هل تتجه العلاقات السودانية الإسرائيلية نحو التطبيع الكامل؟
صفاء عزب
آخر تحديث: 24/02/2020
القاهرة- أثار اللقاء الذي تم بين رئيس المجلس السيادي الإنتقالي في السودان عبد الفتاح البرهان، والرئيس الإسرائيلي بنيامين نتنياهو مطلع الشهر الجاري في أوغندا، حالة من الجدل والدهشة لما يعكسه اللقاء من انقلاب كبير وتغير جذري في المواقف السودانية من التعامل مع الكيان الإسرائيلي. وقد تواكب هذا اللقاء مع سماح السودان للطائرات التجارية الإسرائيلية بالمرور عبر مجالها الجوي لأول مرة بموجب اتفاق مع الحكومة في الخرطوم. وكان رئيس الوزراء الإسرائيلي قد أعلن خلال لقائه مع مجموعة من الزعماء اليهود الأمريكيين أن طائرة إسرائيلية عبرت الأجواء السودانية متجهة إلى أمريكا الجنوبية مشيرا إلى أهمية ذلك في تقليل زمن الرحلة ثلاث ساعات بما يحقق وفرا أكبر لتكلفة الرحلة التجارية، وهو أحد المكاسب التي تبغيها إسرائيل من وراء تنشيط علاقتها بالسودان. كما كشف الموقع الخاص لصحيفة يديعوت أحرونوت الإسرائيلية عن قيام طائرة مدنية خاصة، لا تحمل رخصة إسرائيلية ولكن قاعدتها الرئيسية في مطار بن جوريون الإسرائيلي، بعبور المجال الجوي السوداني هي الأخرى وهي قادمة من الكونغو عبر طريق يمر بجمهورية إفريقيا الوسطى والسودان ومصر، واستغرقت خمس ساعات ونصف بزمن أقل ساعة ونصفا من الطريق الآخر الذي يتجنب العبور فوق السودان، الأمر الذي تعتبره إسرائيل خطوة مهمة لدعم مكاسبها الإقتصادية والسياسية في القارة الإفريقية.
لا شك أن هذه الخطوة تعد تطورا جديدا في تاريخ العلاقات الإسرائيلية العربية، وتأتي في إطار السعي الحثيث لإسرائيل لكسر الجمود السياسي في علاقاتها بالدول التي كانت تعاديها من قبل وترفض التطبيع معها، فهل تأتي هذه التطورات تمهيدا لتطبيع كامل بين إسرائيل والسودان؟ وإذا كانت الأهداف الإسرائيلية من تطبيع علاقاتها بالدول العربية معروفة وواضحة، فما هي تلك الأهداف التي تدفع بالسودان إلى فتح صفحة جديدة مع إسرائيل وصولا لتطبيع العلاقات الثنائية؟!
لقد شهدت العلاقات السودانية الإسرائيلية حالة مزمنة من العداء والخصومة التي امتدت لسنوات طويلة، حيث كانت إسرائيل تعتبر السودان تهديدا أمنيا في ظل شكوكها بتعاون الأخيرة مع إيران لتهريب الأسلحة للفلسطينيين في غزة، وهو ما ارتبط بقيام طائرات إسرائيلية عام 2009 بقصف قافلة أسلحة في السودان وفقا لما نشرته مصادر إعلامية. وعلى الصعيد السوداني مر هذا الموضوع بتطورات متعددة ومتنوعة، في البداية كان وجود أي علاقة مع الكيان الإسرائيلي بمثابة “تابو” يحذر مجرد التفكير فيه، وتم تقنين المقاطعة السياسية والإقتصادية مع إسرائيل من خلال قانون عام 1958، أعقبها تعاون بين نظام النميري مع إسرائيل لترحيل يهود الفلاشا لها عبر الأراضي السودانية، مرورا بتسريبات خاصة باتصالات ولقاءات سرية تمت بين أطراف سودانية وإسرائيلية في المغرب وأوغندا، وصولا للقاء المشهود الذي تم مؤخرا في أوغندا بين القيادتين السودانية والإسرائيلية تحت سمع وبصر شعوب العالم كلها ومنها الشعب السوداني.
بطبيعة الحال فإن هذه الخطوة تمثل تحولا جذريا في العلاقات الثنائية، وتمثل نجاحا ديبلوماسيا جديدا لنتنياهو يعول عليه كثيرا في الإنتخابات المقبلة. كما تعد مكسبا سياسيا لإسرائيل لما يحققه لها من تعميق نفوذها في القارة الإفريقية إضافة إلى تدعيم علاقاتها مع الدول العربية التي أعلنت مرارا “مقاطعتها” للكيان الإسرائيلي قبل العدول عن موقفها. وتعتبر إسرائيل السودان بلدا مهما كونه مركزا للتنافس بين الرياض وتركيا وله انتماءات عربية وإفريقية وإسلامية بما يجعله جسرا أمام إسرائيل للتواصل عبره مع هذه العوالم المختلفة. وقد ذكرت صحف إسرائيلية أن التطورات الأخيرة تستهدف أيضا تخلص إسرائيل من المهاجرين السودانيين غير الشرعيين بإعادتهم لبلادهم. في مقابل ذلك ألمح خبراء إسرائيليون باحتمالات وجود مقايضة بين تطبيع العلاقات الإسرائيلية السودانية وبين وساطة إسرائيل لإقناع الولايات المتحدة بتحسين علاقاتها بالخرطوم ورفع العقوبات المفروضة على السودان.
إن ما يخشاه المراقبون هو أن تتسبب هذه التطورات في إحداث انقسام في الجبهة الداخلية السودانية مع اشتعال الخلاف حول أي تقارب سوداني إسرائيلي، خاصة وأنها أحدثت جدلا كبيرا بين مختلف القوى السياسية. لقد أصدرت قوى الحرية والتغيير السودانية المعارضة بيانا، عارضت فيه اجتماع رئيس مجلس السيادة السوداني عبد الفتاح البرهان مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، ونصت في البيان على أن الوثيقة الدستورية التي تحكم الفترة الإنتقالية في السودان توكل اختصاص العلاقات الخارجية إلى السلطة التنفيذية وعليه اعتبرت أن ما حدث يمثل تجاوزا مرفوضا. كما أعرب الصادق المهدي رئيس حزب الأمة السوداني القومي عن رفضه لهذه الخطوة مؤكدا على أن التطبيع مع إسرائيل لن يحقق مصالح السودان ولن يزيل العقوبات المفروضة عليه، ومن يقول غير ذلك فهو واهم، على حد تصريحاته المنشورة.
من جانبه قال عبد الفتاح البرهان أن لقاءه برئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو جاء لـ”تحقيق المصالح العليا للشعب السوداني مضيفا: “قمت بهذه الخطوة من موقع مسؤوليتي بأهمية العمل الدؤوب لحفظ وصيانة الأمن الوطني السوداني وتحقيق المصالح العليا للشعب السوداني”. كما أدلى البرهان بتصريحات صحفية أكد فيها أن من حق السودان أن يبحث عن مصالحه الوطنية والأمنية في كل مكان ووقتما كان ذلك متاحا.
وحول الجدل المثار بخصوص موضوع التطبيع بين بلاده والطرف الإسرائيلي وصف مبارك الفاضل المهدي رئيس حزب الأمة للإصلاح، الإعتراض على هذه الخطوة بأنه “غير موضوعي” مشيرا إلى أن الفلسطينيين أنفسهم «طبعوا» علاقتهم مع الإسرائيليين منذ «اتفاقية أوسلو» واعتبر الزعيم الحزبي أن علاقة السودان مع إسرائيل ستخدمه بتقديم “شهادة براءة من الإرهاب” على حد وصفه في تصريحاته للشرق الأوسط اللندنية.
يبدو مما سبق أن التطبيع السوداني الإسرائيلي سيصاحبه موجة من الجدل والإنقسامات الواسعة في الجبهة الداخلية نتيجة لاختلاف المواقف والرؤى المتعلقة بهذا الموضوع، وخاصة ما يتعلق بماهية المصلحة الوطنية والأمن القومي. ولكن يزداد الخوف من تبعات ذلك وانعكساته على وحدة الصف الوطني وانتشار الفرقة من جديد بعد أن هدأت الأحوال بموجب اتفاق تقسيم السلطة، وهو الأمر الذي يجب أن تأخذه القيادة السودانية في الإعتبار خاصة وأن البلاد لا زالت تعيش في فترة انتقالية لاتحتمل أي هزات جديدة أو مواقف صادمة بدون تمهيد أو تشاور.