هل تكون مهلة الـ 100 يوم هي الأخيرة لإحلال السلام في جنوب السودان؟!
صفاء عزب
آخر تحديث: 14/12/2019
القاهرة- بين الأمل والرجاء في نجاح مهلة المائة يوم في تحقيق السلام بين فرقاء جنوب السودان ، والحذر من مخاوف تكرار الخلافات والإنقسامات التي طالما تكررت كثيرا وأفشلت محادثات السلام السابقة، يترقب العالم ما ستسفر عنه مباحثات السلام الحالية ولقاءات الحكومة والمعارضة لبحث الأزمة المزمنة منذ استقلال الجنوب عن السودان الأم. يأتي ذلك بينما يمر شعب جنوب السودان بأحداث مأساوية نتيجة ما تسببت فيه موجات الجفاف والفيضانات مؤخرا من وقوع ضحايا ومشردين وتدمير للبيئة بمختلف أنواعها في مشهد يبدو كما لو كانت الظروف السيئة قد اجتمعت على هذا الشعب الفقير الذي يعاني كثيرا رغم ثرائه بالنفط وغيره من الموارد الإقتصادية، وهي المعاناة التي خلقها التناحر والصراع بين الحكومة والمعارضة ليتحول شركاء الأمس في دعاوي الإستقلال والإنفصال إلى فرقاء اليوم بسبب تنازعهم على السلطة.
في وقت انتشرت فيه مجاعات تهدد أكثر من خمسة ملايين نسمة بجنوب السودان، بدت تباشير العمل نحو المصالحة ولاحت في الأفق أجواء السلام مع الإجتماعات التي شهدها القصر الرئاسي في جوبا مؤخرا وجمعت بين رئيس دولة جنوب السودان، سلفاكير ميارديت وزعيم المعارضة في دولة الجنوب، رياك مشار، وذلك بوساطة سودانية وحضور النائب الأول لرئيس مجلس السيادة الانتقالي، الفريق أول محمد حمدان دقلو. وهو الإجتماع الذي نجم عنه التأكيد على التزام أطراف الصراع في جنوب السودان بإسراع وتيرة تنفيذ البنود العالقة في اتفاق السلام لسرعة كفالة تحقيق السلام للشعب. وقد صرح مارتن إيليا رئيس مجلس الوزراء بجنوب السودان أن ذلك الإجتماع كان مثمرا واستهدف إطلاع القادة في الحكومة والمعارضة على موقف تنفيذ الترتيبات الأمنية خلال فترة المائة يوم المتفق عليها. من جانبه علق رياك مشار زعيم المعارضة في الجنوب السوداني على ذلك الإجتماع بعبارات إيجابية وقال أن مواصلته الإجتماعات مع سيلفاكير كانت بهدف الإستماع لتقارير اللجان الفنية السياسية والعسكرية المشتركة بين الحكومة والمعارضة حول تنفيذ اتفاق السلام. وأشاد ممثل الطرف السوداني في الوساطة بالتزام الطرفين بتنفيذ بنود اتفاق وقف إطلاق النار، مؤكدا على دعم السودان وحرصه على إعادة الإستقرار لجارته الجنوبية.
يذكر أن فرقاء جنوب السودان كانوا قد وقعوا في سبتمبر عام 2018 اتفاق السلام النهائي بحضور رؤساء دول الإيجاد في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا، وتم تحديد مدة ثماني أشهر لإنجاز مهام وترتيبات أمنية وإدارية وفنية لعملية السلام وذلك تمهيدا لإعلان حكومة انتقالية بعد 36 شهرا لتقام بعدها انتخابات رئاسية وبرلمانية، إلا أن الشهور الثمانية مرت قبل الإنتهاء من تنفيذ تلك المهام. وفي مايو عام 2019 اتفق الطرفان مرة أخرى على تمديد الفترة لستة أشهر إضافية قبل أن يضاف إليها مائة يوم جديدة وهي الفترة المعروفة بمهلة المائة يوم، والتي بدأت بالثاني عشر من نوفمبر الماضي وفقا لما اتفق عليه في اجتماع عنتيبي في أوغندا. ويبقى التساؤل مثارا هل تتوج هذه المهلة بالسلام حقا أم تنتهي بمهلة جديدة؟!
إن المراقب للأوضاع على الساحة السياسية في جنوب السودان يستشعر بعض التفاؤل هذه المرة خاصة مع الحضور الأخير لرياك مشار لمفاوضات القصر الجمهوري بجوبا بوساطة سودانية وما عكسته التصريحات المتبادلة بين طرفي الصراع في أعقاب اجتماعهما. كما يبدو الإهتمام الإقليمي والدولي كبيرا هذه المرة مؤكدا على حرص الجميع على حل القضية وإحلال السلام بين أبناء الجنوب حتى ينعموا باستقلالهم الذي ما كادوا يحصلون عليه حتى وقعت الصراعات وأشعلت حربا أهلية قضت على الأخضر واليابس في البلاد. وفي هذا الإطار رحبت كل من الولايات المتحدة وبريطانيا والنروج، بالاجتماع السابق الذي تم في أوغندا بوصفه سبيلا لاستعادة الثقة في عملية السلام. كما حض الاتحاد الأوروبي الأطراف المتحاربة على إظهار “إرادة حقيقية لبناء السلام” ووضع مهل منطقية لحل المسائل العالقة. وطالب مجلس الأمن بالتطبيق الكامل لجميع بنود اتفاق السلام باعتباره السبيل الوحيد للإستقرار والتنمية، قبل أن يعبر عن خيبة أمله لإخفاق أطراف الإتفاق في جنوب السودان في اتخاذ الخطوات اللازمة لتشكيل حكومة انتقالية بحلول الموعد النهائي، الذي كان محددا في 12 من نوفمبر الماضي. وفي إطار تشديد الضغط على الفرقاء في جنوب السودان، أعلنت الولايات المتحدة الأمريكية موقفا صارما تجاه محاولات عرقلة اتفاق السلام وذلك باتخاذها قرارات حاسمة بفرض عقوبات ضد بعض الشخصيات السياسية المتهمة بجرائم قتل ضد ناشطين سياسيين بجنوب السودان، بالإضافة إلى فرض القيود على منح تأشيرات دخول لأي شخص يحاول الإضرار بعملية السلام في البلاد.
يأتي ذلك في الوقت الذي تشهد فيه البلاد أحداث عنف قبلية وعرقية من وقت لآخر تلتهم المزيد من الضحايا الذين تجاوز عددهم مئات الآلاف بخلاف المشردين والجرحى، وهو ما يجعل المخاوف مستمرة خاصة مع وجود خلاف مزمن حول قضيتين شائكتين لم يتم حلهما بعد وهما قضية عدد الولايات والترتيبات الأمنية والتي لا زالت محل جدل واسع، ولم يحدث فيهما التقدم المأمول الذي يمهد لسلام حقيقي على أرض الواقع.
ما أحوج شعب جنوب السودان إلى هذا السلام لتخفيف معاناته التي اجتمعت عليه بفعل الصراعات السياسية والكوارث الطبيعية. لقد أشارت الأمم المتحدة إلى أن اتساع فترة الهدنة بين الأطراف المتصارعة أتاح الفرصة لزيادة الإنتاج الزراعي وحرية تنقل أكبر ووصولا أفضل للمنظمات الانسانية ميدانيا، وهو الأمر الذي يجب على المجمتع الدولي ووسطاء السلام أن يؤكدوا عليه في جلسات الحوار المغلقة حتى يتدارك المتصارعون هذه الحقيقة ويجنبون المكاسب الشخصية لصالح الشعب الذي يدفع ثمنا فادحا في ذلك الصراع.