من الأمازون إلى مقديشو: نصيبي من العولمة
علي حلني
آخر تحديث: 2/02/2016
علي حلني / كاتب وصحفي صومالي
ملاحظة مهمة: هذه السطور ليست دعاية لأي من الشركات أو الجهات التي سيتم ذكرها في المقالة، وإنما ذكرت فقط لفهم قصة المقالة.
ترجع بداية تعاملي مع البنوك العالمية إلى نحو عشرين عاماً، لكن ذلك لم يتجاوز استقبال عائدات عملي في حسابي وسحبها من البنك بالطريقة التقليدية جدًّا سواء كان ذلك حضوريًّا أو عن طريق تحرير شيك لشخص أو جهة ما، واستمر حالي على ذلك سنين طويلة..
ورغم تجوالي في بلدان كثيرة في الشرق والغرب، بحكم عملي، إلا أنني لم أملك البطاقات البنكية الذكية الا في وقت متأخر، لأنني لم أُقِم في أي بلد بصفة دائمة، وكان مقر إقامتي الدائمة في مقديشو، التي كانت معزولة عن العالم لفترة طويلة.
في منتصف عام 2014 زرت الولايات المتحدة ضمن برنامج الزائر الدولي، وأثناء البرنامج تم توزيع بطاقات ذكية على المشاركين بهدف استخدامها للمصاريف اليومية، ولكنها لم تكن تحمل اسمي وإنما اسم المؤسسة التي استضافتنا، واستمعت بمزايا البطاقة خلال الزيارة رغم أن استخدامي لها لم يخرج عن الإطار التقليدي أيضًا أي دفع فواتير المطاعم والسوبر ماركات والتاكسيات، ولم تكن صالحة للاستخدام خارج الولايات المتحدة.
وحدث تحول تدريجي بعد افتتاح بنك بريمير في بداية العام الماضي، وفتحت حسابا فيه لنفس الغرض القديم، ولكني حصلت ضمن خدمات هذا البنك على بطاقة الماستر كارد، بطاقة لامعة تحمل شعارَي البنك وشركة ماستر كارد الأميركية، وبدأت قصة جديدة!
اشتريت أولا خمسين جيجابايت من برنامج “آي كلاود” لشركة أبل، لحل مشكلة كانت تؤرقني وهي تخزين الصور التي التقطتها بواسطة جهاز الآي باد وهي بضعة آلاف صورة، وما يمكن إضافته إليه من الصور في المستقبل.
بعد حصولي على البطاقة فكرت في هاجس آخر كان يقلقني لسنوات طويلة وهو الحصول على الكتب لأنه لا يوجد ناشر أو موزع دولي أو إقليمي في الصومال. وحتى عندما أنشأنا أنا ومجموعة من زملائي ما أسميناه “نادي القراء في مقديشو” قبل 17 عاما، كنا نتداول الكتاب الواحد، وكان الكتاب يدور على ثلاثين قارئا أحيانا قبل أن يعود متهالكا الي صاحبه الأصلي. وتشرفت برئاسة هذا النادي في الفترة الأخيرة ويتجاوز أعضاؤه الثلاثمائة عضوا.
وكانت الطريقة الوحيدة للحصول على الكتب في ذلك الوقت هي أن يسافر أحد زملائنا الي الخارج ويأتي بما يستطيع حمله من كتب، أو أن نكلف أحد الأقرباء في الخرج أن يحمل الكتب الفلانية عندما يأتي لزيارة أسرته العام المقبل، وقد يستغرق الانتظار شهورا قبل أن يصل الكتاب.
عندما قرأت قبل سنوات كتاب “العالم مسطح” للكاتب الأميركي توماس فريدمان، بعد أن حمله إلى صديق عزيز كان يعيش في شيكاغو بالولايات المتحدة، ذهلت بتأثير العولمة الهائل في التجارة والسياسة والاجتماع، وشعرت بأنني لا أنتمي الي العالم المسطح الذي يحكي عنه السيد فريدمان، وتمنيت أن تنكسر العزلة بين بلدي والعالم، ولو بواحد في المائة مما تحدث عنه الكاتب.
وعندما جلست مع أصدقائي بعد عودتي من زياتي للولايات المتحدة سألني بعضهم عن أكثر الأشياء إغراءً بالنسبة لي للعيش هناك، وكان جوابي قصيرا “الكتب” لأنني وجدت كل ما يخطر على بال قارئ هناك. وكنت فعلا أبكي عندما أدخل الي هذه المتجر في واشنطن ودنفر وسان فرانسيسكو وسياتل ومينابولس وشيكاغو، فقط بمجرد التفكير في وفرة الكتب هنا وندرتها في بلدي هناك.
قصتي الثانية مع البطاقة البنكية الذكية كانت عندما تعاملت مع شركة أرامكس، وبرنامجها الرائع “شوب آند شيب”، وهو برنامج يسمح لعملاء الشركة شراء بضاعة من 15 بلدا حول العالم وشحنها عبر الشركة نفسها إلى بلد المشتري وذلك مقابل رسوم شحن مرتفعة نسبيا . لم أتردد في دفع ثمن الاشتراك وهي 45 دولارا مدي الحياة لآخذ نصيبي الممكن من العولمة.
وفي الأسبوع الماضي كنت أفتح موقع شركة الأمازون الشهيرة على الإنترنت وكنت أبحث عن كتاب عن الصومال طبع مرة واحدة قبل 21 عاما، ولم أجده عند أصدقائي، وهذا الموقع أدين له بالفضل الكبير في متابعتي لحركة عالم النشر باللغة الإنجليزية، ووجدت نسخة من الكتاب واشتريتها عبر بطاقتي البنكية، على أن تشحن عبر شركة أرامكس إلى عنواني في مقديشو.
وتعمدت أن يكون الكتاب مستعملا لتقليل التكلفة، وللمرة الأولى شعرت بخيوط العولمة تلتف حولي في عملية شراء واحدة. فبطاقتي الذكية من بنك بريمير في مقديشو، وهي مربوطة بشركة ماستركارد في أميركا، والكتاب المستعمل كان عند بائعه في ولاية نيوهامشر، وكان مربوطا لدى بائعه بشركة الأمازون، وأنا دفعت لها المبلغ وقامت بشحنه في البداية إلى نيويورك عبر شركة “يو إس بي إس”، إلى نيويورك حيث عنوان شركة أرامكس الرئيسي المربوط هو الآخر بعنواني في مقديشو، ثم بواسطة برنامجها شوب آند شيب إلى أن وصل إلى يدي بعد أن عبر ثلاث قارات.
لم أكن أصدق نفسي وأنا أتسلم الكتاب من موظف شركة الشحن، وأصبحت كطفل حصل على لعبة جديدة، والتقطت صورا للشحنة تخليدا للحدث، واحتفلت مع أصدقائي بهذا الحدث الكبير! الذين كانوا يشاركونني على مدى أسبوع مسار الشحنة. وربما يكون إجراء بسيطا في معظم أنحاء العالم، ولكنه حدث ضخم في مدينتي مقديشو، التي اكتسبت بحق حينا وبغير حق أحيانا كثيرة اسم أخطر مكان على ظهر الأرض، لكنها اليوم ضمنت مكانا لها بين المدن، وأتمنى أن تندمج بسرعة مع هذا العالم المعولم.
المصدر: هافينغتون بوست عربي