المرأة الصومالية كفاح ونضال من أجل الحياة ونجاح بجدارة حينما تتاح لها الفرصة
الصومال الجديد
آخر تحديث: 15/11/2022
القاهرة: صفاء عزب
مع تدهور الأحوال الاقتصادية وزيادة معاناة الشعوب الفقيرة تزداد معاناة المرأة باعتبارها الضحية الأولى التي يقع عليها الأثر الأسوأ لهذه الأوضاع الصعبة والتي ازدادت خطورة في الفترة الأخيرة مع انتشار الأوبئة والأمراض الخطيرة وندرة الغذاء ونقص الأمطار وصولا لدرجة الجفاف وحالات المجاعة. وقد أكدت التقارير الأممية أن المرأة في المناطق الفقيرة يقع عليها العبء الأكبر رغم أهمية الدور الحيوي الذي تلعبه في مجتمعاتها، وكشفت الأمم المتحدة في تقاريرها أن النساء يشكلن 70% من 1.3 مليار شخص يعانون الفقر، وفي حين تهيمن النساء على إنتاج الغذاء في العالم (50 إلى 80 في المئة)، لكنهن يملكن أقل من 10 في المئة من الأرض، وفي المناطق الحضرية هناك 40 في المئة من أفقر الأسر تعولها نساء، بحسب تقارير أممية.
وقد أثبت الواقع الصعب في الصومال، أن المرأة الصومالية من أكثر نساء العالم كفاحا وصبرا على المآسي والظروف الكارثية، فهي تتحمل أوضاعا سيئة كثيرة وخطيرة تصل إلى درجة مواجهة الموت سواء بسبب الفقر والمجاعات أو بسبب غدر الإرهاب، الأمر الذي يجعل الحفاظ على حياتها وحياة أسرتها مهمة صعبة، تتطلب منها تضحيات كثيرة وتفرض عليها معاناة مزمنة وأعباء ثقيلة.
إن هذه الشابة الصغيرة هدن، ذات ال13 عاما تقوم بالذهاب مع أمها سيرا على الأقدام نحو 40 كيلو مترا يوميا، تحرقها حرارة الشمس الشديدة، من أجل البحث عن الماء، بعد أن اضطرتها ظروفها الصعبة إلى ترك المدرسة لمساعدة أسرتها في توفير حاجات الشرب اليومية، في ظل الندرة الشديدة للأمطار وموارد المياه، وللأسف الشديد توجد حالات غير محدودة العدد تشبه حالة هدن.
هناك العديد من القصص الإنسانية عن كفاح المرأة الصومالية المرير، وقد سلطت صحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية الضوء في أحد أعدادها على مأساة حرسيو محمد؛ تلك المرأة الصومالية التي دمر الجفاف محاصيلها وقتل أغنامها، ولما عجزت عن تدبير قوت أولادها حملتهم وهجرت بيتها في جنوب غرب الصومال، وسافرت سيرا على الأقدام تحت حرارة حارقة لمد طويلة بحثا عن الطعام حتى مات أحد اولادها جوعا فقامت بدفنه، وأكملت مسيرتها وعندما وصلت إلى معسكر إغاثة بعد أربعة أيام، كانت قد فقدت خلالها ابنتها الكبرى بعد إصابتها بالسعال الديكي وعدم توفر العلاج، بينما بقيت ابنتها الرضيعة على كتفها وهي تصرخ بحثا عن اللبن في صدر أمها الذي جف من سوء التغذية. لم تكن هذه هي الحالة الوحيدة من نوعها بل هناك مئات أو آلاف الحالات التي تواجه فيها المرأة الصومالية خطر الموت وتتعرض لضغوط وتحديات لا يتحملها بشر.
وقد أكدت مؤشرات البنك الدولي أن نساء الصومال يكافحن ظروفا صعبة منها ما هو اقتصادي واجتماعي وصحي حيث تموت 692 من كل 100 ألف امرأة أثناء الولادة، والأرقام تتزايد مع تزايد شدة الجفاف المدمر، بخلاف الصراعات السياسية وجرائم العنف بكل أشكاله التي تهدد الحياة.
كما أن حياة النساء الصوماليات في المعسكرات تصور حالات البؤس والمأساة التي يعشنها بسبب الأوضاع السيئة داخلها ومنها مخيم كبسة الذي يعد من أكبر المخيمات الواقعة في بلدة دولو جنوب غرب الصومال وقد سجلت جهات إعلامية لقطات إنسانية تعكس صعوبة الحياة هناك.
في خضم كل الأحداث والظروف الصعبة التي يمر بها الصومال من صراعات سياسية في فترات متباينة وأزمات جفاف ومجاعات وما صاحبها من اتساع لدائرة الفقر، ومعها توابع جائحة كورونا وما أحدثته من كساد وارتفاع شديد في الأسعار لا سيما بعد اشتعال الحرب الروسية الأوكرانية، يضاف إلى كل ذلك جماعات العنف الخطيرة التي تمارس عملياتها المدمرة وقتلها للأبرياء، نجد أن المرأة تتحمل عبئا كبيرا في هذه الأزمات، فهي وأطفالها تتصدر قائمة الضحايا الأولى لعمليات العنف الإرهابية التي تستهدف أماكن التجمعات كما تدفع ثمنا باهظا لتدهور الأحوال البيئية والمناخية عندما تعجز عن تدبير قوت يومها لها ولأطفالها، وكثيرا ما كشفت الحوادث عن تعرض نساء لكثير من المخاطر في ظل هذه الأوضاع البائسة، يصل لدرجة الموت.
ومع ذلك يظل كفاح المرأة الصومالية عبر الأزمات المتتابعة نموذجا مشرفا وشاهدا على صلابتها وقوة عزيمتها رغم ضعف بنيانها النحيل بسبب المجاعات ونقص الموارد الغذائية الضرورية. واستطاع الكثير من النساء التغلب على ظروفهن الصعبة بالإصرار على المضي قدما في التعليم وممارسة الحق في الحياة والأمل في مستقبل أفضل لها ولمجتمعها ولبلادها، بل والمشاركة في صنع هذا المستقبل من خلال نماذج عديدة مشرفة لصوماليات حققن نجاحات طيبة وسط ألغام الصراعات ونيران العنف وبراثن الفقر والمجاعات. وكان نجاح النائبة البرلمانية سعدية ياسين حاجي سمتر مؤخرا في تولي منصب النائب الأول لرئيس مجلس النواب كأول امرأة صومالية تصل لهذه المكانة البرلمانية الرفيعة، بمثابة انتصار كبير لكل الصوماليات كما يعد بشرى تفتح أبواب الأمل أمام بنات وطنها للكفاح من أجل تحقيق مزيد من الإنجازات خاصة في ظل وصول عدد لا بأس به من النساء للبرلمان. ولاشك أن نجاح “سمتر” يمثل صورة من صور الكفاح والنضال حيث جاء انتخابها نتيجة لتغلبها على النائب محمد علي عمر “عانونوغ” في الجولة الثانية من الانتخابات، وحصلت على 137 صوتا في وقت حصل هو على 107 أصوات. كما عارضت الرئيس السابق محمد فرماجو وأعربت عن موقفها الرافض بشجاعة للتمديد له ودعت سكان العاصمة مقديشو إلى الثورة ضده. وقد اشتهرت أيضا بمواقفها الصارمة والشجاعة في دعمها للتجار والفئات المتعبة دون أن تخشى لومة لائم. ومن قبلها حققت السيدة فوزية يوسف حاجي آدم عام 2014، إنجازا كبيرا بتوليها منصب سياسي رفيع كنائب رئيس الوزراء ووزير الخارجية، إلى جانب حقائب وزارية أخرى تولتها صوماليات باقتدار منهن حنيفة محمد إبراهيم ، والتي تولت منصب وزيرة المرأة وتنمية حقوق الإنسان.
هذا وقد حظيت المرأة الصومالية بإشادة الحكومة بدورها الذي لعبته في السياسة الصومالية وصنع السلام وعلى رأسهن السيدة عائشة حاجي علمي أول امرأة صومالية توقع اتفاق سلام في عام 2004 إلى جانب ما تلاها من إنجازات ومكاسب، مع تأكيدات رسمية بالحرص على إتاحة الفرصة للمرأة للمشاركة والتمثيل الكامل في السياسة وصنع القرار.
لقد أثارت المرأة الصومالية المناضلة إعجابا دوليا عندما ثمن جيمس سوان ، الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة في الصومال دورها وكفاحها في ظل ظروفها الحياتية الصعبة وقال : “إن النساء الصوماليات ساهمن بشكل كبير في تقدم البلاد وتنميتها”.
وكانت هناك مبادرات عديدة لتوصيل أصوات الصوماليات لبلادهن ولكل دول العالم بالخارج من خلال عمل فرق إعلامية إبداعية تقوم بتقديم مواد خاصة عن المرأة لدعم موقفها وتطويره بما يتناسب مع أهميتها وقيمتها العظيمة في أسرتها ومجتمعها. وظهرت مؤسسات إعلامية مدعومة بتمويل من برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، لإبراز دور المرأة وحياتها ومعاناتها واحتياجاتها.
وفي هذا الإطار كرمت إدارة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة هيباق عثمان، مؤسسة حركة كرامة لإنهاء قضايا المرأة، ومنحتها جائزة نوت للإنجاز في مجال المرأة. وهناك نماذج نسائية أخرى عديدة تدعو للفخر بما تقدمه من ريادة مجتمعية وتنموية أثبتت جدارتها في الأعمال الاقتصادية وقدرتها على النجاح فيها بما تمتلكه من عقلية اقتصادية ومهارة إدارية، خاصة وأنها نبتت من جذور المجتمع الطيب والبسيط، فنجد بعضهن اجتمع في مبادرة لتصنيع منظف غسيل منافس للمستورد، بينما اجتمعت أخريات تحت مظلة نسوية أطلقن عليها “هيل هوين” في محاولة لتحويل ما يدرسنه إلى مشاريع تجارية أملا في توفير فرص عمل للمرأة الصومالية.
إن التجارب الناجحة للمرأة الصومالية تعود لأزمنة بعيدة تؤكد اقتدارها بكل جدارة على الإنجاز حينما تتاح لها الفرصة. ويسجل التاريخ أن السيدة أصلي حسن عبادي كانت أول امرأة عربية تقود طائرة حربية في المنطقة العربية عام 1977 حيث شاركت في الخدمة العسكرية قبل انضمامها إلى القوات الجوية، وهو ما يؤكد أن المرأة الصومالية لا تقل بحال من الأحوال عن مختلف نساء العالم المتقدم بل ويمكنها منافستهن والتفوق عليهن كما هو حالها عندما خرجت للعالم وشقت طريقها فكانت أحد رموز النضال والكفاح المثمر واستطاعت أن تحقق انجازات كبيرة وتتفوق على الغرب في عقر دارهم كما فعلت إلهان عمر النائبة بالكونجرس الأمريكي.
لا شك أن هذه النماذج المشرفة داخل الصومال تؤكد أن المرأة الصومالية المكافحة يمكنها أن تحقق الكثير وتتجاوز كل الصعاب لو أعطيت الفرصة وإذا حصلت على حقوقها في التعليم والصحة والعدالة الاجتماعية. إن المرأة هي نصف المجتمع وهي تربي النشء الجديد ومن ثم فهي بمثابة المؤسسة الأولى لتربية رجال ونساء المستقبل، من أجل ذلك فهي جديرة باهتمام أكبر من الجميع واعتراف بدورها الحيوي وإشعارها بهذا التقدير وتمكينها من مستحقاتها إحقاقا للعدالة الإنسانية.