الصومال الجديد في حوار خاص مع السفير عبد القادر معلم نور: يكشف مشروع “سمدون” لإعادة بناء الدولة الصومالية
عبد الله الفاتح
آخر تحديث: 4/06/2025

عبد الله الفاتح
في وقت يشهد فيه الصومال أزمة سياسية مركّبة وتحديات اقتصادية وأمنية متفاقمة، يبرز على الساحة حزب سياسي جديد يحمل اسم “سمدون”، بقيادة الدكتور عبد القادر معلم نور، سفير الصومال لدى منظمة التعاون الإسلامي.
يمثل الحزب محاولة جديدة لإعادة صياغة المشهد السياسي بمنظور مختلف، يقوم على بناء دولة مؤسسات، وتحقيق التوازن بين تطلعات الشارع ومقتضيات الحكم الرشيد.
في هذا الحوار الخاص الذي أجراه عبد الله الفاتح، نقترب من رؤية الدكتور عبد القادر لحل أزمات الصومال، ونتعرف على المشروع السياسي الذي يطرحه “سمدون” كبديل وطني جامع يسعى لكسر الجمود وإعادة الأمل للمواطن الصومالي.
إليكم نص الحوار:
عبد الله الفاتح: نرحب بكم سعادة السفير الدكتور عبد القادر معلم نور، ونشكركم على إتاحة الفرصة لهذا اللقاء الحصري. بدايةً، نود أن نسأل: كيف نشأت فكرة تأسيس حزب “سمدون”، وما هي أبرز الأهداف والطموحات التي يسعى الحزب إلى تحقيقها في المشهد السياسي الصومالي؟
السفير عبد القادر معلم نور: أود أن أعبر عن خالص شكري لكم على هذه الفرصة القيمة التي أتاحتها لي مؤسسة الصومال الجديد للإعلام والبحوث والتنمية للتحدث عن حزب “سمدون” ورؤيته المستقبلية. تأسس حزب “سمدون” بعد سلسلة من النقاشات والحوارات المعمقة التي شارك فيها عدد كبير من المثقفين والسياسيين وعلماء الدين والنساء والشيوخ من مختلف أنحاء الصومال، الذين كانوا على وعي عميق بحاجة بلادنا إلى مسار جديد يعتمد على التكاتف الوطني، العدالة، والاعتماد على الذات. خلال اللقاءات التي عقدناها في مناطق متعددة من البلاد، طرحنا سؤالًا حاسمًا: “ما الذي يجب أن نقدمه لشعب أنهكته الحروب، الفساد، والأزمات الاقتصادية؟” وكانت الإجابة الواضحة: ضرورة تأسيس حزب برؤية استراتيجية بعيدة المدى، ولكنه في ذات الوقت يلامس احتياجات المواطنين اليومية. وبذلك، وُلد “سمدون” – الحزب الذي يحمل اسمًا مستمدًا من التراث الصومالي ويعبر عن الأمل في الإصلاح والخير.
هدفنا الأول هو تحقيق سلام دائم، فنحن نؤمن أن كل تقدم يبدأ من الأمان والثقة بين الدولة والمواطن. لذلك، نركّز على إصلاح وتأهيل القوات المسلحة، وتوحيد أجهزة الأمن، وتعزيز الشراكة المجتمعية، للقضاء على تهديد الجماعات المسلحة كـ”الشباب” و”داعش”. والسلام لا يعني فقط وقف إطلاق النار، بل خلق بيئة يسودها العدل ويشعر فيها كل مواطن بأن حقوقه مصانة.
الركيزة الثانية هي الحكم الرشيد والعدالة المتساوية. نطمح إلى بناء نظام قضائي مستقل وشفاف يخدم المواطنين، لا الجماعات الخاصة، وإلى حكومة خاضعة للمساءلة، خالية من الفساد، تُعيد ثروات البلاد إلى مكانها الطبيعي: خدمات الصحة، والتعليم الجيد، والمياه النظيفة، في كل منطقة يعيش فيها الصوماليون.
أما الركيزة الثالثة فهي النهوض بالاقتصاد لخلق فرص عمل وأمل جديد، خصوصاً للشباب. لدينا خطط لمشاريع بنى تحتية مثل الطرق والموانئ والطاقة الموثوقة لدفع عجلة التجارة وفتح الأسواق. كما نولي اهتماماً بالتعليم المهني، ودعم الزراعة والصيد، وتنمية المشاريع الصغيرة، وتشجيع الاستثمار المستدام الذي يتماشى مع البيئة، للحد من آثار تغيّر المناخ التي تؤثر بشدة على بلادنا.
وأخيراً، نحن نؤمن بأن بلادنا تمتلك طاقات هائلة يمكن تفعيلها عبر وحدة وطنية حقيقية وتعاون إقليمي فعّال. سيسعى حزب “سمدون” إلى ترسيخ نظام سياسي يشعر من خلاله الجميع—قبائل وأقاليم—بأنهم جزء من مستقبل مشترك، وأن الصومال قادر على بلوغ الاستقرار والتنمية التي يستحقها، في تناغم مع محيطه الإقليمي والدولي.
غايتنا أن ينمو أطفال الصومال خلال السنوات الخمس القادمة في وطن آمن، وأن يحظى الشباب بفرص عمل وأمل حقيقي، كي يدخل بلدنا مسار النمو الاقتصادي ويستعيد مكانته المستحقة بين الأمم.

الفاتح: ما هي الفلسفة السياسية والمعرفية التي يعتمد عليها حزب سمدون؟
السفير نور: الفلسفة السياسية لحزب “سمدون” تستند إلى رؤية تُعرف بـ “الاعتدال المتقدم”، وهي تجمع بين قيم الهوية الصومالية، المبادئ الأخلاقية للإسلام، ومبادئ الديمقراطية الحديثة. نؤمن أن الحكومة هي ملكية مشتركة بين جميع المواطنين، وبالتالي يجب أن تكون الإدارة شفافة، خاضعة للمحاسبة، وتُوزع صلاحياتها بعدالة بين الحكومة الفيدرالية والحكومات الإقليمية، بحيث يكون للمجتمعات المحلية دور فعال في اتخاذ القرارات. ديمقراطيتنا تقوم على المشاركة والتشاور المفتوح، بدلاً من أن تكون ساحة لصراع بين العشائر أو الجماعات التي تسعى للهيمنة على الساحة السياسية.
من هذا المنطلق، نشجع على الحوار المستمر مع الحكومات الإقليمية، السياسيين، منظمات المجتمع المدني، المجالس الشبابية، ومنظمات النساء، لضمان أن القرارات المهمة تأتي بعد تقييم شامل وشفاف.
أما في مجال المعرفة، يعتمد الحزب على مبدأ “اتخاذ القرارات بناءً على الأدلة”. نحن ندمج الحكمة الثقافية الصومالية مع نتائج البحث العلمي الحديث، بدءًا من علوم المناخ والاقتصاد وصولاً إلى العلوم الاجتماعية، لضمان أن الحلول التي نقدمها قابلة للتنفيذ ومستندة إلى بيانات وأبحاث موثوقة. نعتقد أن المثقفين والخبراء التقنيين يمكنهم العمل معًا بشكل تكاملي: حيث يقدم المثقفون رؤية استراتيجية، بينما يضمن الخبراء أن تكون الخطط متوافقة مع الواقع الفعلي للبلاد.
هذا التوجه الفكري يقودنا أيضًا إلى تشكيل اقتصاد السوق الاجتماعي، الذي يشجع على حرية التجارة والإبداع والتنافس، بينما يصحبه نظام ضريبي وبرامج اجتماعية تضمن أن لا يُترك أحد خلف الركب. هذا المبدأ يدعم نمو الشركات الخاصة مع ضمان تكافؤ الفرص في التعليم، الرعاية الصحية، المياه النظيفة، والبنية التحتية الأساسية من الريف إلى العاصمة، بالإضافة إلى تعزيز الإنتاج الزراعي.
وأخيرًا، نؤكد على أن القيادة يجب أن تكون أخلاقية ومسؤولة تجاه البيئة والأجيال القادمة. لذلك، تعتمد فلسفتنا المعرفية على مبدأ الاستدامة، بحيث ندير مواردنا الطبيعية بحذر، مع الحفاظ على البيئة، وتحويل هذه الموارد إلى فرص عمل وطاقة نظيفة.
باختصار، يمثل حزب “سمدون” سياسة تقوم على التعاون، العدالة، والحكمة المعرفية التي يمكن أن تقود الصومال إلى سلام دائم، حكومة شاملة، ونمو اقتصادي عادل.

الفاتح: كيف تقيمون دور حزب “سمدون” في الخريطة السياسية الحالية في الصومال؟
السفير نور: يتمتع حزب “سمدون” اليوم بموقع استراتيجي بارز على الخريطة السياسية الصومالية، ويعد أحد الأحزاب السياسية الرائدة التي تواصل النمو والانتشار في مختلف أنحاء البلاد. على سبيل المثال، شهد المؤتمر الأخير للحزب الذي انعقد في مقديشو في 21 أبريل 2025 مشاركة أكثر من 5000 عضو، وهو عدد غير مسبوق في تاريخ الأحزاب الصومالية، ما يعكس الدعم الشعبي الواسع والثقة الكبيرة التي يحظى بها الحزب. كما أن الحزب لديه شبكة واسعة من الفروع والمكاتب في أكثر من تسعة أقاليم صومالية، مما يجعله الحزب الأول الذي يصل إلى المجتمعات المحلية في المدن الصغيرة والقرى النائية على مستوى البلاد.
ومع ذلك، فإن التحدي الحقيقي سيكون في الانتخابات المقبلة لمجلس بلدية مقديشو، حيث نؤمن أن إجراء انتخابات حرة ونزيهة، تحت إشراف دولي مستقل، سيوضح بشكل جلي حجم التأييد الشعبي لبرنامج الحزب. وستكون هذه الانتخابات بمثابة اختبار حاسم لمدى تأثير الحزب على الساحة السياسية، خاصة إذا تمت في بيئة تنافسية شفافة بعيدة عن أي تدخلات سياسية أو تحايلات من الأطراف الحاكمة.
الفاتح: كيف ترون أداء الحكومة الفيدرالية الحالية؟
السفير نور: نقيم أداء الحكومة الفيدرالية الحالية من خلال ثلاثة محاور رئيسية تُظهر بوضوح أوجه القصور التي تعاني منها: الفساد المستشري، العلاقة غير المستقرة مع الحكومات الإقليمية، والاستراتيجية الأحادية التي تم اتباعها في مواجهة حركة الشباب. هذه العوامل مجتمعة قد أدت إلى تراجع ملحوظ في التقدم السياسي، الاقتصادي، والأمني في البلاد.
أولاً، تظل الصومال واحدة من الدول الأكثر فساداً في العالم، حيث احتلت المرتبة 179 من أصل 180 هذا العام، ما يعكس غياباً تاماً للآليات الفعّالة للمحاسبة والشفافية. شهدنا في الفترة الأخيرة عدة فضائح تشمل عقوداً عسكرية، مساعدات إنسانية موجهة للنازحين، ومشاريع النفط، بينما تفتقر الهيئات الرقابية مثل مكتب المحاسبة العامة إلى القدرة والموارد اللازمة لإجراء تحقيقات مستقلة وشفافة.
ثانياً، تزايدت الخلافات بين الحكومة الفيدرالية وبعض الحكومات الإقليمية، خاصة فيما يتعلق بتعديلات الدستور والتدخلات المستمرة في شؤون بعضها البعض. هذه الصراعات أدت إلى تعطل العمليات الأمنية وتوقف بعض مشاريع التنمية الحيوية، مما أثر بشكل مباشر على الثقة الدولية في قدرة الحكومة على إدارة ملفات إعادة الإعمار.
أما ثالثاً، فإن الاستراتيجية العسكرية المعتمدة لمواجهة حركة الشباب تقتصر على العمليات العسكرية التقليدية، مع إغفال معالجة الجذور الفكرية للتطرف ووقف تدفق مصادر تمويل الجماعة. في المناطق التي تم تحريرها، فشلت الحكومة في إقامة إدارات محلية قوية وضمان تقديم الخدمات الأساسية للمواطنين، ما ساعد على عودة الحركة إلى بعض المناطق الاستراتيجية.
إن الجمع بين الفساد المستشري، التشويش في العلاقات الفيدرالية، والاستراتيجية القتالية المحدودة قد خلق حاجة ملحة لقيادة أكثر كفاءة وقادرة على إحداث التغيير المنشود. يعتقد حزب “سمدون” أن هذه الحاجة ستُلبى من خلال انتخابنا. نحن ملتزمون بتأسيس حكومة شفافة وقوية، وتعزيز التعاون مع الحكومات الإقليمية، وتطوير استراتيجية أمنية شاملة تجمع بين محاربة الفكر المتطرف، وتجفيف مصادر تمويل الإرهاب، وإجراء عمليات عسكرية استراتيجية من أجل ضمان استقرار البلاد وتقديم خدمات قانونية واجتماعية للمواطنين.
الفاتح: ما هو موقف حزب سمدون من الصراع السياسي القائم بين الحكومة الفيدرالية وبعض الحكومات الإقليمية في البلاد؟
السفير نور: موقف حزب “سمدون” واضح تمامًا: الصراع القائم بين الحكومة الفيدرالية والحكومات الإقليمية يجب أن يُحل من خلال آلية فيدرالية قانونية، شفافة، ومبنية على المساءلة المتبادلة والاحترام المشترك. الطرفان شريكان سياسيان، ومن ثم يجب أن يتم أي تعديل في الدستور أو في نظام تقسيم السلطة عبر مشاورات رسمية يشارك فيها جميع الحكومات الإقليمية بشكل كامل. أي خطوة أحادية الجانب تضر بالثقة المتبادلة، وتفتح المجال للجماعات المتطرفة للاستفادة من أي خلاف سياسي.
يؤمن حزب “سمدون” بأن مجلس التشاور الوطني يجب أن يكون منصة رسمية تُتخذ من خلالها القرارات المصيرية، ويُحل بها أي خلافات بشفافية. نحن نؤكد على ضرورة ألا تقتصر الاجتماعات على العاصمة مقديشو فقط، لكي يُظهر النظام الفيدرالي أنه ليس ملكًا حصريًا لحكومة فيلا الصومال، بل هو نظام يخص جميع الشعب الصومالي ولا يُحكم من باب واحد فقط.
من الناحية الاقتصادية، نرى أن نظام تقسيم الإيرادات يجب أن يستند إلى معايير قانونية شفافة، بدلاً من أن يُبنى على مفاوضات سياسية. هذا سيمنح الحكومات الإقليمية الثقة المالية، كما سيعطي الحكومة الفيدرالية ميزانية يمكن التنبؤ بها. كما نؤيد ضرورة تطبيق المحكمة الدستورية المستقلة على وجه السرعة للفصل في أي خلافات تتعلق بتقسيم السلطة، بدلاً من الانشغال بها على طاولة المفاوضات السياسية.
وأخيرًا، ندعو إلى اتفاق ثلاثي الأطراف قائم على التفاهم بين الحكومة الفيدرالية، الحكومات الإقليمية، والمجتمع المدني، يربط بين دعم الأمن، تحسين الخدمات، والإدارة الجيدة. هذا الاتفاق يجب أن يكون مستندًا إلى جدول زمني لانتخابات شفافة على المستويين الفيدرالي والإقليمي، بحيث يتم تغيير أي هيئة وفقًا للمواعيد المحددة في إطار سلمي.
هكذا يرى حزب “سمدون” حل الخلافات الفيدرالية: حكومة قانونية، نظام مستقر، خدمات متساوية، وأمن يشعر به الشعب بشكل حقيقي.
الفاتح: إلى أي مدى أنتم مستعدون للانتخابات القادمة وما هي أبرز التحديات التي ترونها؟
السفير نور: حزب “سمدون” مستعد بشكل كامل للمشاركة في الانتخابات المقبلة التي نطمح أن تكون حرة، نزيهة، وشفافة، قائمة على مبدأ “صوت لكل شخص”. لدينا قاعدة جماهيرية عريضة، وهيكل تنظيمي قوي، ورؤية سياسية راسخة ترتكز على الشرعية والثقة. استعدادنا لا يقتصر على الحملة الانتخابية فحسب، بل يمتد ليشمل التزامنا العميق بمبادئ الشفافية، العدالة، والامتثال الكامل للقانون.
تُعد المنافسة السياسية جزءًا أساسيًا من النظام الديمقراطي، إلا أن أول اختبار حقيقي للشفافية والثقة الشعبية سيكون في الانتخابات القادمة في منطقة بنادر، والتي تتضمن انتخابات محلية وانتخاب عمدة مدينة مقديشو. هذه الانتخابات، التي ستُمثل التجربة الأولى تحت نظام “لكل شخص صوت”، يجب أن تُظهر قدرة الحكومة الفيدرالية على إدارة انتخابات عادلة وشفافة، وهو ما يُعد شرطًا أساسيًا للانتقال إلى انتخابات وطنية تشمل جميع أنحاء البلاد.
من أجل ضمان نجاح هذه العملية، يضع حزب سمدون عدة شروط أساسية يجب تلبيتها:
- أمن موثوق به: لضمان إجراء الحملة الانتخابية، والتصويت، وفرز الأصوات في بيئة آمنة، مع التأكيد على ضرورة عدم تدخل القوات الأمنية في عملية التنافس بين الأحزاب السياسية.
- ميزانية شفافة: لضمان وضوح تقسيم النفقات بين الحكومة والأحزاب السياسية، والحد من استغلال الموارد العامة في العملية الانتخابية.
- رقابة مستقلة: سواء من الداخل أو الخارج، مع ضمان إتاحة الوصول الكامل إلى مراكز الاقتراع، مراكز فرز الأصوات، والبيانات الإلكترونية المتعلقة بالانتخابات.
- إجراءات واضحة لحل النزاعات الانتخابية: تحت إشراف لجنة مستقلة أو محكمة انتخابية محايدة، لضمان تسوية أي خلافات انتخابية بطريقة عادلة وشفافة.
- حرية التعبير والمساواة في الفرص الإعلامية: لضمان أن جميع الأحزاب السياسية تحصل على فرصة متساوية للوصول إلى الجمهور، مع توفير معلومات شاملة وموضوعية للناخبين.
لضمان الشفافية التامة في عملية الفرز، يطالب حزب سمدون بتوفير مراقبين رسميين في جميع مراكز الفرز من البداية إلى النهاية، مع الإعلان المسبق عن الجدول الزمني المحدد ومواقع مراكز الفرز، لضمان متابعة المجتمع للعمليات الانتخابية بشكل كامل.
إذا تم تنفيذ هذه الشروط، فإن انتخابات منطقة بنادر ستكون نموذجًا يُمكن توسيعه ليشمل الانتخابات الوطنية المستقبلية على مستوى البلاد، بدءًا من المناطق المستقرة، ثم الانتقال إلى الولايات الإقليمية بعد تسوية النزاعات السياسية بينها. ومع ذلك، إذا تم التغاضي عن أي من هذه الشروط الأساسية—سواء كانت تتعلق بقوانين غير مكتملة، أو عمليات تسجيل مشكوك فيها، أو منع الأحزاب من المشاركة في العملية ا—فإن الخيار الوحيد المتاح قد يكون إجراء انتخابات غير مباشرة، حتى يصبح المناخ السياسي مهيأ لإجراء انتخابات شعبية حقيقية.
وفي حال تعذر إجراء انتخابات مباشرة بنظام “صوت لكل شخص”، فإن حزب “سمدون” مستعد للمشاركة في أي عملية انتخابية أخرى تتماشى مع العرف السياسي الصومالي، بهدف حماية البلاد من الفوضى السياسية وضمان انتقال سلمي إلى مرحلة استقرار قانوني وديمقراطي.
إن النجاح الأول للنظام الديمقراطي في الصومال يعتمد بشكل رئيسي على كيفية إدارة انتخابات منطقة بنادر. فإذا تم إجراؤها بشكل شفاف، نزيه، وعادل، ستكون هذه الانتخابات بمثابة العلامة الأولى التي تؤكد استعداد البلاد للانتقال إلى مرحلة الانتخابات الوطنية القابلة للتطبيق على نطاق واسع.
الفاتح: ما هي رؤية حزب سمدون في التعامل مع قضايا الإرهاب والتطرف، خاصة في ظل التهديد المستمر الذي تمثله جماعات مثل “الشباب” و”داعش”؟
السفير نور: رؤية حزب سمدون لمكافحة الإرهاب والتطرف تستند إلى استراتيجية شاملة ومتعددة الأبعاد، تجمع بين الأمن، الفكر الوقائي، التنمية الاقتصادية، والحوكمة الرشيدة، مع التأكيد على التعاون الوثيق بين الحكومة الفيدرالية، الحكومات الإقليمية، المجتمع المدني، والشركاء الدوليين.
فيما يتعلق بالأمن، يعتزم الحزب تنفيذ عمليات عسكرية استراتيجية تقوم على مبدأ “تحرير-حماية-بناء” (Clear–Hold–Build). حيث يتم تحرير الأراضي من قبضة جماعة الشباب، ثم يتم على الفور نشر وحدات من الشرطة والقوات المحلية لضمان استتباب الأمن، مع توفير خدمات الإدارة المؤقتة لبناء الثقة وتعزيز الاستقرار. لا تقتصر هذه العمليات على الجانب العسكري فقط، بل تمتد إلى العمل المستمر لضمان الحفاظ على الأمن واحتواء التهديدات على المدى الطويل.
نؤمن بأن التصدي للفكر المتطرف يتطلب تزويد المجتمع بالمعرفة الدينية السليمة وتوفير منصات للنقاش والتفكير الحر. من هذا المنطلق، يولي حزب سمدون أهمية كبيرة لدور العلماء، معلمي مدارس القرآن، ووسائل الإعلام المحلية، في تفكيك الأسس الفكرية التي تغذي التطرف. بالإضافة إلى ذلك، تم تصميم برامج توعية للشباب تركز على توفير مهارات حياتية وفرص بديلة لهم بعيدًا عن الانضمام للجماعات المتطرفة.
جانب أساسي في استراتيجيتنا يتمثل في عرقلة المصادر الاقتصادية للجماعات الإرهابية. يعتمد تنظيم الشباب بشكل كبير على الأموال التي يجنيها من رجال الأعمال، وتجارة الفحم، والمخدرات. لذلك، يعمل الحزب على تطوير نظم اقتصادية مستدامة في المناطق المحررة، تتماشى مع النظم الاقتصادية السائدة في باقي أنحاء البلاد، بهدف إضعاف قدرة الجماعات الإرهابية على تمويل أنشطتها.
كما نؤمن بأن الحوكمة الرشيدة والمصالحة الوطنية هما الأساس لبناء سلام دائم. فور تحرير أي منطقة، سيتم تشكيل لجنة مؤقتة تمثل كافة مكونات المجتمع المحلي، بهدف توفير الخدمات الأساسية مثل المياه، الصحة، والتعليم، مما يسهم في بناء الثقة بين الحكومة والشعب. بالإضافة إلى ذلك، تم إعداد برنامج “العفو-الطريق-السلام” (Safe-Path Amnesty) للأفراد الذين شاركوا في الأنشطة الإرهابية ويرغبون في العودة إلى المجتمع، حيث يتم توفير فرص لدمجهم بشكل آمن ومؤثر في الحياة المجتمعية.
الفاتح: كيف يرى حزب سمدون سبل تطوير الاقتصاد الصومالي؟
السفير نور: رؤية حزب سمدون لتطوير الاقتصاد الصومالي تقوم على أساس تعزيز النمو الاقتصادي الشامل والمتوازن، بحيث يتم توزيع الفوائد بشكل عادل بين جميع المناطق، مع مراعاة التحديات والفرص التي يواجهها البلد في الوقت الراهن.
أولاً، يعد تحسين البنية التحتية أحد المحاور الأساسية لتحقيق النمو الاقتصادي. يولي حزب سمدون أهمية خاصة لتحسين وتوسيع شبكة الطرق التي تربط الموانئ بالمناطق الداخلية، وذلك بهدف تقليل تكاليف النقل وتعزيز القدرة التنافسية للمنتجات الصومالية في الأسواق الإقليمية والدولية.
ثانيًا، يعتبر تحديث القطاعات الاقتصادية الرئيسية في البلاد مثل الزراعة، وصيد الأسماك، والثروة الحيوانية أمرًا بالغ الأهمية. يخطط الحزب لإنشاء صندوق تمويل يجمع بين المنح الصغيرة، وبرامج التدريب الفني، والتأمين ضد الكوارث الطبيعية، بهدف تمكين الفلاحين والصيادين ورعاة الماشية من تحسين إنتاجهم وزيادة صادراتهم بأسعار تنافسية.
ثالثًا، يؤمن حزب سمدون بأن التنمية الاقتصادية لا يمكن أن تتحقق إلا من خلال جذب الاستثمارات الخاصة. ولذلك، يعتزم الحزب إصلاح النظام الضريبي ليكون أكثر عدلاً وتشجيعًا للاستثمار في الصناعات الحيوية مثل الطاقة المتجددة، وصناعة الألبان، والزراعة المتقدمة، والصيد البحري. كما سيعمل على توفير حوافز ضريبية للمستثمرين، وتسهيل إجراءات الاستثمار من خلال سياسات واضحة ومرنة.
من خلال دمج تحسين البنية التحتية، وتطوير الإنتاج المحلي، وتعزيز الاستثمار، وتشجيع الابتكار بين الشباب، يمكن للصومال أن يحقق نموا اقتصاديًا ملموسًا، ويخلق فرص عمل مستدامة، ويضمن رفاهية اقتصادية لجميع فئات المجتمع. حزب سمدون مستعد للقيادة في هذا المسار نحو بناء اقتصاد صومالي قوي، مستدام، وشفاف.
الفاتح: ما هي خطط حزب سمدون في مجال خلق فرص العمل ومكافحة الفقر؟
السفير نور: يعتزم حزب سمدون تنفيذ برنامج شامل وطموح لخلق فرص العمل، بهدف معالجة مشكلة البطالة المرتفعة والفقر المنتشر في البلاد بشكل عاجل. يعتمد البرنامج على مبدأ “العمل مقابل المال”، من خلال تنفيذ مشاريع تهدف إلى إعادة تأهيل وتطوير البنية التحتية الأساسية مثل الطرق، وآبار المياه، ومشاريع الطاقة الصغيرة. ستتولى الحكومة إدارة هذه المشاريع بشكل مباشر، مع توفير فرص عمل مستدامة للشباب والنساء، وتقديم تدريبات عملية لهم تمنحهم المهارات اللازمة للتنافس في سوق العمل.
وفيما يتعلق بتعزيز قطاع المشاريع الصغيرة، يعتزم الحزب إنشاء “صندوق نمو المشاريع الصغيرة” (SMEGrowthFund)، وهو صندوق ضمان مخصص لدعم النساء والشباب في تطوير مشاريعهم الصغيرة. سيوفر هذا الصندوق آلية تمويل عادلة وقروض حلال لدعم التعاونيات المحلية، وتعزيز الإنتاج الداخلي، وتمكين المشاريع الصغيرة من الوصول إلى الأسواق. يؤمن الحزب بأن دعم هذا القطاع يعد ركيزة أساسية لتحقيق النمو الاقتصادي المستدام، لذا سيقدم له الدعم السياسي، القانوني، والمالي اللازم.
وفي الختام، يطمح حزب سمدون إلى تقليص معدلات الفقر في البلاد بنسبة لا تقل عن 50% خلال خمس سنوات، من خلال خلق آلاف الفرص الوظيفية المباشرة في قطاعات البنية التحتية، الزراعة، صيد الأسماك، الثروة الحيوانية، والابتكار الرقمي. سيتم ذلك عبر تأسيس صناديق دعم مخصصة تساعد الفئات الضعيفة على تحسين أوضاعهم الاقتصادية، والحصول على فرص عمل وحوافز تجارية. ويؤمن الحزب بأن القيادة الشفافة والإدارة النزيهة هما الأساس لبناء اقتصاد يعمل لصالح جميع فئات المجتمع.
الفاتح: كيف ترى التدخلات الإقليمية والدولية في الشأن الصومالي؟
السفير نور: تدخلات الإقليمية والدولية في الشأن الصومالي تحمل جوانب إيجابية وسلبية على حد سواء. من جهة، يجب أن نُقر ونعترف بأن التعاون الدولي كان له دور حيوي في إنقاذ الأرواح، استقرار بعض المدن الرئيسة، وإعادة بناء مؤسسات الدولة. عمليات بعثة الاتحاد الإفريقي في الصومال (ATMIS)، بالإضافة إلى المساعدات الإنسانية التي تقدمها الأمم المتحدة وبرامج الإعفاء من الديون التي يديرها صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، ساهمت في سد الفجوات التي ما زالت تعاني منها الحكومة الصومالية في بعض المجالات. كما نقدر الدعم الذي قدمته الدول الإقليمية والشركاء الدوليون في تدريب وتوفير الدعم لقوات الأمن الصومالية، مما أسهم في تقليص تهديدات الإرهاب.
مع ذلك، لا يمكن تجاهل التحديات التي تصاحب هذه التدخلات. فمع استمرار وجود القوات الأجنبية لفترات طويلة، قد يساهم ذلك في ظهور مشاعر وطنية يتم استغلالها سياسيًا من قبل الجماعات المتطرفة. أحيانًا، تؤثر التدخلات الأجنبية بشكل مباشر على الشؤون الداخلية للبلاد، سواء على مستوى الحدود البرية أو البحرية. بالإضافة إلى ذلك، فإن الاعتماد المستمر على المساعدات الدولية يعوق النمو الاقتصادي المحلي ويمنع الصوماليين من قيادة مساراتهم الاقتصادية التجارية بشكل مستقل.
يؤمن حزب سمدون أن الحل يكمن في إطار شامل يضمن أن يقود الصوماليون بلادهم بأنفسهم مع استمرار الدعم الدولي. إذا تمكنا من بناء الثقة الوطنية وتوفير قيادة مسؤولة، فإن التعاون الدولي سيصبح فرصة حقيقية بدلاً من أن يتحول إلى مجرد تدخل خارجي.
وسيعمل سمدون على ما يلي:
- قيادة الانتقال الكامل لمسؤولية الأمن من بعثة ATMIS إلى القوات الوطنية الصومالية، بما في ذلك الجيش والشرطة.
- تعزيز الدبلوماسية الإقليمية وتوسيع التعاون مع الهيئة الحكومية الدولية المعنية بالتنمية (إيغاد) والاتحاد الإفريقي على أساس الاحترام المتبادل والمصالح المشتركة.
- تسريع برامج الإعفاء من الديون وتحفيز استثمارات في البنية التحتية لتقليل الاعتماد على المساعدات الدولية.
- إنشاء “مكتب تنسيق المساعدات الموحد” لإدارة المساعدات الخارجية وفقًا لخطة التنمية الوطنية، بالإضافة إلى فتح فرص عمل وتطوير للقطاع الخاص المحلي.
رؤيتنا واضحة: الصومال بحاجة إلى التعاون الدولي، ولكن ليس إلى إدارة خارجية. حان الوقت أن يتولى الصوماليون زمام المبادرة في تحديد مستقبلهم، وأن يتحول المجتمع الدولي إلى شريك فعّال دون التدخل في شؤوننا الداخلية. حزب سمدون مستعد لقيادة هذا التحول: مزيج من الاستقلالية المشرفة والتعاون الدولي القائم على الاحترام المتبادل.
الفاتح: ما هي رسالتك للمواطن الصومالي العادي، خاصة لأولئك الذين أصيبوا بالإحباط من السياسة في البلاد؟
السفير نور: أيها المواطن الصومالي، نحن ندرك تمامًا ما تشعر به من إرهاق وإحباط جراء الوعود التي لم تتحقق طوال السنوات الماضية. حزب سمدون يعترف أن استعادة ثقة الشعب لا تتم بالكلمات الطنانة التي تُقال في ساحات الانتخابات فقط، بل بالأفعال والإنجازات الملموسة. ولذلك، لدينا خطط واضحة مع ميزانية محددة وجداول زمنية قابلة للقياس، بدءًا من إنشاء مدارس في المناطق الريفية وصولاً إلى برامج لخلق فرص عمل مستدامة للشباب، ليتمكن كل فرد من رؤية نتائج الحكومة في حياته اليومية.
نحن نريدك، أيها المواطن، أن تشعر أنك جزء من القرارات التي تؤثر في حياتك. سواء كان ذلك من خلال “منتديات السلام المجتمعي” التي ستُعقد في أحيائك، أو التصويت الإلكتروني للخدمات المحلية، أو ممثل حزب سمدون في منطقتك، ستتمكن من طرح حلول واقعية لقضايا المياه، والصحة، والأمن، والبطالة. النظام الذي نقترحه، والذي يتضمن الشفافية والمحاسبة الفعّالة—بما في ذلك مكافحة الفساد وتوفير البنية التحتية لدعم المشاريع الصغيرة—سيضمن أن تكون الحكومة قريبة منك، وأن تكون خدماتها أكثر فاعلية في تلبية احتياجاتك.
رسالتنا هي أن كل صومالي، داخل البلاد وخارجها، يمتلك دورًا لا يمكن لأحد آخر أن يحل محله. حزب سمدون مستعد للاستماع إليك والعمل معًا لتحويل الإحباط الذي دام لسنوات إلى أمل ملموس. صوتك ومشاركتك هي السبيل الوحيد لضمان أن السياسة في الصومال تخدم الشعب، بدلاً من أن يكون الشعب في خدمة السياسة. ثق تمامًا أن قيادة حزب سمدون لن تطلب منك الإيمان بوعد غير مرئي، بل ستدعوكم للمشاركة الفعالة في تحقيق هذه الوعود كل يوم.
الفاتح: أخيرًا، ما هي رؤيتك الشخصية بشأن قيادة حزب سياسي؟ وكيف ترى مستقبل الصومال في السنوات الخمس المقبلة؟
السفير نور: رؤيتي في قيادة حزب سياسي تتجاوز الطموح الشخصي نحو شعور عميق بالمسؤولية الوطنية. إنها دعوة للاستفادة من خبرتي السياسية، ومعرفتي العميقة بالإدارة والاستراتيجيات، والشبكة الواسعة من العلاقات التي أمتلكها، لتوحيد إرادة الشعب الصومالي وتحويلها إلى مؤسسات حكومية حقيقية تعمل لخدمة المواطنين. حزب سمدون منصة مهمة لتجميع كافة قوى الأمة—من العلماء والشباب، إلى النساء ورجال الأعمال والمجتمع المدني—من أجل توحيد أصواتهم وتحقيق رؤية مشتركة قائمة على السلام والعمل والعدالة.
فيما يخص المستقبل القريب، فإن رؤيتي للسنوات الخمس القادمة هي انتقال الصومال من حالة الاستعجال الأمني إلى مرحلة من الاستقرار المستدام. أرى أنه سيكون لدينا بنية تحتية قوية، وزيادة في الإنتاج الزراعي والصناعي، مع توفير خدمات صحية وتعليمية متاحة وقابلة للاعتماد. كما أتوقع أن تتم عملية تسليم المسؤولية الأمنية من بعثة ATMIS إلى الجيش الوطني الصومالي بسلاسة، وأن يستفيد النظام المالي من إعفاء كامل من الديون، مما يساهم في جذب الاستثمارات المباشرة.
أنا على يقين أن دول المنطقة ستدرك أن التعاون مع الصومال في مجالات الأمن والتجارة سيكون أكثر فائدة من التدخلات التي تؤدي إلى الانقسامات. وهدفي هو أن يتمكن الشباب الصومالي خلال الخمس سنوات القادمة من رؤية بلادهم كمصدر للفرص الاقتصادية والابتكار، بدلاً من أن يكونوا في حالة من اليأس والهجرة. كما أنني أطمح إلى أن تحقق النساء حقوقًا اقتصادية وسياسية واضحة، وأن تصبح العدالة سريعة، عادلة، ومتساوية للجميع.
سواء كان الفرد في المدينة أو الريف، يجب أن يشعر بأن الحكومة التي اختارها تساهم بشكل مباشر في تحسين جودة حياته. هذه هي الرؤية التي أسعى لتحقيقها: دولة صومالية موحدة، آمنة، ذات اقتصاد مزدهر، يتطلع شعبها إلى التطور والنمو، ويشعرون بالأمل في المستقبل.