سوق بكارو: المحور الاقتصادي للتجارات الصومالية (دراسة ميدانية)
عمر فارح
آخر تحديث: 23/05/2019
لقراءة الدراسة أو تنزيلها بصيغة بي دي اف انقر هنا
مقدمة
يعتبر سوق بكارو وحدا من أكبر الأسواق في الصومال ويمارس التجارة فيه منحدرون من مختلف محافظات البلاد، ومن خارجها. تأسس السوق نهاية عام 1950 وكان إذ ذاك محلا يستخدمه الفلاحون لادخار غلاتهم الزارعية السنوية فيه، وهذا هو أصل تسميته باسم ” بكارو”، وبدأ العمل فيه كسوق في عام 1970 في أيام الحكومة العسكرية، وكانت للبلاد في ذلك الوقت أسواق كبيرة مثل سوق حمرويني الذي كان أكبر سوق في البلاد يستقطب الأثرياء من أهالي العاصمة مقديشو.
نشب في عام 1983 حريق هائل في سوق ” حمروين ” ما جعل الناس ينتقلون إلى أسواق أخرى مثل سوق ” بعاد ” بمديرية ياقشيد، وسوق ” بكارو” بمديرية هولوداغ، وعند دخول البلاد إلى الحرب الأهلية أصبح سوق حمرويني مسرحا للصراعات ما أدى إلى إغلاقه أبوابه نهائيا، ومنح ذلك فرصة لسوق بكارو، فانهيار سوق حمرويني وجاحة الناس إلى سوق تجاري أدى إلى تحول سوق بكارو إلى مركز تجاري كبير.
تأسس السوق في البداية في مديرية هولوداغ، ثم اتسع بعد ذلك ليصل إلى كل من مديريتي هدن، وورطيغلي، وإن كان معظمه يقع في هولوداغ.
الشكل أدناه فيه مربع في الداخل يشير إلى مساحة السوق في عام 1990 ومربع خارجي يشير إلى مساحة السوق في الوقت الحالي.
اشتهر اسم سوق بكارو في العالم عند إسقاط طائرات أمريكية فيه عام 1993م، وفيه مواقع اتصفت سابقا بالأنشطة غير الشرعية مثل موقع ” عرتوك” المخصص لبيع الأسلحة غير الشرعية ، “وعبدله شديي” الشهير بإصدار البطاقات والوثائق المزورة، وعندما استعادت الحكومة الصومالية سلطتها، اختفت تلك الأنشطة غير الشرعية التي كانت تمارس في هذين الموقعين من السوق.
وتتخذ شركات الحوالة والاتصالات والأغذية والنقل وغيرها سوق بكارو مقرا لها، كما يوجد في السوق تقريبا 21000 محل تجاري في 7000 من المباني، بالإضافة إلى البائعين المتجولين، ويرتبط تجار السوق بعلاقات تجارية مع دول الجوار ككينيا وإيثوبيا ويتم نقل المواد إلى البلدين برا، ويستورد التجار الصوماليون من الشرق الأوسط والأقصى وبلدان أخرى في العام الملابس، والأدوات الكهربائية، والسكر وغيرها ويقومون بتصدير هذه البضائع إلى كل من كينيا وإيثوبيا اللتين يستوردون منهما الشاي، والبن، والبصل، والبطاطس.
إدارة السوق
لسوق بكارو لجنة إدارية تتألف من خمسة رجال، وسيدة واحدة، وهؤلاء هم المشرفون على الإدارة العامة للسوق، وباستناء رئيس اللجنة فإن الخمسة الآخرين يمثلون أقسام السوق المختلفة، ولكل قسم لجان داخلية تتولى المهام المنوطة بكل قسم وتتعاون أيضا مع اللجنة العليا، ويقوم تجار السوق بانتخاب أعضاء اللجنة الذين يعملون لمدة عامين، ونظرا لعدم وجود مستحقات شهرية فإن الناس لا يرغبون في البقاء في عضوية اللجنة لمدة طويلة.
تأثير السوق
يعتبر سوق بكارو أكبر مركز تجاري في الصومال، وتتمركز فيه كافة شركات الحوالة، وهو الذي يحدد سعر الصرف للعملات، وتلعب الحوالات دورا مهما في اقتصاد البلاد، لأن أكثر من مليون صومالي يعيشون خارج البلاد، ويحولون سنويا إلى البلاد أكثر من مليار وخمسمائة مليون دولار ، وتتخذ 14 من شركات الحوالة سوق بكارو مقرا لها، وتقدم تسيهلات للمواطين في إرسال مبالغ مالية أو استلامها.
وسوق بكارو هو الموقع الذي يحدد فيه سعر الشلن الصومالي، وفي كل صباح يتصل جميع الصرافيين الصوماليين بالسوق ليعلموا سعر الصرف، والتجار هم الذين كلفوا أنفسهم بتحديد سعر الصرف نظرا لعدم قيام النبك المركزي الصومالي بهذه المهمة، كما أنه لا توجد مؤسسات مالية أخرى تباشر هذه الخدمات.
سوق بكارو هو أكبر موقع يؤمه الناس من أجل العمل في العاصمة مقديشو، والعمال فيه ينقسمون إلى عمال دائمين وغير دائمين يحصلون على الوظيفة عند الحاجة، وترى في الصباح الباكر في طرقات السوق واقفين ينتظرون دعوة من أجل العمل، وهؤلاء يقومون بأعمال مختلفة مثل الجزارة، والبناء وغيرهما، وهؤلاء العمال الذين أتوا من أطراف العاصمة يتنافسون في الحصول على فرص عمل هنا في السوق.
التحديات
بغض النظر عن النمو السريع، يتعرض السوق لتحديات تعوق دون المشاركة في مبادرة توحيد تجارة البلدان المجاورة التي تقودها الحكومة الفيدرالية، ومن أبرز التحديات تدهور الوضع الأمني، وهشاشة البنية التحتية، وأنشطة تجارية بعضها غير مواقف للقانون، ومشكلة في النظافة.
الأمن
مرّ سوق بكارو من الناحية الأمنية بمراحل مختلفة ، وعندما دخلت القوات الإيثوبية في عام 2006 إلى العاصمة مقديشو، تحول السوق إلى مسرح للصراع، وأدى هذ التدخل إلى انتقال الأنشطة التجارة فيه إلى منطقة ” عيلشابيها ” في ضواحي العاصمة مقديشو، ومناطق أخرى، ومن أجل تحقيق أمن السوق توصلت الحكومة الصومالية الانتقالية في ذلك الوقت وتجار السوق إلى اتفاق على تشكيل قوة حراسة ترتدي زيا خاصا مهمتها حماية السوق، وعقب ذلك تولت حركة الشباب المرتبطة بتنظيم القاعدة أمن السوق حتى عام 2011م، وفي عام 2012 عند عودة السيطرة على السوق إلى الحكومة الفيدرالية تم افتتاح مزكر للشرطة فيه بهدف تعزيز الأمن، ويتلقى المركز دعما من مراكز الشرطة في كل من مديريات هدن، وهولوداغ، وورطيغلي.
وعلى الرغم من أن أربع مراكز للشرطة تعمل في أمن السوق، إلا أنه توجد فيه مخاوف أمنية، فقد قتل فيه رجال أعمال بارزون مثل أحمد نور أودين الرئيس السابق لإدارة السوق، وتسبب تدهور الأمن في السوق في عدم توجه مسؤولي الحكومة الفيدرالية، والشخصيات البارزة المجتمع، والأجانب إلى بكارو من أجل التسوق.
البنية التحتية
من ناحية العرض ( غربا – شرقا) يمر بالسوق 14 طريقا ( شارعان، و12 طريقا ترابيا )، ومن ناحية الطول ( جنوبا – شمالا) يمر به 17 طريقا ( ثلاثة شوارع و14 طريقا ترابيا).
جعلت البناءات العشوائية استخدام تلك الطرق أمرا صعبا، وكذلك الباعة المتجولون، ويعاني السوق من نشوب الحرائق فيه. وفي كل عام يندلع حريق في السوق بسبب الإهمال ، أو التماس الكهربائي، وتساعد شركة هومود للاتصالات وإدارة محافظة بنادر التجار على إخماد الحرائق التي تتسبب في خسائر اقتصادية هائلة، وأحيانا في خسائر بشرية، ومن أحدث الحرائق التي نشبت في السوق حريق اندلع فيه في العاشر من شهر يناير، والأول من فبراير لعام 2019 الجاري، وغالبا يكون نشوب الحرائق في الليل، ورجال الأطفاء يستخدمون أحيانا جرافات من أجل شق الطرق لتمكين سيارات الإطفاء من العبور لإخماد الحرائق.
ويزود السوق بالكهراء ثلاث شركات هي ” بيكو” و” مقديشو باور”، و” بلو سكاي إنرجي”، وبسبب مناخ مقديشو الحار يحتاج الناس إلى ثلاجات للحصول على الماء البارد، وسعر الكهرباء تتراوح ما بين $0.4 و$0.55 للكيلووات الواحد، وهذا السعر مرتفع جدا بالمقارنة مع قيمة الكهرباء في الأسواق الأخرى في كل من إيثوبيا وكينيا.
التجارة غير الرسمية
يأخذ رجال الأعمال في سوق بكار على الرخص التجارية من وزارة التجارة الصومالية، وإدارة محافظة بنادر، ولكن هناك أنشطة تجارية غير مرخص لها من قبل المؤسسات الحكومية.
وتقوم وزارة المالية في الحكومة الفيدرالية بجمع الضرائب من السوق، ولكن يوجد في الوقت نفسه مجموعات تأخذ الضرائب عن التجار في السوق بطريقة غير شرعية.
والصومال الذي هو بلد يتعافي من الحرب والفوضى، يحتاج إلى تنظيم الاستثمار، وجمع الضرائب، وعمليات التسجيل، وتوفير العدالة، وإذا ما تم ضبط هذه الأمور فإن ذلك سوف يؤدي إلى انتعاش اقتصادي واستقرار أمني، وتشجيع على الالتزام بالقانون.
ويرغب التجار الصوماليون في تقنين تجارتهم بعد انضمام الصومال إلى التجارات الإقليمية في القارة الإفريقية مثل منظمة ” كوميسا ” وتطلعه إلى خلق علاقات تجارية قوية مع دول الجوار.
المياه والنظافة
أوضاع النظافة في سوق بكارو غير جيدة، وعلى الرغم من أن شركات خاصة تقوم بتنظيف السوق، فإن القمامة أحيانا تسد بعض الطرق كما يتم أحيانا تحويل بعض المناطق في السوق إلى مزبلة، وتزود خمس شركات هي: ” كوفي” و” حسن حرّش” و ” وصلاد طبري” و” عيل سرور” و” وعيل هندي” السوق بالماء، وتتراوح رسوم المياه بين $0.83 و$1.25 للمتر المكعب الواحد. وتوجد في السوق دورات مياه ليست نظافتها على المستوى المطلوب من الجودة مع أنها ليست مجانية.
الخاتمة والتوصيات
سوق بكارو مصدر تجاري مهم للشعب الصومالي، ورجال الأعمال وزبائنهم هم رموز للتضحية والشجاعة للتجلد الذي أبداه الشعب الصومالي في الظروف الصعبة التي مرت بها البلاد، كما أن صبرهم وتحملهم للشدائد يبعث الأمل ويشجع الدور الذي يمكن أن يلعبه سوق بكارو في تنمية اقتصاد البلاد وإعادة استقرارها فالسوق يمثل الآن أكبر سوق يتخذ فيه رجال الأعمال مقرا لأنشطتهم التجارية.
لكن تخوف الشخصيات البارزة في المجتمع من التسوق فيه وما يعاني منه أيضا من مشاكل مثل مشكلة النظافة يحتم على الجهات المعنية العمل بسرعة على معالجة تلك القضايا إذا كانت هناك رغبة في منافسة الصومال للبلدان المجاورة.
المطلوب من الحكومة الفيدرالية
1- تنفيذ برامج لتعزيز أمن السوق، وإيجاد حلول لنشوب الحرائق فيه، الأمر الذي يهدف إلى رفع قدرة التجار واستعدادهم لإيجاد حلول للمشاكل الأمنية والحالات الطائرة.
2- تزويد مراكز الشرطة المعنية بالسوق بقوات ومعدات كافية للتعامل مع التحديات الأمنية فيه.
3- التصدي للأنشطة غير الشرعية التي تمارس في السوق.
4- العمل مع التجار في توفير كهرباء في السوق بسعر منخفض، وتشكيل إدارة رشيدة، وتوفير خدمات جيدة وطرق مفتوحة.
5- تحسين النظافة في السوق.
6- التأكد من التزام التجار بالقانون، والتسجيل وتشجيعهم ومساعدتهم لينافسوا نظراءهم في العالم.
المطلوب من رجال الأعمال
1- الاستعداد للتكامل الاقتصادي مع دول الجوار وغيرها.
2- تعزيز دور الشباب والمرأة في إدارة السوق
3- إزالة العوائق التي تواجه رجال الإطفاء أثناء نشوب الحرائق.
4- تقديم دورات تدريبية للعاملين ليأخذوا دورهم عند الحاجة إلى الإسعافات الأولية والقيام بتجارب مستمرة.
5- تطبيق نظام التأمين المباح من أجل تقليل الخسائر عند وقوع بعض الأحداث في السوق.
6- تطوير السوق لتشجيع الطبقة الراقية من المجتمع وجميع المواطنين على التسوق منه.