ألعاب القوى الصومالية ماضيها وحاضرها (2)
محمد عبد الله أبوبكر (طالي)
آخر تحديث: 5/02/2016
بعد سقوط الحكومة المركزية برئاسة اللواء محمد سياد بري دخلت البلاد في موجات من الفوضى وعدم الاستقرار دامت لمدة تزيد عن عشرين عاما، مما أدى إلى نزوح ملايين من المواطنين الصوماليين إلى خارج البلاد فرارا من الحروب.
على الرغم من أن النشاط الرياضي بما فيه ألعاب القوى كان يجري في داخل البلاد في أيام الفوضى بشكل بطيئ، إلا أنه لم يتمكن للوطن أن يحرز تقدما في مشاركاته في مناسبات ألعاب القوى العالمية كما كان الحال في الفترة ما قبل الحروب.
لكن حال المواطنين الصوماليين الذين فروا من البلاد كان يختلف عن حال المواطنين في الداخل، إد تمكنوا من الاستقرار في بعض الدول في أوروبا وأمريكا وأخرى من مناطق أنحاء العالم بعد أن تم استقبالهم من تلك الدول.
وبعد سنوات من نزوح الصوماليين ظهرت مواهب ألعاب القوى الصومالية في الساحات العالمية من جديد بواسطة لاعبين صوماليي الأصل لكنهم يحملون جنسيات أخرى ويقدمون الشرف لتلك البلدان التي استقبلت هؤلاء اللاعبين وقدمت لهم كل التسهيلات بما فيها السكن والعيش والتعليم يوم كانو أطفالا نزحو مع أهاليهم من وطنهم بسبب القدائف والنيران المتبادلة بين مليشيات من ابناء وطنهم.
النجاح دائما يكون لكل من يبذل جهدا، وهكدا نجحت أوروبا وأمريكا وأي دولة استقبلت اللاجئين الفارين من أوطانهم بسبب الحروب، ولم يبق لأوطان الأصل لهؤلاء اللاجئين الا أن يشاهدو من الشاشات أبناءهم ومواطنيهم وهم يخوضون مسابقات باسماء بلدان أخرى ويحققون نجاحات تدهب لصالح هذه البلدان.
الكل يعلم أن محمد فارح، العداء البريطاني، بطل أولمبياد 2012 في سباقي 5000م و 1000م، وبطل بطولة ألعاب القوى العالمية في سباقي 5000م، و 10000م في عام 2015 هو صومالي الأصل، والذي نزح مع بعض أفراد أسرته من المعارك التي اندلعت في البلاد في مطلع التسعينات من القرن الماضي.
حصل محمد على الجنسية البريطانية مع كثير من الفرص التي أتاحت له أن يكشف الستار عن قدارته الخفية وموهبة الجري التي كانت كامنة في داخله، وهو ما ساعده على أن يكون بطلا عالميا أحرز الميدالية الذهبية في عدة مناسبات رياضية.
ليس محمد فارح العداء الواحد الذي افاد بمواهبه الرياضية لبلد غير بلده الأصلي، فكان قبل فارح عداء صومالي حمل العلم القطري إلى عديد من البطولات العالمية لالعاب القوى في التسعينات، هو محمد أحمد سليمان، أول عداء قطري يفوز بميدالية في ألعاب القوى العالمية.
هذا وثمة كل من محمد أحمد، عداء كندي يجري في سباق 10000م, وحسين ميعاد، عداء أمريكي يجري سباق 5000م، وبشير عبدي، عداء بلجيكي يجري سباق 5000م و 10000م, وغيرهم .
كل هؤلاء العدائين هم اصحاب مواهب عالية جعلتهم من ضمن افضل اللاعبين في سجل تلك البلدان الذين يحملون جنسياتهم، وكثيرا ما يشاركون في المناسبات العالمية ويحرزون ميداليات لصالح الدول التي يحملون جنسياتها.
ولم تكتف الأمور عند هذا الحد، بل ما زالت المواهب الصومالية في ألعاب القوى تدهب إلى البلدان الأخرى لتستفيد منها، نظرا لاستمرار نزوح المواطنين الصوماليين من بلادهم بسبب الظروف المعيشية والأمنية الصعبة الراهنة في البلاد حتى الآن.
إدا تحدثت مع بعض الأبناء الصوماليين عن طموحاتهم وتمنياتهم في المستقبل، ترى معظهم ينتطرون ذلك اليوم الذي سيحظون بفرصة الذهاب إلى أوروبا اوأمريكا ليعشوا في تلك البلدان ويمارسو مواهبهم هنالك وهم يتمنون بأن يجدوا في تلك الدول أجواء تسمح لهم تطوير مواهبهم الرياضية أو غير الرياضية حتى يصبحوا في المستقبل من أشهر الشخصيات في العالم بما لديهم من مواهب.
تسعى الأسرة الرياضية في داخل البلاد وعلى مقدمتهم اللجنة الأولمبية الوطنية والاتحادات الرياضية إلى تطوير الرياضة وكسب تأييد المجتمع الصومالي عن طريق توسيع النشاط الرياضي في أوساط المجتمع، لكن كل تلك المساعي لن تثمر إذا لم يتم التخلي عن الفكرة الخبيثة التي هيمنت على أذهان الشباب الصوماليين وهي تلك التي تقودهم إلى التفكير في الهجرة من البلاد واللجوء إلى البلدان الأخرى، لأن الهجرة من شأنها أن تجعل البلاد فقيرة من الموارد البشرية التي تطور الرياضة.
وأخير أرى أن ألعاب القوى الصومالية وبالتعاون مع لاعبيها سوف تكون في حاجة ماسة للأدوار الثلاثة القادمة حتى تتمكن من احراز تقدم ملحوط في الأنشطة الرياضية العالمية:
1. الدور الإداري:
من المهم أن تكون الإدارة التي تديرأنشطة ألعاب القوى الصومالية إدارة سليمة وراشدة، والتي تبعد كل البعد عن العقلية الانتهازية والقبلية التي كانت تسود أجواء البلاد طيلة العقدين الماضين، وهذه العقلية إذا وجدت مكانا في وسط المجتمع الرياضي فستؤدى إلى اختلاف وتفكك يزيل روح العمل الجماعي والتماسك بين العاملين في هذا المجال، وهو ما سيرمي الرياضة في مستنقع أعمق من ذلك الذي كانت فيه مند السنوات الماضية.
2. الدور الحكومي:
كانت ألعاب القوى قد تفقد الدور الحكومي والذي من شأنه أن يساهم في تطوير البنية التحتية لهذه الرياضة. فقلما ترى في العالم عداء محترف لا يعتمد على دعم حكومي، بل وما من رياضة تمارس نشاطها الا وتعتمد على مساعدة سخية تأتي من حكومتها.
يعتقد الكثير أن الصوماليين هم من ضمن الشعوب الذين يتمتعون بموهبة الجري والوثب وأنواع أخرى من رياضة ألعاب القوى، لذا من المهم أن تقدم الحكومة الصومالية دعما كافيا لاكتشاف تلك المواهب عند أبناء البلد حتى يتمكنوا من إحراز تقدم في مناسبات ألعاب القوى العالمية.
إلى جانب الشرف والسمعة المكتسبة من ألعاب القوى سواء كانت على مستوى شخصي أو وطني، فثمة مكاسب مالية ضخمة التي تجد الدولة بواسطة فوز لاعبيها في المناسبات الرياضية، كما أن اللاعبين يجدون فوائد مادية ومعنوية من خلال مشاركاتهم وفوزهم في الأنشطة الرياضية في العالم.
على سبيل المثال، فإن الاتحاد الدولي لألعاب القوى قد أعلن مؤخرا أن القيمة المالية للجوائز التي قدمت اثناء البطولة العالمية الأخيرة لألعاب القوى التي اقيمت في أغسطس الماضي في مدينة بكين الصينية كانت تقدر بحوالي سبعة ملايين و194 ألف دولار. وكان توزيع هذه المبالغ على العدائين الفائزين بالجوائز المختلفة على حسب التالي:
1. 60 ألف دولار: قدمت كجائزة للعداء الفائز بالميدالية الذهبية في كل سباق من ضمن السباقات التي كانت تتكون البطولة
2. ويحصل الفائز بميدالية فضية على 30 ألف دولار.
3. 20 الف دولار للفائز بالبرونزية
وكانت قيمة الجوائز تنخفض تدريجيا حسب المراكز التي احتل فيها العداءون حتى وصلت إلى 4 ألاف دولار لجائزة العداء الذي احتل في المركز الثامن.
هذا وكان من ضمن تلك الجوائز المقدمة للفائزين، 80 ألف دولار للفريق الفائز بسباق التتابع، و100دولار للعداء الدي حقق رقما قياسيا عالميا جديدا.
وتقل قيمة الجائزة تدريجيا حتى صاحب المركز الثامن الذي تبلغ قيمة جائزته أربعة ألاف دولار، وهو آخر مركز يمنح صاحبه جائزة مالية في السباقات الفردية.
اضافة إلى ذلك، فإن المساعدة السنوية التي يقدمها الاتحاد الدولي لألعاب القوى للاتحاد الوطني الذي فاز عداؤه بالميدالية الذاهبية او احتل في إحدى المراتب العليا في البطولة ستزداد كتشجيع لذلك الوطن على مواصلة جهوده الرامية إلى تطوير رياضة ألعاب القوى واصدار عدد كثيرمن عدائين ذوي قدرات عالية للفوز في المباريات العالمية.
وتشير هذه المكافأة والمساعدات التي يقدمها العالم إما للعداء الفائز أو الدولة تشير إلى أن العاب القوى ليست فقط نشاط رياضي عادي، بل هي مصدر مالي يكفي كلا من الشخص والوطن لتغطية كثيرمن احتياجاتهم بل وتساعد الوطن في أن يصدر اعدادا هائلة من عدائين ليزداد العائد المالي والمعنوي من هذه الرياضة.
لذا، ينبغى للحكومة الصومالية أن تضع سياسات واستراتيجيات لدعم رياضة ألعاب القوى لكونها الوحيدة التي ساعدت البلاد سابقا في أن يحقق نجاحا رياضيا كبيرا على المستوى القاري والعالمي، ومن الممكن أن يتكرر هذا النجاح إدا ما وجدت المشاركة الحكومية في تطوير هذه الرياضية.
1. دور المجتمع المدني:
تعتمد الرياضة على الشعبية الاجتماعية لتمارس نشاطها في وسط المجتمع, بدأ من القائمين بأعمالها من الرياضيين والاداريين وحتى المتفرجين الذين يعطون المتعة للأنشطة الرياضية. لذا، فإن المجتمع المدني هو المحور الذي تعتمد عليه الرياضة، وبدونه فلا يمكن لهذا النشاط أن يكون له تواجد في الساحة.
معطم الشعوب في العالم هم واعون أهمية الرياضة، مما يدفعهم إلى تزويد كل ما لديهم من دعم لهذا النشاط، وهذا ما يؤدي إلى تطور الأنشطة الرياضية عند تلك الشعوب.
يختلف الشعب الصومالي عن هؤلاء الشعوب الذين يغلب عليها الشغف والحب للرياضة، ونلاحظ من ارض الواقع إلى إن رياضتنا كانت ولازالت تمارس نشاطها لسنوات طويلة دون أن تستقطب اهتماما ملحوظا من الجماهير من ابناء الشعب.
يعتقد الكثير أن كل بلد لديه مواهب رياضية خاصة والتي تسهل شبابه بأن يكسبوا الشهرة من ممارسة تلك الموهبة على المستوى الدولي. فالصومال هي دولة غنية بموهبة الجري والوثب اللتان قادتا العديد من ابناء شعبنا إلى أن يحققوا تقدما في ساحات ألعاب القوى العالمية في سنوات ما قبل الحرب الأهلية.
على الرغم من توفر هذه الموهبة لدى شبابنا، فإنهم لن يستخدموها بأحسن طريقة اذا لم يجدوا شعبا يقف وراءهم لتشجيعهم على السير قدما مع تقديم كل ما يحتاجونه من دعم مادي ومعنوي ليكونوا قادرين على التنافس مع غيرهم من ابناء البلدان الأخرى.
ثمة سر يكمن في اهتمام بعض الشعوب في العالم برياضة ألعاب القوى وتركيز معطم الشركات العالمية على هذا النشاط، فهذا السر الكامن هي التي ينبغي لشعبنا الصومالي أن يعرفها ليتعلم الكثير عن هذه الرياضة الموجودة بين ايديه مع عدم استفادته منها.
ايها القارئ العزيز، هل تريد أن تعرف هذا السر؟ إدا كانت إجابتك نعم، فارجو منك متابعتي في الأسطر القليلة التالية.
توجد عدة شركات عالمية وشخصيات معروفة باهتمامهم برياضة ألعاب القوى. هؤلاء الشركات أو الشخصيات يقومون دائما باعمال واسعة النظاق والتي من شأنها تقديم كافة أنواع الدعم للعدائين الصغار أو الكبار ليواصلو جهودهم حول تطوير مهاراتهم والسعي إلى الفوز بالمسابقات. فما من عداء فاز بميدالية أو أبرز قدراته الرياضية إلا ويجد جهات اقتصادية كشركات توقع معه اتفاقيات لرعاية انشطته كلها وتزويده بالدعم الكامل, مقابل الحصول على قدر محدد من الجوائز المالية والعائدات الأخرى التي يجد منها العداء في مشاركاتها وانجازاتها.
يظهر من هنا، أن الشركات التجارية الصومالية أو كل مواطن لديه ثروة مالية يكفيه الاستثمار في الذهاب إلى القرى والأماكن الصومالية المعروفة بموهبة ألعاب القوى، ليجد منها شبابا ذوي مواهب عالية، مما سيؤدي في المستقبل القريب إلى تدريب عدائين صوماليين قادرين على تحقيق نجاحات في المناسبات العالمية, وهذه سوف تجلب أرباحا مالية ضخمة لكل من العداء والجهة الداعمة له.
معطم الدعايات والاعلانات التجارية تعتمد على الأنشطة الرياضية، والوسيلة الأكثر استخداما من قبل الشركات التجارية فيما يتعلق بتوسيع حملاتها الاعلانية هي التعاقد مع العدائين المشهورين عالميا ليحملوا شعارات الشركة أو اي طريقة أخرى لاعلان منتجات الشركة، وهذه هي تجربة نجحت بها الشركات وباتت منتشرة في العالم.
أخيرا، أود اخطار الشركات الصومالية بالعلم بأن كثيرا من الشركات التجارية المشهورة في العالم بما فيهم شركات نايك وأديداس، قد اشتهرت برعاية عديد من الأنشطة الرياضية ودعم اللاعبين في مختلف الأنواع الرياضية بما فيهم ألعاب القوى. فهل تعتقد أن تلك الشركات تضيع أموالها بأمور لا نفع فيها؟ إذا كانت اجابتك نعم, فاعلم بأن نايك وأديداس تمتلكان ثروات مالية كبيرة والتي تأتي معظمها من أنشطتهم المتعلقة بالرياضة.
أيتها الشركة الصومالية، ليس صعبا أن تكثف نشاطك المرموق في وسط البيئة الرياضية لتصل رسالتك إلى اكبر عدد ممكن من الناس ليكونوا زبائنك في المستقبل، وهذه الوسيلة ربما هي ارخص وابسط من بعض الوسائل الأخرى التي تعتمدين عليها الأن. فما المانع إذا تحركنا معا نحو الأمام لنجرب هذه الفكرة؟ إن ربحت، فالربح مقصدنا، وإن خسرت، فلا يأتي الربح الا بعد تجارب تنجح البعض وتفشل البعض الأخر.