معاناة الإقتصاد السوداني وتمديد قرار الحظر!
صفاء عزب
آخر تحديث: 10/11/2019
القاهرة- في الوقت الذي يعاني فيه السودان من أزمات اقتصادية ومعاناة إجتماعية طاحنة بسبب تردي الأوضاع المعيشية، جاء قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بتمديد حالة الطوارئ واستمرار فرض الحظر على دولة السودان، ليعمق الجروح ويزيد الأزمات استحكاما، خاصة في ظل توابع ما يشهده السودان من أحداث وصراعات داخلية.
لقد سجل سعر الدولار في السودان أمام الجنيه، الجمعة الثامن من نوفمبر الجاري، في تعاملات البنوك، 45 جنيها للشراء، و45.2 جنيه للبيع بينما وصل سعر الدولار أمام الجنيه السوداني في شركات الصرافة إلى 76 جنيها للشراء و77 جنيها للبيع. وعلى الرغم من حالة الإستقرار النسبية في أسعار الجنيه السوداني في مواجهة العملات الأجنبية إلا أنها أسعار تعكس المعاناة الشديدة للإقتصاد السوداني والتي يعكسها الإنخفاض الحادث لقيمة العملة الرسمية للبلاد سيما بعد قيام الحكومة السودانية في أكتوبر 2018 بخفض قيمة عملتهم خفضا حادا. كما كشفت الأرقام عن زيادة معدلات التضخم بشكل كبير في السودان حيث سجلت المؤشرات قفز معدل التضخم من 40.3% في شهر سبتمبر الماضي إلى 57.70% في أكتوبر 2019. ووفقا لبيانات الجهاز المركزى للإحصاء السودانى فإن النصيب الأكبر لارتفاع نسبة التضخم كان لمجموعة الأغذية والمشروبات، وذلك بسبب زيادة أسعار الزيوت والألبان والخضروات، وتعريفة النقل.
ويعاني السودان من التضخم على مدار سنوات طويلة وهو ما كان سببا غير مباشر في إسقاط نظام البشير حيث أدى ارتفاع الأسعار المبالغ فيه وخاصة رغيف الخبز، وفرض القيود على السحوبات النقدية إلى إثارة الغضب الشعبي واتساع نطاق الإحتجاجات الشعبية وهي التي زلزلت عرش البشير الذي تشبث به على مدار ثلاثة عقود. وبعد سقوط نظام البشير يأمل السودانيون أن يسهم تغيير النظام السياسي إلى تغير النظرة الدولية للسودان وإنهاء الحظر والعقوبات المفروضة عليه لتمكين الإقتصاد السوداني من التطور والإنطلاق نحو آفاق التنمية الكبرى، إلا أن القرار الأمريكي الذي صدر أوائل شهر نوفمبر الجاري مؤكدا استمرار تمديد الحظر على السودان، يعد عثرة كبيرة وحكما على السودانيين باستمرار معاناتهم، سيما في ظل ارتفاع ديونهم لمستويات كبيرة بلغت عام 2016 وفقا لصندوق النقد الدولي ما يقرب من 52 مليار دولار، ولاشك أن هذا المبلغ ازداد كثيرا خلال السنوات الثلاثة التالية وصولا لعام 2019.
من أجل ذلك أعربت السفيرة أسماء محمد عبدالله، وزيرة خارجية السودان عن تطلعها لرفع اسم بلادها من قائمة الدول الراعية للإرهاب في أقرب فرصة، حتى يتسنى للحكومة تنفيذ برامجها، لا سيما ذات الصلة بالجوانب الاقتصادية. كما أكدت الوزيرة على أهمية النظر إلى التطورات الايجابية في البلاد، مضيفة أن الحكومة الحالية وشعب السودان لا علاقة لهم بالإرهاب، ويتحملون وزر أخطاء الحكومة السابقة.
يأتي ذلك في الوقت الذي أعلن فيه وزير المالية السودانى إبراهيم البدوى، أن بلاده تحتاج إلى ما يصل لـ 5 مليارات دولار دعما للميزانية لتفادى الإنهيار الإقتصادي والتمكن من تدشين إصلاحات بعد الإطاحة بالبشير، مشيرا في تصريحات صحفية إلى أن احتياطيات النقد الأجنبي بالسودان تكفي فقط لتمويل الواردات لعدة أسابيع. وأوضح البدوي أن بلاده تلقت بعض الدعم لواردات الوقود والقمح لكن نحو 65 بالمئة من شعبه البالغ تعدداه 44 مليون يعاني من الفقر ويحتاج إلى تمويل تنموي بقيمة تصل إلى ملياري دولار بينما يأمل أن تحصل بلاده على ملياري دولار من صناديق تنموية عرب، يأتي ذلك بينما كان السودان يتمتع بمساحة شاسعة من الأراضي الخصبة القريبة من نهر النيل والصالحة للإستثمار الزراعي والحيواني إضافة إلى نصيب وافر من البترول الذي ظل تحت سيادته حتى انفصل جنوبه عنه مستأثرا بالنصيب الأكبر من هذه الثروة بشكل يعمق المشاكل الإقتصادية ويعقد الأزمات في السودان.
بعد الثورة السودانية ارتفع سقف طموح السودانيين من مجرد العثور على رغيف الخبز بسعر مقبول إلى مزيد من الطموحات والأحلام التي يبغونها عوضا عن سنوات الفقر والتعاسة التي عاشوها خلال النظام السابق الذي أسقطوه.
من هذا المنطلق أعلن المسؤولون السودانيون عن خطة طموحة لتحقيق الآمال السودانية أو الإقتراب منها على الأقل ، وقد صرح وزير المالية عن خطة لإعادة هيكلة القطاع المصرفي وضبط الميزانية والأداء المالي ورفع الإيرادات لتشغل نسبة 20% من الناتج المحلي بدلا من 6%، كما كشف عن وجود مساع لاستعادة الأموال المهربة.
ومن المنتظر أن يتم تطبيق خطة لرفع مستويات الأجور وتعديل قوانين الخدمة المدنية، بجانب العمل على أن تعكس ميزانية 2020 الأولويات الأساسية المتعلقة بالتعليم والصحة والبنيات التحتية والجوانب المتصلة بأهداف التنمية المستدامة. وعلى الرغم من هذه الخطط المزمع تنفيذها إلا أن هناك حالة من القلق على مستقبل الإقتصاد السوداني بعد قرار الرئيس دونالد ترامب تمديد حالة الطواري الأميركية على بلادهم، رغم التحول الديمقراطي الذي تشهده البلاد، حيث يخشى السودانيون أن يؤدي ذلك إلى مزيد من التدهور في أوضاع السودان وذلك بسبب ارتباطه الوثيق بالعقوبات الأميركية التي تتكبد البلاد مشقتها منذ التسعينيات في القرن الماضي.
ولا شك أن تعافي الإقتصاد السوداني وتطويره يحتاج إلى شروط متعلقة بالداخل والخارج معا، فمن ناحية يستلزم داخليا توفير المناخ الملائم للتفرغ للعمل والإنتاج وهو ما يعني الحاجة إلى استعادة الإستقرار السياسي والهدوء الأمني في البلاد، ويتأتى ذلك بتعاون السودانيين بمن فيهم الفرقاء السياسيون من أجل مصلحة الوطن. وعلى الصعيد الخارجي يحتاج الإقتصاد السوداني لدعم الدول العربية والدعم الدولي عامة خاصة ما يتعلق بقضايا الديون المتضخمة التي أثقلت كاهل السودانيين عبر السنين. كما يحتاج النظام الإقتصادي السوداني إلى رفع الحظر الدولي المفروض على البلاد والذي يكبله ويقيد محاولات التوسع والإنطلاق.