للحديث عن الخيارات المتاحة أمام قوات (Liyue Police) في المدى المنظور، بعيداً عن القراءات السطحية والتحليلات الارتجالية، وتحميل الظواهر أكثر من معناها، وفيما يلي نستعرض بعض السيناريوهات المحتملة والخيارات الأكثر ترجيحاً التي نجملها في النقاط الآتية:

• خيار الحرب والمواجهة:

يعتبر بعض المحللين خيار الحرب والمواجهة بين الجيش الإثيوبي وعناصر قوات “لييو بوليس” مستبعدا في ظل إحكام القوات الإثيوبية الاتحادية قبضتها على الإقليم. ويرى أن هذا الخيار يبدو غير مضمون النتائج إذ لا يمكن لهذا القوات أن تخوض حرب عصابات طويلة الأجل، لعدة أسباب موضوعية من أبرزها، ضعف وغياب الحاضنة الاجتماعية لهذه القوات في ظل اشتداد الخلافات وتصاعد الاحتقان السياسي والاجتماعي الذي يعاني منه الإقليم الصومالي في إثيوبيا منذ زمن طويل.

• خيار السلم والمصالحة مع الحكومة الإثيوبية:

يؤكد آخرون بأنه ليس أمام هذا القوات خيار مناسب سوى خيار السلم والمصالحة مع الحكومة الإثيوبية، لكن هذا الخيار لا يبدو أيضاً خياراً واقعياً، بفعل فقدان الثقة واتساع الهوة بين الطرفين، ولعل هذا ما دفع تلك القوات إلى التعبير عن هواجسها الكبيرة تجاه نيات القيادة الإثيوبية الجديدة لإلغاء الصلاحيات الأمنية التي كانت تتمتع بها سلطة الإقليم، وهو ما يفسر سبب رفضها الشديد للدعوة التي وجه إليها رئيس الوزراء الإثيوبي للتعاون مع الجيش الفيدرالي الإثيوبي لاستعادة الأمن والاستقرار في الإقليم.

• خيار التفكك والانهيار الكامل:

وفيما يذهب بعض المراقبين إلى احتمال تفكك وانهيار كامل وسريع لقوات “لييو بوليس” ولهذا يتوقع هؤلاء أن يكون هذا الانسحاب المفاجئ مقدمة لانهيار سريع ونهائي لتلك القوات، ومع أن هذا الاحتمال يبدو أقل ترجيحاً إلا أنه ما زال وارداً، نتيجة لاختلال الموازين العسكرية على الأرض، فضلاً عن الأسباب الأخرى التي سبقت الإشارة إليها أعلاه.

قضايا ساخنة

هل تستمر الدوحة في التأثير على الانتخابات الصومالية بالمال السياسي؟

المرشح البغدادي في حديث خاص للصومال الجديد

بعد أربع سنوات من الدور السلبي في الصومال: قطر تحاول تلميع صورتها

خطاب الرئيس دني .. مخاوف وأسرار

الاتفاقيات حول النفط الصومالي .. تقض مضاجع الخبراء في الصومال