شهر رمضان بنكهة مميزة وطقوس مختلفة في البلدان الإفريقية
صفاء عزب
آخر تحديث: 27/04/2020
القاهرة- على الرغم من تسبب كورونا في حرمان المسلمين من كثير من طقوسهم الرمضانية هذا العام وعلى رأسها التجمعات الكبيرة في المساجد لأداء صلاة التراويح والإلتفاف حول حلقات الذكر وقراءة القرآن والتجمع الأسري بأعداد كبيرة حول موائد الرحمن، إلا أنه يظل لشهر رمضان في قارة إفريقيا مذاقا خاصا يختلف عنه في باقي الدول الإسلامية حول العالم. ويبدو شهر رمضان في القارة الإفريقية ذا طبيعة خاصة حيث تلعب الظروف الاجتماعية والاقتصادية القاسية وكذلك الظروف البيئية والمناخية دورها في تشكيل ملامح الحياة وعادات وتقاليد الشعوب الإفريقية في شهر الصيام.
على الرغم من وحدة الشعائر الإسلامية والحالة الروحانية الرمضانية المشتركة بين الشعوب الإسلامية في العالم، إلا أنه يظل للتباين الجغرافي والثقافي أثره على اختلاف ملامح شهر رمضان بين الأمم والشعوب، وحتى في ظل الإجراءات الإحترازية لمواجهة فيروس كورونا، تبقى تلك الملامح موجودة لتميز مسلمي كل دولة عن مسلمي الدول الأخرى. وقد تواصل “الصومال الجديد ” مع بعض الأشقاء الأفارقة من بلدان مختلفة لنعرف منهم شكل الحياة في شهر رمضان وطقوس الصيام والإفطار في بلادهم.
من الكاميرون في غرب إفريقيا يقول “حميد ليوانزي” في حواره مع “الصومال الجديد” نحن نصوم رمضان ونصلي ونقيم الليل مثل كل المسلمين بل ونحظى بأن الصوم عندنا في الكاميرون أسهل لأن عدد ساعات الصيام أقل فالنهار قصير كما أن المناخ أفضل والجو معتدل، والتراويح نصليها عشر ركعات فقط وتبقى بيوتنا مفتوحة الأبواب وقت صلاة المغرب للترحيب بأي ضيف صائم يمكن أن يكون بالشارع في تلك اللحظات. ويضيف “ليوانزي” نقضي شهر رمضان بشكل عادي فنصوم ونعمل بالنهار ونجتمع على طعام الإفطارالبسيط الخفيف على المعدة وبعدها نصلي التراويح والتي اعتدنا أن نصليها في المساجد بدون ختام كامل للقرآن- قبل إجراءات كورونا- وقليل منا فقط هو الذي يقرأ بسور طويلة في الصلاة أما غالبية الأئمة يصلون بنا بقصار السور، بعدها نذهب للنوم ونستيقظ قبيل الفجر لتناول السحور.
يعيش مسلمو الكاميرون الذين يقتربون من 30% من السكان حياة بسيطة فلا إسراف ولا تبذيرفي الطعام والشراب وبحسب “ليوانزي”، فكل ما يتناولونه في الإفطار هو التمر والماء مع وجبة مكونة من الأرز والمديدة المصنوعة من الذرة وبعض اللحم مع القهوة أو الشاي، ولا يختلف السحور عن هذا الطعام. ويقول حميد ليوانزي إن المساجد في الأوقات العادية تصدح بالآذان وتستقبل المصلين للصلاة والاستماع إلى العظات والتي تدور غالبا حول صلة الرحم والتراحم والتواد بين الناس والتي تخلق مناخا طيبا للعيش في سلام مع الديانات الأخرى.
من النيجر يقول محمد موتاري ل”الصومال الجديد” بحكم أننا كمسلمين نمثل حوالي 98% من السكان فإن الطابع الروحاني يغلب على ملامح الحياة عندنا في شهر رمضان ولايقتصر الأمر على صلاة التراويح بالمساجد وإنما شيوع تلاوة القرآن في كل بيوت النيجر حتى وقت السحور، حيث يظهر المسحراتي أيضا في النيجر ولكن بشكل مختلف فيمر على البيوت مرتين الأولى ليتسحر المسلمون والثانية قرب آذان الفجر للتنبيه بانتهاء وقت الإفطار. وعن طعامهم المفضل في الشهر الكريم يضيف موتاري، أن البيض والخضروات والمكرونة هي الطعام الرئيسي على مائدة إفطار مسلمي النيجر بينما يتناولون وجبة الطعام الرئيسية بعد صلاة التراويح وهي عبارة عن الخبز واللحم مع الأرز في حين يقتصر السحور على الحليب والعصيدة. ويضيف موتاري أن الطابع الديني التقليدي يسيطر على الحياة الرمضانية للنيجر حتى أن اليوم التالي لليلة القدر يعد إجازة رسمية في كل قطاعات الدولة لإعطاء فرصة للمسلمين إقامة هذه الليلة.
ومن إفريقيا الوسطى يقول إسماعيل دانكوما “للصومال الجديد”: رغم ما نمر به من مشكلات وأزمات تظل هناك أمور أساسية نحرص عليها في شهر رمضان كأحد معالم الاحتفال به أولها المسحراتي الذي نسميه “أجموجمو” والذي يبدأ في قرع طبلته منذ أول ليلة من ليالي الشهر الكريم وثانيها، مائدة الإفطار الجماعي حيث نفترش المساحة الموجودة أمام المنازل وأحيانا المساجد لتناول الإفطار معا ويتم تبادل طعام الإفطار بين الجيران وبعضهم البعض، والذي يتكون بشكل أساسي من الحساء والسلطة والمديدة المصنوعة من الذرة المطحون. وأحيانا يتشارك معنا غير المسلمين طعام الإفطار لتنمية روح المودة وننطلق بعدها إلى صلاة التراويح في المساجد الكبيرة والشهيرة. كما يحرص كثير من مسلمي إفريقيا الوسطى على ممارسة الإعتكاف في العشر الأواخر من رمضان، وإن كانت جائحة كورونا قد أثرت كثيرا في انكماش الناس خوفا من العدوى. ويؤكد “دانكوما” التشابه الكبير بين شهر رمضان في إفريقيا الوسطى وغيرها من الدول العربية القريبة منها، مشيرا إلى أن قرب السودان وتشاد من إفريقيا الوسطى وتداخلهم معهم في العلاقات الثقافية والتاريخية أدى إلى انتقال بعض المظاهر الرمضانية والعادات العربية لإفريقيا الوسطى.
في قلب المحيط الهندي حيث توجد جزيرة موريشيوس بالقرب من الساحل الإفريقي الشرقي يحتفل المسلمون هناك، والذين لا تتجاوز نسبتهم 17% من إجمالي عدد السكان ويبلغ عددهم حوالي مليونين وربع المليون نسمة، بشهر رمضان مع فجر أول أيامه. يقول عبد الكريم باكوس صوبراتي في حوار مع “الصومال الجديد” أن التنوع الديني في بلاده نتيجة لتنوع أصول السكان ما بين هندوس وبوذيين ومسيحيين لم يمنع المسلمين أن يحتفلوا ويقيموا شعائرهم في شهر رمضان بداية من صلاة تراويح أول ليلة وكذلك صلاة الفجر الأولى لتستمر الاحتفالات الدينية حتى آخر ليلة. ويضيف أن هناك فرحة كبيرة تصاحب لحظات الإعلان عن بدء شهر الصوم لكن الطابع السياحي والساحلي لجزر موريشيوس يغلب على الحياة هناك حيث تسود المأكولات البحرية المائدة الرمضانية، إضافة إلى الأطعمة المطهوة بنكهات هندية وصينية مع الإفطار على مشروب محلي يسمى ماسالا تشاي.
ويعتبر مسلمو نيجيريا من أكبر أعداد المسلمين الذين يجتمعون في بلد إفريقي واحد حيث تجمعهم عادات وعبادات الشهر الكريم وأشهرها الإجتماع على موائد إفطار تحتوي على التمر والماء واللبن، كوجبة تمهيدية للوجبة الرئيسية. كما يحرص المسلمون هناك على الالتفاف حول حلقات التفسير القرآني عقب صلاة العصر التي يحرص الجميع على حضورها من اليوم الأول حتى الأخير. وإن كانت هذه الطقوس قد تأثرت بظروف فيروس كورونا وما استلزمته من إجراءات عزل وتقييد للحركة والتجمع بأعداد كبيرة.
رغم صعوبة وقسوة الحياة في كثير من الدول الإفريقية بسبب الظروف الإقتصادية أو الأوضاع الأمنية والسياسية، تبدو الحياة الإجتماعية لدول إفريقيا ذات أجواء مختلفة وبسيطة في شهر رمضان من دون مظاهر بذخ أو إسراف فلا أسواق مزدحمة بسلع رمضان ولا محلات للياميش والحلويات والمشهيات والعصائر، بل يقتصر الأمر على الحليب والماء والتمر ووجبة أساسية من الذرة المجروشة أو الخضروات واللحم بينما يستحوذ الجانب الروحاني على الإهتمام الأكبر في كثير من هذه البلدان وهي ملامح إيجابية أقرب لجوهر ومغزى شهر الصوم الذي نفتقده في كثير من بلادنا العربية.