لما ذا ضاعت الحرية؟!
عبد الرحمن أبوبكر ليدو
آخر تحديث: 20/01/2016
الكاتب والباحث الصومالي: عبدالرحمن أبوبكر أحمد(ليدو)
بعد نيف وثلاثين عاما من رفع العلم ذي اللون الأزرق الذي تتوسطه النجمة الخماسية التي هي رمز للأجزاء الخمسة التي قسم الاستعمار البلاد إليها، ذهبت الحرية سدى وضاع اسم الصومال واختفى العلم الأزرق من المحافل الدولية…بل أكثر من هذا وذاك هو ضياع قيمة الشخصية الصومالية في أنحاء هذا العالم الذي أصبح عالم الهويات، فاذا ضاعت هويتك أو لم تكن هناك دولة تحمي هويتك فأنت يتيم الأبوين في هذا العالم. ضاعت الحرية وضاعت معها كرامة الشخص الصومالي في عام 1991م بعد مرور أكثر من ثلاثين عاما على رفع أول علم صومالي في سماء أرض يسكنها شعب صومالي بسنة 1954م؛ إذن ما هي الحرية؟ وما قيمة العلم؟
الحرية كما يفسرها البعض هي شجرة تنبت في صحراء قاحلة بدماء شهداء أبناء بلدها، وتروي بعرق كدح العمال أبناء البلد المخلصين لتصبح يافعة ومن ثم تبلغ درجة النضج لتكون وارفة الظلال يرقد تحت ظلالها أحفاد وأبناء أحفاد أجداد شهداء الحرية…..تلك هي الحرية -حسب نظر بعض المؤرخين وفلاسفة الحضارة الإنسانية-، فاذا ما حاولنا تطبيق التعريف أعلاه على الأمة الصومالية؛ تكون المحصلة كالتالي:
بعد دخول الاستعمار إلى الأراضي الصومالية نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين المنصرم، قام أبناء البلد بكل ما أوتوا من قوة لمكافحته رافعين لواء الحرية ضد المستعمر الدخيل، وفي طليعتهم الرعيل الأول من المجاهدين الصوماليين والمناضلين من أجل الحرية أمثال السيد/محمد عبدالله حسن، والشيخ/حسن برسني وغيرهما، وجاءت بعدهم المؤسسات الاجتماعية والأحزاب السياسية في الثلاثينيات والأربعينيات من القرن العشرين التي ناضلت بالطرق الدبلوماسية وتثقيف المجتمع، وذاق المجاهدون صنوف العذاب والاضطهاد تارة بنيران العدو وأخرى في غياهب سجون العدو، وفقدت الأمة الصومالية في سبيل الحرية كوكبة من ألمع رجالها ونسائها بل وفي بعض الأحيان فقدت الأجنة التي لم تر النور بسبب تعذيب أمهاتها.
بعد ذلك الجهد الجهيد راق للأمة الصومالية في خمسينات القرن الماضي إعلان الأمم المتحدة في صيف عام 1950 أن الصومال تنال حريتها بعد عشر سنوات، وفي خلال تلك السنوات تكوّن العلم الأزرق وتكوّنت فيها أول حكومة صومالية برئاسة شخص صومالي، وبعد قليل رحل المستعمر شكليا في منتصف ليلة أول شهر يوليو سنة 1960م التي تعتبرها – منذ ذلك الحين- الأمة الصومالية اليوم الوطني للحرية والوحدة. ولكن السؤال الذي يفرض نفسه هنا هو: لما ذا ضاعت الحرية؟ ولما ذا تفكك نسيج المجتمع بعد توحد شطرين من أراضيه التي قسمها الاستعمار إلى خمسة أجزاء بدل انضمام الأجزاء الباقية إليهما؟.
للإجابة على هذا السؤال لا بد لنا من الرجوع إلى الوراء…إلى الحرية ذاتها….إذا مثلت الحرية -إن صح هذا التعبير- بشجرة تنبت وتروي بدماء وأعراق أبناء بلدها….فالشجرة التي نبتت بدماء شهداء الحرية من الرعيل الأول من جيل المجاهدين ورويت بعرق وكدح العمال المخلصين من أبناء البلد في الستينات والسبعينات من القرن الماضي حتي أصبحت يافعة لامعة الأوراق والزهور. تلك الشجرة اليافعة ورثها أحفاد أبناء الشهداء إذ الأبناء هم الذين سقوها بأعراق جبينهم وكدح عضلاتهم حتى أفنوا عمرهم في سبيل إرواء شجرة الحرية، وورث الأحفاد تلك الشجرة فنسوا أو تناسوا الدماء والأعراق التي سالت في سبيلها…فسارعوا إلى قطف الثمار قبل نضجها، وكما قيل: من طلب الشيء قبل أوانه عوقب بحرمانه. حاول الاحفاد قطف الثمار قبل نضجها وتركوا الكدح والعمل الجاد في سبيل إرواء الشجرة…فانشغلوا في اقتسام الثمار فبدأ الشجار بينهم في وقت كانت الثمار لم يكتمل نضجها وبالتالي فهي ناقصة لا تغني من جوع ولا تروي من ظمإ….وبعد الشجار انفلت عقد الأمة وتركوا الشجرة التي أخذت أوراقها تتساقط استعدادا للذبول….فأصبح من تحتها كالذي يفر من عباءته التي تظله…طارحا أبناؤه وأمهات أولاده في العراء والقفار…..وإلى هنا وقف القلم وداعا أيها القراء الأعزاء إلى اللقاء……