متى تنتهي أزمة الجفاف والمجاعات في القرن الإفريقي؟
الصومال الجديد
آخر تحديث: 29/10/2022
القاهرة: صفاء عزب
“الوضع لا يزال كارثيا رغم تكثيف جهود الإغاثة”…هو أحدث تصريح رسمي من منظمة الأمم المتحدة في تعليقها على الأوضاع الكارثية الصعبة التي آل إليها حال قاطني منطقة القرن الإفريقي، بينما تطلق نداءات استغاثة عاجلة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه وسط التدهور الحاد في مستويات الأمن الغذائي لشعوب المنطقة وما ترتب عليه من تزايد ضحايا الجفاف والمجاعات خاصة من الأطفال والفقراء.
إن الوضع في منطقة القرن الإفريقي أصبح محزنا وخطيرا بشكل غير مسبوق بسبب اتساع دائرة المجاعات وامتدادها لمساحات أكبر بما يعني شمولها لعدد أكبر من الضحايا البشر وغير البشر، حيث توجد حالات كثيرة لموت الحيوانات ومنها حيوانات نادرة وأخرى لها أهمية اقتصادية كبرى متنوعة. وبينما يبحث البشر هناك عن أي شئ يقتاتون به تموت أمامهم الحيوانات دون أن يستطيعوا الإستفادة منها نظرا لحالة الجفاف الشديد والآثار السلبية الناجمة عن الخلل البيئي والأخطاء التي يرتكبها البشر على ظهر الكرة الأرضية.
لقد حذرت منظمة الصحة العالمية، من أن منطقة القرن الإفريقي تشهد واحدة من أسوأ المجاعات على مدار سبعين عاما مضت. إذ يواجه أكثر من 37 مليون شخص الجوع الشديد، ويعاني ما يقرب من سبعة ملايين طفل، دون سن الخامسة، من سوء التغذية الحاد. ويتوقع الخبراء أن تصل هذه الملايين من البشر إلى المرحلة الثالثة من التصنيف المتكامل لمراحل الأمن الغذائي (IPC3) – مستوى أزمة أو أسوأ- خلال فترة قريبة مما يعني عجزهم عن توفير سبل العيش والحياة الأساسية.
من المفارقات المحزنة أن هناك عالما متقدما ينعم بكافة صور التقدم والتحضر والرفاهية بينما يعاني عالم آخر من الجوع والجفاف وتموت شعوبه جوعا بسبب تدهور الأوضاع المناخية التي ترتبط بتلك السلوكيات التي تمارسها الدول المتقدمة. وهو ما أكدته تقارير الأمم المتحدة، حيث إن إفريقيا هي القارة الأكثر عرضة لتأثيرات تغير المناخ، رغم أنها تسهم بنسبة 4 في المئة فقط من انبعاثات الكربون العالمية. وكانت النتيجة الحتمية وغير العادلة أن الفقراء في القارة السمراء المظلومة هم أكثر من يتحملون الأعباء الثقيلة ويدفعون ثمن رفاهية شعوب العالم المتقدم من حياتهم وأرواحهم وأرواح أطفالهم الذين يموتون أمام أعينهم وهم مكتوفو الأيدي بينما يقف العالم متفرجا ومكتفيا بالشجب والتنديد كالعادة!
كما أن منطقة القرن الإفريقي القابعة في شرق القارة السمراء من أكثر المناطق تأثرا وتضررا، وهو ما أكدته تصريحات صحفية لمايكل دانفورد مدير برنامج الأغذية العالمي لمنطقة شرق إفريقيا حينما قال أن القرن الإفريقي يشكل 4 % من سكان العالم لكنه يضم 20 % من السكان الذين يعانون من انعدام الأمن الغذائي بعد أن ضربها الجفاف المدمر من الجنوب الإثيوبي إلى الشمال الكيني مرورا بالصومال الذي يصارع شعبه الموت جوعا.
في أحدث الفعاليات الدولية المتعلقة بهذا الموضوع أكد وكيل الأمين العام للأمم المتحدة ليونيو يو، ضمن فعاليات أسبوع القاهرة الخامس للمياه، أن منطقة القرن الإفريقي تتعرض للكثير من الأزمات بسبب التغيرات المناخية تتمثل في الجفاف ونقص الأمن الغذائي، وتوقع المسؤول الأممي زيادة المخاطر التي قد تتعرض لها المنطقة خلال العام المقبل. كما كشفت تقارير متخصصة أن إفريقيا تشهد حالات الجفاف الأكثر تواترا وشدة، والفيضانات، وموجات الحر وغيرها من التأثيرات الناجمة عن المناخ كما تقع في نطاق التأثر بالتداعيات السلبية للتحول المناخي بما يهدد الأمن الغذائي والقومي لدول المناطق المضارة.
للأسف الشديد يتجه الوضع من سئ لأسوأ بحسب مؤشرات واقعية، ففي بداية العام الجاري، حذر برنامج الأغذية العالمي من أن 13 مليون شخص في القرن الأفريقي يعانون من انعدام الأمن الغذائي الحاد بسبب الجفاف. وبحلول منتصف العام، وبعد وقوع الغزو الروسي لأوكرانيا الذي تسبب في رفع أسعار المواد الغذائية والوقود، ارتفع هذا العدد إلى 20 مليونا، بحسب البرنامج. ومن المتوقع أن يزداد الأمر سوءا مع تجاوز هذا الرقم بكثير في نهاية العام. وقد حذر برنامج الأغذية العالمي من ازدياد عدد المهددين بالمجاعة في القرن الإفريقي إلى 22 مليون شخص بسبب الجفاف وارتفاع الأسعار، وذكر أن نصف سكان إقليم تيجراي الإثيوبي بحاجة “ماسة” للغذاء بسبب الصراع هناك منذ عامين، مشيرا إلى أن خطر انعدام الأمن الغذائي بلغ مستويات قياسية.
لقد تسبب توقف هطول الأمطار للموسم الرابع على التوالي، منذ نهاية العام 2020، في حدوث أسوأ موجة جفاف منذ 40 عاما، وأدى إلى نفوق الملايين من رؤوس الماشية وقضى على المحاصيل وعرض سكان مناطق في كينيا والصومال وإثيوبيا لخطر المجاعة، والتي تعتبر موطنا لـنحو 70 في المئة من الأشخاص الأكثر معاناة من انعدام الأمن الغذائي في العالم.
ويعاني أكثر من خمسة ملايين نسمة في الصومال من الجوع ونقص التغذية وانعدام الأمن الغذائي بما يشكل 40% من السكان بينما توجد مؤشرات أخرى على أن نصف سكان الصومال 7.8 ملايين شخص (من إجمالي عدد السكان، 15 مليونا) يواجهون خطر المجاعات، الأمر الذي دفع المسؤولين لتوجيه نداءات استغاثة للعالم. كما ارتفعت أصوات دولية مطالبة بضرورة التحرك السريع لإنقاذ هذه الشعوب خاصة فئة الأطفال وقد أعرب فيكتور سينياما الناطق باسم منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف) في الصومال عن بالغ حزنه وقلقه مؤكدا أن سوء التغذية في الصومال بات يشكل أزمة تستلزم سرعة التحرك. وفي كينيا يوجد ما يقرب من 3 مليون شخصا بحاجة سريعة إلى الدعم الغذائي مما دفع رئيس البلاد لإعلان حالة الكارثة الوطنية خاصة في مناطق شرق وشمال كينيا، حيث تضاعف عدد الأشخاص المحتاجين إلى المساعدة أكثر من أربع مرات في أقل من عامين. وأفادت الأمم المتحدة أن 5,7 ملايين شخص بحاجة إلى مساعدة غذائية في جنوب إثيوبيا وجنوب شرقها من بينهم نصف مليون طفل وأمهات يعانون من سوء التغذية حيث فشلت المحاصيل ونفق أكثر من مليون رأس من الماشية. كما توجد مؤشرات على امتداد الأزمة الناجمة عن نقص الأمطار إلى كل من إريتريا وجيبوتي.
ومن المتوقع أن يزداد حجم المخاطر والتهديدات المرتبطة بتغير المناخ في منطقة القرن الإفريقي، ولذلك تم إطلاق مشروع جديد تابع للمبادرة المعنية بنظم الإنذار المبكر بالمخاطر المناخية (CREWS) وذلك بقيمة 5.2 مليون دولار بعنوان “القرن الإفريقي – تعزيز أنظمة الإنذار المبكر والعمل المبكر للأرصاد الجوية والهيدرولوجيا والمناخ المتطرف” بما يهدف إلى رفع القدرة على مواجهة الآثار السلبية لتغيرات المناخ والحد منها.
ومع ذلك فإن خطورة الموقف تدعو إلى إثارة السؤال الملح: متى تنتهي أزمة الجفاف والمجاعات في القرن الإفريقي؟ وهل يمكن أن تنتهي بالفعل؟
إن خطورة المشكلة واستفحالها وانتشارها في أنحاء أخرى من العالم ووصولها لمناطق من دول العالم المتقدم دفعت للبحث والمناقشات من أجل إدراك الحلول. وفي هذا الإطار تشهد الفترة المقبلة انعقاد مؤتمر تغير المناخ العالمي بمصر بجانب العديد من الفعاليات الدولية والأممية ذات الصلة ولكنها ليست كافية وحدها.
بطبيعة الحال يحتاج الأمر للعديد من الإجراءات والتدابير الجماعية التي يجب اتخاذها بشكل عاجل لتفادي وقوع مزيد من الضحايا في براثن المجاعات المميتة. وتزداد الحاجة الملحة إلى تحركات عاجلة في ظل توقعات علمية بأن ترتفع درجة حرارة الأرض أكثر من 3 درجات مئوية بحلول عام 2100، لو استمرت معدلات الانبعاثات الحالية ما يعني مزيدا من موجات الجفاف والمجاعات ومزيدا من الضحايا والخسائر البشرية والاقتصادية.
هناك مجموعة من الإجراءات المطلوبة بعضها على المدى القريب منها تقديم مساعدات عاجلة وعمليات إنقاذ للملايين المهددين بالموت جوعا، وهو ما يتطلب تعاونا جماعيا بين مختلف الأطراف الدولية والمؤسسات المعنية خاصة في ظل إعلان برنامج الأغذية عن الحاجة ماسة إلى 418 مليون دولار خلال الأشهر المقبلة لتحقيق المطلوب، ودعوة منظمة الأغذية والزراعة إلى جمع 172 مليون دولار أمريكي للمساعدة على تجنّب حدوث مجاعة وكارثة إنسانية. لقد صرح David Phiri منسّق مكتب المنظمة الإقليمي الفرعي لإفريقيا الشرقية أنه يجب على العالم أن يتحرك الآن لتوفير الموارد لحماية المجتمعات الأكثر ضعفا من خطر انتشار المجاعة في القرن الأفريقي، مشيرا إلى أنه لا تبدو هناك نهاية في الأفق لأزمة الجفاف هذه.
وعلى الرغم مما تحمله هذه التصريحات من سوداوية إلا أن هناك إمكانية عملية لمواجهة الظاهرة على المدى البعيد من خلال التصدي للجفاف عبر التخطيط والبرمجة واتباع الأساليب العلمية الحديثة وتوزيع حزم لسبل العيش التي تحتوي على علف الحيوان واللقاحات، والبذور الجيدة، والمعدّات؛ وإصلاح مجامع المياه؛ فضلا عن التدريب على الممارسات الزراعية الجيدة والتغذية وذلك بالتوازي مع تقديم المساعدات الغذائية وتوفير سبل العيش للجهات المنكوبة خلال فترات الجفاف.
ولا شك أن الأحداث الجديدة التي حلت على العالم بداية من وباء كورونا وما أحدثه من ركود عالمي وصولا للحرب الروسية الأوكرانية مرورا بجماعات العنف التي تستغل الأوضاع لإحكام السيطرة على مناطق بالقرن الإفريقي، قد ساهمت جميعا في تعميق جراح قاطني مناطق الجفاف ولذلك فإن على العالم أن يسعى لتغيير هذه الأوضاع لتخفيف الأعباء على المناطق الفقيرة.
ويقع الدور الكبير على دول العالم المتقدم بالعمل بشكل جاد على الحد من الاحترار العالمي، والتعاون مع الجميع والحفاظ على حرارة الأرض عند عتبة 1.5 درجة مئوية، حتى يمكن إنقاذ جميع البلدان من التعرض للجفاف الشديد. بشكل كبير. كما يجب العمل على وقف إزالة الغابات والتخلص من نظام الطاقة الكربوني للوصول إلى صاف صفري للإنبعاثات بحلول عام 2050 ، وهو ما نأمل حدوثه من أجل إنقاذ الأجيال القادمة.