الأحداث في أفغانستان: أسباب انهزام الجيش الأفغاني والدروس المستخلصة من هذه التطورات
الصومال الجديد
آخر تحديث: 22/08/2021
سيطر مقاتلوا حركة طالبان سلميا على مدينة كابل عاصمة أفغانستان في الـ 15/أغسطس/2021م، بعد استسلام معظم قادة الجيش الأفغاني، وهروب الرئيس أشرف غني إلى الإمارات العربية المتحدة التي استقبلته في أراضيها لأسباب إنسانية.
وتأتي سيطرة طالبان على كابل وأفغانستان بعد 20 عاما من الوجود الأمريكي في هذه البلاد، حيث سقطت كابول في الـ 13/نوفمبر/2001م، في يد قوات التحالف الشمالي المعارض المدعوم من قبل الولايات الأمريكية المتحدة التي شنت حربا على أفغانستان في الـ 7/أكتوبر/2001م، انتقاما من تنظيم القاعدة الّذي كان مسؤولا عن تفجيرات الـ 11/سبتمبر/2001م، التي استهدفت مركزي التجارة الدولية ومقر البنتاغون في مدينتي نيويورك وواشنطن الأمريكيتين.
وبسقوط كابل في يد أمريكا وحلفائها وانسحاب مقاتلي طالبان منها، بدأ عهد جديد لأفغانستان، غير أنه لم يكن كما وعدت به أمريكا أو توقعه حلفاؤها من أن تتحول أفغانستان إلى دولة عصرية حديثة متحررة من قيود وأغلال حركة طالبان التي كانت تحكم هذه البلاد تحت راية “الإمارة الإسلامية” في الفترة ما بين الـ 1996 _ 2001م.
لم يكن انسحاب طالبان من كابل نهاية للحرب الأفغانية بقدر ما كان بداية لمرحلة جديدة من حرب العصابات التي غالبا ما تستنزف القوات الأجنبية عسكريا واقتصاديا ونفسيا.
شكّل استعادة طالبان لأفغانستان حدثا تاريخيا هاما يستدعي الوقوف عليه لمعرفة الأسباب التي ساعدت الحركة على استعادتها لهذه البلاد بعد 20 عاما من إزالة حكمها فيها.
في هذه السطور، نحاول معرفة بعض العوامل التي أدت إلى ذلك، إلى جانب الدروس والعبر المستفادة من التجربة الأفغانية:
لقد تضافرت عدّة عوامل أساسية لتسهيل استعادة طالبان لبلاد الأفغان، أبرزها صمود الحركة في وجه القوات الأمريكية التي جنحت أخيرا إلى السلم، مما أدى إلى نجاح محادثات السلام في قطر بين الولايات وحركة طالبان التي افتتحت في 2018م مكتبا سياسيا لها في الدوحة، مهمته تنسيق هذه الجهود وتفعيلها، وقد أثمرت هذه الجهود في الـ 29/فبراير/2020م، بتوقيع اتفاق بين الطرفين بموجبه تنسحب الولايات المتحدة الأمريكية من أفغانستان مع نهاية شهر أغسطس الجاري مقابل تعهّد طالبان بأن لا تكون أفغانستان مرّة ثانية قاعدة للهجوم على أمريكا أو على مصالحها في العالم.
لم تكن الحكومة الأفغانية طرفا في هذه المفاوضات، بسبب غياب أرضية حوارية مشتركة بينها وبين حركة طالبان، فبينما تعتبر الأولى نفسها على أنها الحكومة الشرعية لأفغانستان، كانت ترفض الأخيرة الجلوس معها على طاولة الحوار على هذا المنطق، مما أدّى إلى التصعيد بين الطرفين والّذي انتهى بالاحتكام إلى منطق القوة والعنف، فحققت طالبان في هذا الميدان انتصارا على الجيش الأفغاني الّذي كان يتم إعداده منذ 20 عاما لهذه المهمة، غير أنه ثبت عجزه للقيام بها في غضون شهور معدودة!
حاول العديد من المتابعين الكشف عن أسباب السقوط السريع للجيش الأفغاني أمام حركة طالبان التي يفوقها عددا وعدّة وعتادا أضعافا مضاعفة، حيث يصل تعداد الجيش الأفغاني بمختلف فروعه وأقسامه إلى 300 ألف و699 جنديا أفغانيا مزوّدا بأحدث الأسلحة الثقيلة والخفيفة، وأُنفق عليه حوالي 88,3 مليار دولار أمريكي من أجل مواجهة حركة طالبان التي لا يتعدى مقاتلوها حوالي 80 ألف يقاتلون بأسلحة بدائية قديمة لا يمكن مقارنتها مع أسلحة الجيش الأفغاني الّذي انهزم أمامها، مما دعا البعض إلى البحث عن أسباب هذا السقوط.
في خطابه الأخير للتعليق على التطورات في أفغانستان، ألمح الرئيس الأمريكي حوبايدن إلى أن سبب انهزام الجيش الأفغاني هو غياب العقيدة القتالية التي يقاتل من أجلها، وذلك عندما قال أو تساءل السبب الّذي يحمل القوات الأمريكية على خوض قتال في أفغانستان في الوقت الّذي تهرب فيه القوات الأفغانية من ساحات القتال.
أما باتريك وونتر محرر الشؤون الدبلوماسية لصحيفة الغارديان البريطانية، فقد لخص أسباب انهزام الجيش الأفغاني أمام حركة طالبان في 3 نقاط رئيسية هي: الاعتماد على الخارج (الناتو)، القيادة السيئة، والفساد المستشري داخل المؤسسة العسكرية الأفغانية.
ما هي الدروس والعبر التي تستفيد الصومال من التطورات في أفغانستان؟
إن التطورات الأخيرة في أفغانستان لتبعث على المتابعين باستخلاص الدروس والعبر منها، كونها لم تعد حدثا محلّيا فقط، بل قضية إقليمية ودولية تؤثّر وتتأثر بمحيطها الداخلي والإقليمي والدولي، وخاصة الصومال التي تشترك معها في كثير من الملامح والأوضاع السائدة فيها.
وهنا نشير إلى أبرز النقاط التي قد تشكّل الدروس والعبر المستخلصة من هذه الأحداث:
1.أهمية وجود عقيدة قتالية في صفوف الجيش: لقد أثبتت الأحداث الأخيرة في أفغانستان أهمية وجود عقيدة قتالية يمكن من خلالها تجييش الجيوش وتجهيزها، وتدفعها نحو خوض غمار المعارك، ويستصغر العسكري بذل روحه دفاعا عنها، فطالبان بعدّتها المتواضعة وأسلحتها البدائية انتصرت على الجيش الأفغاني الّذي كان يتم تجهيزه خلال 20 عاما بالتدريبات العسكرية العالية والمعدات العسكرية المتطورة، غير أن ذلك كله لم ينفعه في شيء، إذ شاهد العالم كيف كانت تسقط المدن تباعا بأيدي الحركة، مما دفع جون كيربي المتحدّث باسم البنتاغون إلى البحث عن تفسير لهذا السقوط المدوّي عندما قال: “… يمكنك توفير الموارد، يمكنك التدريب، يمكنك الدعم، يمكنك تقديم المشورة، يمكنك المساعدة، ولكن لا يمكنك شراء الإرادة أو القيادة، والقيادة كانت مفقودة”، وفي محاولة منه للمقارنة بين الأوضاع في الصومال وأفغانستان، وخاصة فيما يتعلّق بتركيبة الجيشين الصومالي والأفغاني، يقول السيد عبد الرحمن عبدالشكور ورسمي المرشح الرئاسي وزعيم حزب ودجر المعارض: “لم يكن لدى الجيش الأفغاني دافع لمواصلة القتال ، ولم يعرفوا لماذا يموتون، بالإضافة إلى ذلك، لم يحصلوا على حقوقهم لعدة أشهر. فاستطاعت طالبان شراء ذمم كبار الضباط عن طريق وعودها لهم بالاحتفاظ على مناصبهم، ودفع رواتب معظم الجنود الّذين أبلغتهم بأن الأمريكان سينسحبون، وأن عليهم أن لا يأخذوا على أنفسهم جريرة، بل عليهم الاستفادة من العفو الشامل الّذي أصدرته الحركة… يجب أن يتمتع الجندي بشرعية يستميت للدفاع عنها وإرث تليد يخلّده التاريخ! ترى هل نعتقد أن جيشنا لا يدرك كيف يتصرف قادته أو لا يعرف كيفية وصول المسؤولين إلى السلطة؟! جندي يعرف أن الانتخابات المحلية كلفت ملايين الدولارات وهو يتضور جوعا ، إلى متى سيمكن للجندي المتضور جوعا الاستمرار في محاربة العدو، وهو يعرف جيدا أن الانتخابات في دائرته الانتخابية كلّفت ملايين الدولارات ولم يصله منها فلس واحد ؟! ومن ناحية أخرى، ماذا سيقرر المجتمع الدولي الّذي يمول بعثة الاتحاد الأفريقي في الصومال، عندما يطالب منه باعتراف نتائج هذه الانتخابات على أنها قرار صومالي؟!”، وفي منشور آخر حول هذه القضية يقول السيد عبد الشكور: “إن السبب الرئيسي لانهزام الحكومة الأفغانية هو فشل سياسييها قادة البلاد الّذين أصبحوا انتهازيين فاسدين يمارسون المحسوبية في إدارة البلاد، ومتعطشون للسلطة التي يسيؤون استخدامها، ونتيجة لذلك يئس المجتمع الدولي من إحداث تغيير إيجابي في سلوك قادة الأفغان وسياسييهم، فلم يبق له إلا أن يقف موقف المتفرج، ويترك أفغانستان تواجه مصيرها المحتوم”، وكأن السيد عبد الشكور يريد إيصال رسالة إلى قادة الصومال فحواها: “أنهإذا استمر الوضع على ما هو عليه الآن، فإن الصومال سينتظر مصيرا مشابها لمصير أفغانستان، إذ إنه من المعلوم أن القوات الإفريقية ستنسحب يوما من البلاد، وحينها سيفاجأ الجميع بهشاشة الجيش الصومالي وعدم قدرة القيادة السياسية الصومالية على إقناعه بمجابهة الحركات الأيديولوجية المعارضة للحكومة”، وهنا يلعب السيد عبدالشكور دور النذير لما تخبئه الأيام للصومال.
2.محدودية إحداث القوى الخارجية التغيير الإيجابي المنشود: أمضت الولايات المتحدة الأمريكية ومعها حلفاؤها من الناتو 20 عاما في أفغانستان، دون أن تحقق تغييرا إيجابيا في مجالات بناء الدولة الحديثة في أفغانستان، فها هو الجيش الأفغاني قد تهاوى في غضون أيام أمام الحركة، كما أن الفساد استشري في مؤسسات الدولة الأفغانية بحيث تحتل أفغانستان صدارة تصنيف الدول الأكثر فسادا في العالم، وفق منظمة الشفافية الدولية، مما يعني أنه لا بد من إدراك حقيقيتين: أن الوجود الأجنبي في بلاد ما لن يستمر إلى الأبد مهما طال زمنه، ثم أنه لن يحقق شيئا ملحوظا لأبناء البلاد. وهنا ينبغي أن تدرك الحكومة الصومالية جيدا لهذه الأمر، وتستعد لما بعد مرحلة انسحاب القوات الأجنبية، وذلك بتعبئة القوات الصومالية وإعدادها نفسيا وعقديا إلى جانب فتح قنوات الاتصال والحوار مع الحركات الأيديولوجية والتنظيمات الفكرية المسلحة الرافضة لطريقة إدارتها للبلاد، على أمل أن يتمخض من هذا الحوار تفاهم من شأنه أن ينقذ البلاد من العودة إلى الحروب الفكرية المسلحة.
3.أهمية الحوار والمفاوضات: برهنت أحداث أفغانستان الأخيرة، أنه مهما طال أمد المعركة واعتلت أصوات البنادق والرصاص على أصوات السلام والحوار، فتؤول الأمور في النهاية وبوقتها المحدد إلى طاولة الحوار والمفاوضات، والتي سيقبلها الجميع حينئذ بشروط أو بدون شروط مسبقة، وخير دليل لذلك محادثات السلام ين أمريكا وطالبان وما تمخض عنها من ترتيب لانسحاب القوات الأمريكية من أفغانستان، مما يحتم على أبناء البلد الواحد قبول بعضهم البعض الآخر، وإقناعه بالحجة والمنطق بدل القوة وفوهة البندقية.