الاستقرار السياسي والأمني ضرورة لجني ثمار إسقاط الديون عن الصومال
صفاء عزب
آخر تحديث: 31/03/2020
القاهرة- وسط ظروف اقتصادية صعبة يمر بها العالم، سيما في ظل توابع انتشار فيروس كورونا، جاء خبر إسقاط الديون عن الصومال ليلقي بالأمل إلى الشعب الذي عانى طويلا من كافة أنواع المعاناة من فقر ومجاعة وجفاف وحروب أهلية وصراعات داخلية عنيفة بين أطراف متنازعة وافتقاد للأمن، فيما يبدو أنه قد آن الأوان ليستعيد الصوماليون حقهم في الإستفادة بمقدرات النجاح والتنمية إذا نجحت بلادهم في خفض ديونها الخارجية، الأمر الذي يعيدها إلى النظام المالي العالمي مرة أخرى بعد غياب ثلاثة عقود، وهو ما يعد خطوة مهمة لتمهيد الطريق نحو مستقبل أفضل يستحقه الشعب الصومالي بعد سنوات الكفاح الصعبة.
كان المجلس التنفيذي لصندوق النقد الدولي قد وافق مؤخرا على خطة تمويل لتغطية حصته من الديون الصومالية له تمهيدا لإسقاطها في إطار مبادرة الدول الفقيرة المثقلة بالديون، ليكون الصومال هو البلد السابع والثلاثين في قائمة الوصول ل”نقطة القرار” وفقا لهذه المبادرة. ويرجع السبب في اتخاذ هذه القرارات من قبل المؤسسات المالية الدولية إلى الإنتشار الخطير لفيروس كورونا الذي أثار المخاوف على أوضاع الدول الأشد فقرا والمكبلة بديون ضخمة، من ضعف قدرتها على مواجهة هذه الجائحة الخطيرة، وهو ما دفع ديفيد مالباس رئيس البنك الدولي إلى التصريح بأن الدول المثقلة بالديون ستتلقى ضربات عنيفة مع انتشار كورونا مما يستوجب إعفاءها من الدين حتى تتمكن من التركيز في مواجهة الجائحة وتوابعها على الصعيدين الإجتماعي والإقتصادي.
من المنتظر مع حلول شهر إبريل المقبل أن ينتقل الصومال إلى مرحلة اقتصادية جديدة يطل من خلالها أجيال حالية عديدة من الصوماليين على مستقبل غير مكبل بالديون وأعبائها لبلد يستطيع أن يتخذ قراراته الاقتصادية بشكل أكثر حرية واستقلالية وفقا لمتطلبات شعبه. جاء ذلك بعد البيان المشترك لكل من البنك الدولي وصندوق النقد الدولي باتخاذ الصومال للخطوات الضرورية للبدء في تلقي إعفاء من الدين وخفض ديونه من 5.2 مليار دولار إلى حوالي 557 مليون دولار في ظل صدور قرار من نادي باريس تجاه الدائنين الكبار الذين يشملون كلا من الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا وفرنسا وإيطاليا بإسقاط الديون نهاية مارس الجاري، وهي خطوة مهمة تعيد الصومال مرة أخرى إلى النظام المالي الدولي بعد غياب طويل. وقد أكد صندوق النقد الدولي أن الصومال بهذه الخطوة، وصل إلى المرحلة الأولى في رحلة إعفاء الديون، تمهيدا لبدء المرحلة الثانية التي قد تستغرق 3 سنوات لإعفاء الدين عنه بشكل كامل.
لاشك أن هذه الخطوة تمثل انطلاقة جديدة للصومال، الذي استقبل الخبر باهتمام شعبي عميق وامتنان حكومي كبير، وهو ما أكدته مواقع التواصل الإجتماعي التي عبر الصوماليون من خلالها عن هذا الإمتنان، حيث رحب عبد الرحمن دعالي وزير المالية الصومالي بقرار إسقاط الديون عن بلاده وقال في إحدى تغريداته: “نحن ممتنون لكل الشركاء على دعمهم المتواصل لرحلتنا صوب إلغاء الدين” وأنهى تدوينته بالتأكيد على المضي قدما في طريق الإصلاحات الإقتصادية. إن هذه التغريدة لأحد كبار المسؤولين الصوماليين تؤكد أهمية القرار الأخير وآثاره الإيجابية على النظام الإقتصادي الصومالي سيما مع الاستعانة بالخبرات المخلصة والعمل الدؤوب لتعظيم الإستفادة من التطورات الأخيرة. ورحب خبراء اقتصاديون بهذا التطور، كما أعربت إلهان عمر النائبة الأمريكية الصومالية في الكونجرس الأمريكي عن سعادتها بما حققته مع زملائها بالكونجرس لإعفاء الصومال من ديونه مشيرة في تغريدة لها أن هذا الأمر سوف يسهم في تقدم وازدهار الصوماليين.
لم تأت خطوة إسقاط الديون عن الصومال من فراغ وإنما جاءت نتاج جهود كبيرة ومفاوضات صعبة طويلة مع الأطراف المعنية سواء كانت مؤسسات مالية دولية أو دول مقرضة، من أجل الموافقة على طريقة لتسوية متأخرات الصومال المستحقة لصندوق النقد الدولي، وهو ما أثمر عن نجاح الصومال بموجب هذه الجهود في شطب ديونه التي تعادل الناتج المحلي الإجمالي، وطي الصفحة القديمة لبدء صفحة جديدة بخطة تمويل بمنح نقدية للمساعدة على دفعها قدما على طريق الإصلاح الإقتصادي. البدايات جاءت في نهايات العام الماضي عندما تم الإعلان عن توجه الولايات المتحدة الأمريكية لإعفاء الصومال من الديون المستحقة عليه، والتي تبلغ مليارا ونصف المليار دولار، بعد موافقة الكونجرس، وهي الخطوة التي مرت بمعوقات كثيرة لخلافات داخل الإدارة الأمريكية، قبل تتويجها بنجاح. وبحكم أن روسيا تأتي في المرتبة الثانية بعد أمريكا في قائمة الدول الدائنة للصومال، سعى الأخير من خلال مفاوضات هامة مع الطرف الروسي لتخفيف الديون.
نتائج مهمة وحيوية يجنيها الإقتصاد الصومالي من جراء التحرر من ديونه الثقيلة والقديمة المتراكمة عبر سنوات طويلة، أولها العودة والإندماج من جديد في النظام المالي العالمي بما يسمح له الحصول على موارد جديدة تساعده على تنفيذ خطط الإصلاح والتنمية. وفي هذا الإطار نجحت الحكومة الصومالية في الحصول على قرض قصير الأجل بقيمة 9ر365 مليون دولار من الحكومة النرويجية، وذلك وفقا لبيان البنك الدولي. كما أن تعافي الإقتصاد الصومالي المأمول في ظل هذه الإجراءات سيسهم في تحسين الأوضاع الاجتماعية ومواجهة الفقر والبطالة، وهي مشكلات مزمنة تبحث عن حلول منذ فترة طويلة. ولكن من جهة أخرى فإن استمرار المضي قدما نحو هذه الإصلاحات يستلزم توفير بيئة سياسية وأمنية ملائمة لأن الصراعات السياسية والتهديدات الأمنية من أشد أعداء التقدم الإقتصادي واستقراره، خاصة وأن عنصر الإستثمار الذي يمثل أحد أهم أدوات تقدم الإقتصاد لا ينسجم إلا مع بيئة مستقرة هادئة. ومن ثم فإن الصومال يحتاج إلى ضرورة توفير البيئة المناسبة للإستثمارات والمشروعات الوطنية الكبرى وعمليات التطوير والإصلاح حتى يتسنى للصوماليين جني ثمار السنوات العجاف الطويلة قبل إسقاط الديون.