احتفال كينيا بذكرى الإستقلال بين العثرات وطموح الإنجازات
صفاء عزب
آخر تحديث: 17/12/2019
القاهرة- عاشت كينيا مؤخرا أجواءَ احتفالية كبرى بمناسبة مرور الذكرى السادسة والخمسين لاستقلال البلاد، والتي شهدت فعاليات عديدة ومتنوعة تضمنت عروضا عسكرية وفنية بحضور رئيس الجمهورية أوهورو كينياتا. وتأتي احتفالات يوم الإستقلال هذا العام في الوقت الذي تمر كينيا فيه بمرحلة مهمة داخليا وخارجيا على كافة الأصعدة بما فيها السياسية والإقتصادية. حيث تجمع المرحلة الحالية في كينيا بين المعاناة من مشكلات وأزمات مزمنة وبين خطط ومشروعات كبرى يعول عليها الكينيون كثيرا في حل أزماتهم الطاحنة.
يتواكب الإحتفال بذكرى الإستقلال مع اتخاذ إجراءات أمنية عديدة لمحاربة أكبر خطر يتهدد البلاد وهو العمليات الإرهابية التي تكرر حدوثها في كينيا مؤخرا، حيث أعلنت كينيا عن افتتاحها لقاعدة جوية جديدة بمدينة غارسيا فى الإقليم الشمالى الشرقى، وذلك بهدف محاربة التنظيمات الإرهابية للبلاد المجاورة لها. وقد صرح أوهورو كينياتا بأن هذه القاعدة ستكون أكبر قاعدة عسكرية فى البلاد، وقد جاء الإعلان عنها بعد أسبوع من الهجوم الذى شنه المسلحون التابعون لحركة الشباب فى مدينة مانديرا بمناطق واجير على حافلة للركاب قُتل فيها 8 أشخاص.
كما تشهد كينيا بعض المشروعات الكبرى المهمة في الفترة الحالية منها بناء مدينة ذكية تكتمل خلال ثلاث سنوات وهي تعد مرحلة أولى من مدينة كونزا التقنية التي يطلق عليها أيضا وادي سليكون سافانا، ويتوقع لها أن تخلق أكثر من 20 ألف فرصة عمل عندما تشتغل بالكامل، وذلك بحسب ما أوردته وكالة شينخوا الصينية.
وهناك مشروعات كبرى أخرى تسهم في دفع حركة التنمية بكينيا منها مشروع تحلية مياه المحيط الهندي المالحة لتصبح عذبة صالحة للشرب، وذلك باستخدام الطاقة الشمسية لأول مرة في كينيا حيث من المتوقع أن ينتج المشروع ما يكفي احتياجات 35 ألف شخصا يوميا تمهيدا لحل مشكلة المياه النظيفة تماما خلال عقدين من الزمان، وهو مشروع جديد تقوم به منظمة «غيف باور» غير الحكومية في إحدى قرى الصيد الصغيرة والقريبة من المحيط الهندي. ومن المتوقع أن يسهم هذا المشروع في إنتاج 50 كيلووات من الكهرباء وإمداد اثنتين من مضخات المياه، لتحويل 75 ألف لتر من المياه المالحة إلى مياه عذبة كل يوم.
على جانب آخر تمر كينيا ببعض الأزمات المزمنة خاصة ما يتعلق بتمويل المشروعات العملاقة والذي تسبب الفساد في تعطل الكثير منها حيث يعد الفساد من أخطر الظواهر التي تهدد كينيا. وتعد الجرائم الإقتصادية من أسوأ مظاهر ونتائج ذلك الفساد، وقد أمر المدعي العام في كينيا مؤخرا باعتقال حاكم مقاطعة نيروبى وعدد من مسؤولى حكومة المقاطعة للإشتباه فى ارتكابهم جرائم اقتصادية، حيث صرح نور الدين حاجى، المدعى العام في كينيا، أن لديه أدلة كافية لإلقاء القبض على مايك مبوفى سونكو إضافة إلى عدد من رجال الأعمال متهمين أيضا بغسل أموال مرتبطة بجرائم سونكو.
كما أن النمط المتغير من المناخ يعرقل التنمية الإقتصادية هناك خاصة على النشاط الزراعي باعتباره يعتمد على الأمطار بشكل شبه كامل ومن ثم فإن أي تغيير يحدث بشكل مفاجئ في الطقس يسهم في وقوع خسائر اقتصادية كبيرة. وقد أعلنت كينيا مؤخرا عن تعرضها لموجة من الجفاف أدت إلى كبح نمو الإقتصاد الكيني خلال الربع الأول من هذا العام، ففي الوقت الذي يصنف الإقتصاد الكيني باعتباره ثالث أكبر اقتصاد إفريقي بجانب أنه من أسرع الإقتصادات الإفريقية نموا لما حققه من قفزات كبيرة خلال السنوات الأخيرة، إلا أن التغيرات المناخية السيئة تسببت في تراجعه مقارنة بنفس الفترة من العام الماضي وقال المكتب الوطني للإحصاءات الكينية، أن النمو الاقتصادي سجل انخفاضا من 6.5% في الربع الأول من العام الماضي إلى 5.6% في الربع الأول من العام الجاري. كما انخفض النمو في قطاع الزراعة والغابات والصيد البحري، الذي يساهم بنحو ثلث الناتج المحلي، إلى 5.3% مقارنة ب 7.5% في الربع الأول من 2018.
كما تعد مشكلة ارتفاع الدين العام من أهم المشكلات المثيرة لقلق المستثمرين سيما في ظل ضعف الأداء الحكومي في تحقيق الأهداف المتعلقة بزيادة مستويات الدخول وتحسين معيشة الشعب الكيني، وهو ما يستتبعه بعض الإضطرابات وأحداث العنف التي تؤثر سلبيا على حركة التنمية والإستثمار الأجنبي في البلاد.
تعتبر الكشوف البترولية بمثابة وسيلة الإنقاذ للإقتصاد الكيني من هذه الديون وهي كلمة السر لنقل الكينيين إلى مستقبل أكثر ازدهارا سيما بعد أن أعلنت كينيا عن تصدير أول دفعة من النفط الخام في تاريخها بكميات كبيرة وذلك بشمال غرب البلاد بما يؤهلها لمنافسة الدول البترولية الكبرى لما تمتلكه من خام بكر لم يستغل بعد، واحتياطي كبير تتسابق عليه مختلف دول العالم المستوردة للنفط. وكان اكتشاف النفط في مياه المحيط الهندي هو أحد أسباب اشتعال الخلاف بين كينيا وجارتها الصومال بسبب قضية النزاع الحدودي الشهيرة.
وعلى ذلك فإن كينيا تمر اليوم بمرحلة حافلة بالإنجازات والعثرات في نفس الوقت ويتوقف المستقبل على مدى تغلب الأول على الثاني من أجل مستقبل أفضل وهو أمر يظل مرتبطا بأداء الإدارة السياسية للبلاد والمضي قدما في مواجهة الفساد ومطاردته في كل مكان حتى يفسح الطريق لجهود العمل المخلصة نحو تحقيق مزيد من التقدم والإنتعاش للإقتصاد الكيني والحفاظ على ما حققه من مكاسب ومكتسبات مقارنة بباقي اقتصادات دول القارة السمراء.