مستقبل التعاون التركي الصومالي
صفاء عزب
آخر تحديث: 3/02/2020
القاهرة- بحكم الموقع الجغرافي الإستراتيجي للصومال وسواحله الممتدة على البحر الأحمر والمطلة أيضا على المحيط الهندي، وما يمتلكه هذا البلد العريق من ثروات وكنوز مدفونة في أعماق أرضه، يسعى الكثير من دول العالم لتعميق علاقاتها بالصومال وزيادة أواصر التعاون الإقتصادي حرصا على الإستفادة من مقدرات هذا البلد القابع في منطقة القرن الإفريقي وتحقيق مكاسب كبرى وفقا لمصالحها التي تراها. ونتيجة لذلك يشهد الصومال تنافسا شديدا بين مختلف دول العالم والتسابق على إقامة المشروعات واستغلال الثروات وعلى رأسها الثروة النفطية، تلك النعمة التي أرسلها الله للصوماليين مكافأة لهم على سنوات الحروب والصراع والفقر والمجاعة، الأمر الذي يعد فاتحة خير للشعب الصومالي. وتعد تركيا من الدول التي تحرص على التواجد في منطقة القرن الإفريقي وخاصة الصومال لإيجاد موضع قدم لها لحماية مصالحها ومراقبة الأوضاع في تلك المنطقة الاستراتيجية في العالم، وربما كان ذلك هو الدافع وراء تصريحات رئيسها أردوغان التي أراد من خلالها الكشف عن وجود مباحثات غير معلنة بين الجانبين التركي والصومالي حول موضوع التنقيب عن النفط الصومالي في المياه الصومالية دون ذكر أي تفاصيل خاصة بالموضوع، الأمر الذي أثار شكوكا وعلامات استفهام حول خلفيات الخبر.
وكانت قناة “إن تي في” نقلت عن الرئيس أردوغان ما قاله بشأن دعوة الصومال لتركيا للتنقيب عن النفط وإشارته بأنه سيتخذ خطوات وفقا للدعوة الصومالية. وقد أثارت تصريحات أردوغان جدلا وتسببت في إحراج الحكومة الصومالية الفيدرالية، ما دفع عبد الرشيد محمد أحمد وزير البترول والمعادن بالحكومة إلى الإدلاء بتصريحات لإزالة الجدل ورفع الحرج عندما أشار إلى أنه من السابق لأوانه بدء عمليات تنقيب البترول، وأن هناك أعمالا مهمة يجب القيام بها قبل هذه الخطوة وذلك دون نفي وجود علاقات متينة تربط بلاده بتركيا. ولا شك أن التصريحات التركية تعكس اهتماما كبيرا بالإستثمار في الثروات الصومالية ومنها النفط خاصة بعد تصديق مجلس الشعب الصومالي في مايو الماضي على قانون البترول وزيادة الإهتمام الحكومي باستغلال الثروة النفطية، إلا أن المراقبين الصوماليين يخشون من أن يؤثر ذلك سلبيا على زيادة الأطماع الخارجية في الثروات الوطنية ويتسبب في أي تهديد للإستقرار والأمن في الصومال.
أثيرت مخاوف ومحاذير من الخلفيات الكامنة وراء التصريحات التركية خاصة في ظل الغموض المثار حول حقيقة دعوة الحكومة الصومالية للجانب التركي بالتنقيب عن النفط الصومالي، سيما وأنها تزامنت مع أحداث ساخنة تشهدها منطقة الشمال الإفريقي بسبب التدخل التركي في ليبيا مؤخرا وما أحدثه من تعميق للخلاف بين تركيا وبعض الدول العربية. كما أن توقيت التصريحات التركية بدعوة الصومال لتركيا للتنقيب عن النفط في مياهه، جاء متزامنا مع ظهور غيوم في سماء العلاقة الثنائية بين البلدين حيث شهدت الفترة الأخيرة بعض المواقف الخلافية التي تتعلق بالجرحى المصابين في انفجار إكس كونترول في ديسمبر الماضي والذين نقلوا للعلاج إلى تركيا وما تردد بشأن شكوى أهالي المصابين من إجبارهم على العودة لمقدشيو، في الوقت الذي أوضح فيه السفير الصومالي لدى تركيا جامع عبد الله عيديد أنه لا يوجد أي دور لسفارته في إعادة الجرحى، مشيرا إلى أن ذلك قرار اتخذته وزارة الصحة التركية استنادا إلى تقارير تلقتها من الاطباء الذين يقومون بمعالجة الجرحى. كما نشبت أزمة أخرى بين الطرفين بسبب اتهام وزارة الصحة في الحكومة الفيدرالية الصومالية لإحدى المستشفيات التركية في مقديشو بخرق القانون. وقالت الوزارة أنه لاتوجد أية اتفاقيات بينها وبين مستشفى “يارديميلي” التركي الذي يقدم خدمات صحية دون الحصول على موافقة، وهددت الوزارة باتخاذ إجراءات ضد من اخترقوا القانون الصومالي في هذه الواقعة.
لقد فسر بعض المحللين الأمر على أنه محاولة من تركيا لتعويض خسارتها في نفط البحر المتوسط بمكاسب جديدة من نفط المحيط الهندي، سيما وأن التصريحات التركية بخصوص النفط الصومالي جاءت في الوقت الذي توقع آخرون تراجعا للنشاط التركي بالصومال بعد تعرض مشروعات تركية لعمليات إرهابية متكررة في الفترة الأخيرة، وهو ما يثير التساؤل عن وضع الإستثمار التركي بالصومال ومستقبل هذا التعاون في ظل المعطيات الحالية.
وبينما كان العالم منشغلا بما ستسفر عنه المباحثات الدولية بشأن الأزمة في ليبيا وما يرتبط بها من صراعات إقليمية شمال البحر المتوسط نتيجة للدخول التركي المفاجئ على الخط ، فجر الرئيس التركي رجب طيب أردوغان مفاجأة جديدة عندما صرح للإعلاميين أثناء عودته من قمة ليبيا في برلين أن الصومال وجه الدعوة لتركيا للتنقيب عن النفط في مياهه، وقال إن بلاده ستتخذ خطوات تتناسب مع العرض الصومالي دون الإفصاح عن أية تفاصيل وهو ما يثير علامات استفهام مصحوبة بتعجب كبير عن مغزى هذا التصريح وخلفياته وهدف إعلانه في هذا الوقت بالذات، حيث يأتي عنصر المفاجأة في توقيت العرض والذي جاء بعد أسابيع قليلة من تعرض مجموعة من المهندسين الأتراك لانفجار عند نقطة تفتيش في مقديشيو راح ضحيته العشرات، وبعده بأسابيع قليلة تبعه تفجير آخر في منطقة أفغوي استهدف مقاولين أتراكا.
في ظل الرد الصومالي الرسمي الذي يدحض التصريحات التركية بخصوص عرض التنقيب عن النفط في المياه الصومالية، فإن الغموض يظل محيطا بملامح التعاون التركي الصومالي في الفترة الحالية مع بعض الغيوم نتيجة للخلافات السابق ذكرها.