تعقّب قادة التيجراي .. استنزاف داخلي وتهديد لاستقرار المنطقة
الصومال الجديد
آخر تحديث: 14/01/2021
أعلن الجيش الإثيوبي مساء أمس الأربعاء 13/يناير/2021م، عن مقتل القيادي البارز في الجبهة الشعبية لتحرير تيجراي سيوم مسفين وزير خارجية إثيوبيا الأسبق.
ووفقا لبيان الجيش الإثيوبي فإن مقتل سيوم مسفين وآخرين كانوا معه جاء عقب حدوث اشتباكات بإحدى مقاطعات إقليم تيجراي، وخاصة عند نهر تكزي في الإقليم، حيث نقلت وكالة الأنباء الإثيوبية عن الجيش الإثيوبي قوله: “إنه تم القضاء على 4 من قيادات الجبهة الشعبية لتحرير تيجراي بعد تبادل لإطلاق النار مع الجماعة المتمردة في منطقة نهر تكزي بإقليم تيجراي شمال إثيوبيا“.
ويعتبر سيوم مسفين أحد أشهر قيادات الجبهة الشعبية لكونه من الرعيل الأول المؤسس لهذه الجبهة في سبعينات القرن الماضي، كما أنه كان من أبرز كوادر الجبهة، فإلى جانب كونه مؤلف الأغاني الثورية أيام النضال ضد نظام منغستو هايلي مريام، كان مسفين يشغل مناصب سيادية في الجبهة، إذ شغل في الفترة ما بين 1975 _ 1988م منصب رئيس لجنة الشؤون الخارجية في الجبهة الشعبية لتحرير تيجراي، كما أنه تولى حقيبة الوزارة الخارجية الإثيوبية في الفترة ما بين 1991 _ 2010م، أي إبان حكم الجبهة لإثيوبيا.
لقد كان سيوم مسفين خلال توليه لخارجية إثيوبيا من المؤثرين الأساسيين في السياسة الصومالية، مما دعا نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي في الصومال تداول خبر مقتله بالتعليق والاستفسار تارة، وبالتعبير عن التشفي والارتياح بمقتله تارة أخرى، إذ إنه كان في يوم من الأيام أحد أبرز الوجوه الإثيوبية التي يستحضرها الشعب الصومالي عند الحديث عن الاجتياح الإثيوبي للعاصمة الصومالية مقديشو أواخر عام 2006م.
إن مقتل سيوم مسفين في هذا الوقت بالذات يفتح تساؤلات في أوساط المتابعين، إذ إن مقتله يأتي بعد أكثر من شهر تقريبا على إعلان الحكومة الإثيوبية إنهاء الحملة العسكرية في إقليم تيجراي والسيطرة على جميع مدنه، غير أن بيان الجيش الإثيوبي الصادر يوم أمس حول ملابسات مقتل مسفين، أشار إلى أن مسفين قُتل في معركة مسلحة بين مقاتلي الجبهة الشعبية والجيش الإثيوبي، مما يكشف عن حقائق جديدة تدل على أن الحكومة الإثيوبية لم تفرض بعد سيطرتها التامة على كامل مدن إقليم تيجراي.
كما أن مقتل سيوم مسفين وسلسلة اعتقالات قادة الجبهة من حقّها أن توجه الحملة العسكرية نحو بوصلة أخرى، إذ تساعد هذه العمليات دعاة المظلومية في القومية على العزف بوتر الصراع القومي والطائفي، حيث بإمكانهم تصوير ما يجري الآن في الإقليم بأنه تطهير عرقي للتيجراي بالقضاء على قياداتها القومية والسياسية، وإلاّ لو كان الأمر متعلّقا بالتمرد لاكتفت الحكومة الإثيوبية بإنهائه والسيطرة على الإقليم! ومن ثم التوجه نحو البناء والتعمير واجتياز العقبات التي خلّفتها الحرب وما تسببته من ويلات اقتصادية واجتماعية وأمنية وسياسية، لكن لم يحدث شيئ من هذا القبيل طوال الفترة التي أعقبت إعلان الحكومة سيطرتها على الإقليم!
يرى مراقبون أن طول أمد الصراع في إقليم تيجراي سيؤجج أسباب الصراعات الإثنية والعرقية بين القوميات الإثيوبية المتعدّدة التي تعاني يعضها من تطهير عرقي، أو تهميش إداري، أو إقصاء سياسي، أو تحجيم لنفوذها، وغيرها من المظالم التي تسردها بعض القوميات الإثيوبية التي تتحين الفرص لاستعادة حقها الضائع أو المهضوم بين القوى المتسلّطة على رقابها، وفي ذلك ضعف حقيقي وحتمي للتماسك الإثيوبي عسكريا وسياسيا واقتصاديا، مما لا تتوقف تأثيراته على الداخل الإثيوبي، بل ستتعدّى إلى الجوار ودول المنطقة، وما التصعيد العسكري في الحدود بين السودان وإثيوبيا إلاّ بوادر تأثيرات الأزمة الإثيوبية الداخلية على دول المنطقة.
يشير متابعون أمنيون وسياسيون إلى أنه كان من الأجدر بالحكومة الإثيوبية عقب إنهاء التمرد في إقليم تيجراي أن تمدّ يدها لأبناء المنطقة وتشعرهم بأنهم ليسوا هدفا للحكومة وقواتها، وأنهم لا يتحملّون وزر أفراد وأشخاص كانت لهم أجندات شخصية بحتة لا تهمهم مصلحة البلاد، غير أنه يبدو أن حكومة آبي أحمد أخذتها نشوة الانتصار، ففضلت تعقّب الفلول ومطاردتهم بدل تضميد الجراح واستعطاف شعب الإقليم، مما سيؤدّي إلى حروب دموية مستمرة تستنزف إثيوبيا سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وعسكريا، ما لم تتحرك النخب الإثيوبية لوضع حدّ لها.