الدين والتدين
بشير نور علي
آخر تحديث: 28/02/2016
بقلم بشير نور علي
في ظل اخنلال الموازين، واخنلاط المعايير، أصيب كثير من المفردات والمصطلحات الاسلامية، والنظريات العلمية بالتمدد تارة والانحصار أخرى، ومن تلك المفردات الدين والتدين.
من المعتاد أن ترى هنا وهناك خلطا كبيرا بين المبادئ والمصادر حتى عمت فوضى التفكير في الساحاة العامة، ونوادي الاجتماعات، وحتى في محافل الجحافل، فضلا عن مجامع العوام، والرعاع.
ومن اصعب مظاهر الخلط الذي يمر به العالم الاسلامي الخلط بين الدين والتدين أو بين الاسلام والمسلم، وهذا يثار عن عمد لاصطياد ضعاف القلوب، وقصار الباع في العلم الشرعي.
تلبس الدين بقمصان التدين الخاطئ، ويؤاخذ عليه بافراط وتفريط المتدينين، والذي يحمل هذا اللواء أما جاهل يجهل بأبسط معارف الدين القويم، أو ينطلق من حقد دفين.
الامر الذي يتعامى عنه أولئك الضعاف هو أن الدين أصل والآخر فرع، والفرع تابع للأصل، ولا عكس.
الدين رباني والآخر بشري محض، يحتمل الخطأ والصواب، الأول ناموس للحياة كلها اقتصاديا،وسياسيا، فهو يدخل إلى الحياة من كل أبوابها ونوافذها، لاغنى لأحد عنه.
أما التدين فهو طريقة تفكير ذاك الإنسان القاصر له مآخذه ومحاسنه، إن أصاب فبقدر مطابقته لذلك الدين، وإن أخطأ فبقدر بعده عن الدين، الدين هو المعيار.
فالدين كما قاله النعمان بن مقرن المزني مخاطبا ( يزدجرد) كسرى عظيم الفرس، (( دين حسّن الحسّن كله وحض عليه، وقبّح القبيح كله وحذَر منه، وهو ينقل معتنقيه من ظلام الكفر وجوره إلى نور الإيمان وعدله)). ومن رآى غير هذا فهو أعمى البصر والبصيرة.
ليس من العدل أن تؤاخذ الاسلام بجريرة بعض المسلمين بل لا بد أن نوزن الأشياء بموازينها، فالدين شيء، والتدين شيء آخر. فالدين مقدس، ومنزل من عند رب حكيم، عدل قضاؤه، وفضل إحسانه، لا يسأل عما يفعل وأنتم تسألون.
بينما التدين لا يمثل سوى فعل المكلفين إن هو إلا تطبيق لذاك الدين الحنيف، وهو ليس مقدسا، ولا معيارا للدين.
إذا من الحماقة أن ننقم على الاسلام بسبب فعل بعض المسلمين أو المتمسلمين من عنف وبعد عن تعليماته، ثم نصوره كانه عنف، وكراهية وفرقة، و،و،و.
إن تعجب فعجب قولهم: إن أخطاء الجماعات الاسلامية تنبثق من عمق التراث الاسلامي، لو كان لهم أدنى معرفة عن الاسلام لما عابوا الاسلام ، دين الله الحنيف، وقانون الحياة في هذا الكون المترامي الأطراف.
وهذا لا يعني أننا ننكر أن القصد قد لا يساوي التفسير، فتفسير البشر مستحيل أن يستوعب جميع المعاني المقصودة من الدين ؛ لأن الذي أوتينا من العلم قليل، والعلم كله عند الله، ولا أدل على ذلك من اختلاف العلماء وتباين آرائهم في المسألة الواحدة.
فالذي يحكم على الاسلام من خلال تصرفات معتنقيه يضل، وعن طريق الصواب يحيد، وفي الظلام يهيم، يظن الزيغ هدى، والهدى تضليلا وتزييفا.
مع الأسف، كان من المفترض أن يكون المسلم مرآة للدين من حيث الصدق والتسامح، ومن حيث الرحمة والحب، والابتعاد عن الفرقة والكراهية، ولكن وبعد انحطاط الخلق لدى الكثير من بني الاسلام لم يعد المسلم في كثير من تصرفاته يمثل الاسلام الخالص؛ بل بالعكس من ذلك يشوه صورة الاسلام ويلصق به ما هو بريء منه براءة الذئب من دم بن يعقوب.