حكومة “المصلحة الوطنية” الصومالية الجديدة .. الفرص والتحدّيات
الصومال الجديد
آخر تحديث: 21/08/2022
حصلت الحكومة الصومالية الجديدة على ثقة مجلس الشعب بالبرلمان الفيدرالي الصومالي الحادي عشر، في الـ 7/أغسطس_آب/2022م، عقب تصويت 219 نائبا لصالحها، مما جعلها الحكومة الشرعية والرسمية للبلاد، بعد سنتين من غياب حكومة رسمية في البلاد، حيث كانت فيها حكومة تصريف الأعمال برئاسة السيد محمد حسين روبلي، تدير تسيير شؤون البلاد.
وتحظى الحكومة الصومالية الجديدة بترحيب محلي واسع، ودعم إقليمي ودولي لافت، وبالتالي يشكّل ذلك فرصا واعدة تساعدها على ترجمة شعاراتها إلى واقع عملي والسعي إلى تحقيق أهدافها مستفيدة من القبول الشعبي والدعم الخارجي الّذي تتلقاه.
وعلى الرغم من هذه الفرص، إلاّ أن الحكومة الجديدة تواجه تحديات جمة وعقبات كبيرة تتمثل في النقاط الآتية:
1.الأمن: يُعدّ الأمن أحد الركائز الأساسية لبرنامج الحكومة الصومالية الجديدة، وقد ردّد كل من الرئيس ورئيس الوزراء في أكثر من مناسبة بأنّ الأمن أولى أولويات الحكومة الصومالية الجديدة، متعهّدين بشن حرب فكرية وأخرى عسكرية على حركة الشباب المرتبطة بتنظيم القاعدة، والتي تنشط في الصومال منذ أكثر من 15 عاما، وتستهدف المكاتب الحكومية والقواعد العسكرية، والفنادق العامة، حيث كان فندق “الحياة” بمقديشو آخر فندق استهدفته الحركة بهجوم مزدوج بدأ بتفجيرات انتحارية أعقبتها اشتباكات مسلحة دامية استمرت لأكثر من 30 ساعة متواصلة داخل الفندق ومحيطه، مما خلّف عشرات القتلى والجرحى في صفوف المدنيين منذ مساء الجمعة الـ 19/أغسطس_آب/2022م، وحتى كتابة هذه السطور صباح اليوم الأحد الـ 21/أغسطس_آب/2022م. والملاحظ أن هجوم الحركة على الفندق بالعاصمة مقديشو يأتي بعد سلسلة من الهجمات والتفجيرات الانتحارية التي نفّذتها الحركة منذ إعادة انتخاب حسن شيخ محمود رئيسا للبلاد في كل من: جوهر، بلدويني، مركا، وبيدوة، راح ضحيتها العديد من المسؤولين الحكوميين والأمنيين، كما تتزامن هذه الهجمات مع إعلان الحكومة الحرب على الحركة، وانطلاق بعض العمليات العسكرية ضدها ، في العديد من مناطق ولاية هيرشبيلي وسط الصومال، مما يكشف عن حجم التحديات الأمنية الضخمة التي تواجهها هذه الحكومة الجديدة.
2.القضايا الإنسانية: تشهد الصومال أسوأ موجة جفاف عرفتها المنطقة منذ 40 عاما، مما يتطلب من الحكومة الجديدة معالجتها بالتنسيق مع الدول المانحة والهيئات الإغاثية الإقليمية والدولية. وعلى الرغم من استشعار الحكومة الجديدة لحجم المأساة الإنسانية التي يعيشها الشعب الصومالي، وتشكيلها اللجان الإغاثية والوطنية لمساعدة المتضررين بالجفاف، وتعيين الرئيس مبعوثا خاصا له في الشؤون الإنسانية، إلاّ أن العملية تسير ببطء شديد، مما يحتم على الجهات المعنية بالقضية تنسيق فعالياتها وتفعيل جهودها لمعالجة آثار الجفاف الشديدة في البلاد، والتي أثرت على قرابة نصف سكان الصومال وفق إحصاءات أممية حول هذا الشأن!
3.التوافق السياسي والمصالحة الداخلية: صحيح أن الرئيس الجديد حسن شيخ محمود، حمل خلال حملته الانتخابية التي فاز بها شعار “صومال منسجم مع ذاته، متصالح مع العالم”، وهو شعار يتناسب مع إفرازات السياسة الإدارية المتبعة في ظل حكم فرماجو، حيث انفرط عقد الإجماع الوطني خلال هذه السنوات، وسادت الخلافات بين الحكومة الفيدرالية وبعض الولايات الإقليمية (بونتلاند وجوبالاند، إلى جانب صوماليلاند الانفصالية)، وتراجعت الثقة المتبادلة بين الحكومة الفيدرالية والكيانات السياسية الأخرى، مما أنتج وضعا سياسيا متأزما، يتسم بالفرقة والانقسام، وبالتالي فإن حمل هذا الشعار كان مستوحى من هذا الواقع السياسي التعيس، والذي لا يمكن تجاوزه بحمل شعارات براقة فقط، بل يتطلب إعادة بناء جسور الثقة والتواصل بين المكونات السياسية الصومالية، وذلك عبر توفير قاسم مشترك يجتمع الجميع على حفظه ومراعاته عن طريق عقد اجتماعي أو اتفاق سياسي يقر للجميع حقوقهم السياسية والإدارية المنصوصة عليها في الدّستور دون الاعتداء على الآخر، وبالتالي فإن التنازل من أجل المصلحة الوطنية العليا بداية الطريق نحو إعادة الثقة المتبادلة بين القوى السياسية الصومالية.
4.التحضير لانتخابات عامة واستكمال مسودّة الدّستور: أخفقت الحكومات المتعاقبة على حكم البلاد منذ زمن بعيد، في إيصال البلاد إلى مرحلة إجراء انتخابات عامة، ينتخب فيها الشعب ممثليه في مجلسي الشيوخ والشعب بالبرلمان الفيدرالي، وذلك لعدّة أسباب، أهمها: عدم حسم القضايا الأمنية لصالح الحكومة الصومالية باستعادة جميع المناطق التي تسيطر عليها حركة الشباب، والإخفاق في استكمال مسودة الدّستور عن طريق تعديل بعض مواده وإجراء استفتاء عليه، ومن ثم إنشاء المحكمة الدّستورية التي سيكون لها القول الفصل في حل أي نزاع انتخابي أو سياسي بين الحكومة الفيدرالية والولايات الإقليمية، أو بينها وبين الكيانات السياسية الأخرى في البلاد، بالإضافة إلى حل النزاعات التي غالبا ما تنشب ين السلطات التنفيذية والتشريعية في النظام الإداري الصومالي.
إن أمام الحكومة الصومالية الجديدة طريق طويل من المهمات الصعبة والتحديات الجمة، يتطلب منها حنكة سياسية، وبصيرة نقدية ثاقبة، وحربا فكرية، وحسما عسكريا، وتنمية اقتصادية شاملة، ليسهل لها التغلّب على هذه التحدّيات وتجاوز تلك العقبات.