هل يهدئ لقاء السيسي وأحمد من تصعيد أزمة سد النهضة بعد تصريحات رئيس الوزراء الإثيوبي التي أغضبت المصريين؟!
صفاء عزب
آخر تحديث: 26/10/2019
القاهرة- أثارت تصريحات رئيس الوزراء الإثيوبي بخصوص سد النهضة المنشورة مؤخرا،غضب المصريين شعبا وحكومة واشتعلت وسائل التواصل الإجتماعي بردود أفعال ساخنة ممن استفزتهم كلمات “أحمد” من المصريين وارتفعت نبرة الغضب لدرجة زيادة أصوات المطالبين باللجوء للخيار العسكري لمواجهة ما اعتبروه استفزازات إثيوبية وعدم مراعاة لمصالح الشعب المصري وحياته المرتبطة بنهر النيل. وهو ما يثير علامات استفهام حول مستقبل العلاقات المصرية الإثيوبية في ظل التصعيد الخطير الذي أثارته كلمات رئيس الوزراء الإثيوبي وتلويحه بالإستعداد للحرب والتفاخر بقدرته على حشد مليون جندي والرد على أي تهديد لسد النهضة بالقنابل، وهو ما جعل الخيار العسكري مطروحا بقوة في هذه الأزمة بشكل لم يسبق له مثيل خاصة بعد أن وصلت مفاوضات سد النهضة الأخيرة بين مصر والسودان وإثيوبيا إلى طريق مسدود نتيجة لرفض إثيوبيا الطلب المصري الخاص بتمديد فترة ملء وتشغيل السد حتى لا تنعكس سلبيا على الشعب المصري.
وكان رئيس الوزراء الإثيوبي أبي أحمد قد أدلى بتصريحات خلال جلسة استجواب بالبرلمان قائلا:” إذا كانت هناك حاجة إلى خوض حرب حول سد النهضة المتنازع عليه مع مصر فإن بلاده مستعدة لحشد مليون شخص”، وأضاف قائلا: ” يتحدث البعض عن استخدام القوة من جانب مصر. يجب أن نؤكد على أنه لا توجد قوة يمكنها منع إثيوبيا من بناء السد. إذا كانت ثمة حاجة لخوض حرب فيمكننا حشد الملايين. إذا تسنى للبعض إطلاق صاروخ، فيمكن لآخرين استخدام قنابل”، وهي التصريحات الصادمة التي عمدت وسائل الإعلام الإثيوبية نشرها على نطاق واسع وتداولتها مختلف وكالات الأنباء العالمية ومعها وسائل التواصل الإجتماعي.
وقد أعربت الخارجية المصرية عن صدمتها وأسفها الشديد بسبب هذه التصريحات “العدائية” وما تضمنته من إشارات سلبية وتلميحات غير مقبولة فيما يتعلق بملف سد النهضة. وقالت في ردودها على تصريحات “أحمد” (لم يكن من الملائم الخوض في أطروحات تنطوي على خيارات عسكرية، وهو الأمر الذي تتعجب له مصر بشدة باعتباره مخالفاً لنصوص ومبادئ وروح القانون الأساسي للاتحاد الإفريقي، خاصةً أن مصر لم تتناول هذه القضية في أي وقت إلا من خلال الاعتماد على أُطر التفاوض وفقاً لمبادئ القانون الدولي والشرعية الدولية ومبادئ العدالة والإنصاف).
جدير بالذكر أن العلاقات المصرية الإثيوبية قد شهدت مؤخرا توترا ملحوظا بعد أن بدت هادئة خلال الفترات السابقة سيما بعد زيارة أبي أحمد لمصر وتأكيده بأنه لن يتم الإضرار بأمنها المائي، إلا أن مفاوضات سد النهضة التي انعقدت فيما بعد على فترات، كشفت عن نيران مستعرة خلف هذا الهدوء بسبب اختلاف وجهات النظر المصرية والإثيوبية فيما يتعلق بقواعد وفترات ملء السد وتشغيله. فقد طالب الجانب المصري بألا تقل فترة ملء سد النهضة عن سبع سنوات وهي أقل مدة ممكنة لتحجيم خسائر مصر المؤكدة من جراء هذا السد وأخطرها التناقص الكبير في كميات المياه المتدفقة لأرضها عن نصيبها الحالي البالغ 55 مليار متر مكعب، وذلك لأنها بلد المصب بينما إثيوبيا هي بلد المنبع. وعلى الجانب الآخر قابلت إثيوبيا الطلب المصري بالتسويف وتضييع الوقت من خلال التأجيل المتكرر لمواعيد انعقاد المفاوضات وهو ما فسر بأنه هروب من مناقشة الطلب المصري ووسيلة لوضع المصريين أمام أمر واقع، ضاربين عرض الحائط بما يمكن أن يسببه سد النهضة من أضرار خاصة بمورد مائي يعد قضية حياة أو موت بالنسبة للمصريين، وذلك رغم محاولات الطمأنة التي تبثها إثيوبيا بالتأكيد على عدم رغبتها في الإضرار بمصر، وهو ما يتنافى مع تقارير الخبراء والمعنيين بهندسة السدود في العالم والتي تؤكد على مخاطر جسيمة تهدد حياة المصريين بسبب احتمالات تناقص حصتهم من نهر النيل لما يقرب النصف على حد بعض التقارير الهندسية.
وجاء الرد الإثيوبي على ذلك رافضا الطلب المصري واعتبره نوعا من التدخل في أمور لا تخصه واتهم مصر أنها تتبع “تكتيكا تخريبيا” في تلك المفاوضات. كما شددت الخارجية الإثيوبية على مواصلة اتباع نهج بعيد عن الإعتراف بأي معاهدة سابقة لتخصيص المياه. من جانبها ردت مصر مؤكدة على لجوئها لطلب الوساطة الدولية لطرف رابع وفقا لنص اتفاق المبادئ الموقع في الخرطوم في مارس 2015 وهو ما اعتبرته إثيوبيا أمرا سابقا لأوانه.
إلى ذلك جاءت تصريحات أبي أحمد أمام برلمانه الإثيوبي بمثابة حجر تم إلقاؤه في بركة هادئة فحولتها إلى بحيرة مشتعلة بالنار. فبمجرد أن ألمح بالتهديد بالحرب واستعداده لتجييش جنوده، تسابق المغردون والمدونون من مختلف أطياف الشعب المصري بتعليقات حازمة وشديدة وعنيفة أحيانا تعبيرا عن كم الغضب والإستفزاز الذي سببته تصريحات رئيس وزراء إثيوبيا. وتبارت تقارير إعلامية في عقد مقارنات بين الجيش المصري ونظيره الإثيوبي بكل ما يمتلكه من مقومات بشرية وأجهزة وأسلحة وبدت المقارنة في غير صالح الإثيوبيين سيما مع مسارعة إسرائيل بالتصريح بنفي مساندتها للطرف الإثيوبي بأسلحة متقدمة، ومؤكدة أنها تقف على مسافة واحدة من طرفي الأزمة.
وعلى صعيد آخر تناول فريق من المصريين القضية بشكل ساخر وأعربوا عن دهشتهم من تصريحات أبي أحمد الملوحة بالتهديد بالحرب، في الوقت الذي أعلن فيه فوزه بجائزة نوبل للسلام بكل ما يحمله الأمر من تناقض مثير لعلامات الإستفهام خاصة وأن أطرافا إريترية وجهات رسمية قد أعربت عن دهشتها أيضا لتجاهل الرئيس الإريتري أفورقي باعتباره شريكا في اتفاق السلام الذي حصل أبي أحمد بموجبه على جائزة السلام.
بعد أيام قليلة من تلك الأزمة التي خلقتها تصريحات رئيس الوزراء الإثيوبي التقى الأخير الرئيس المصري عبد الفتاح على هامش القمة الأفريقية الروسية في سوتشي يوم الرابع والعشرين من أكتوبر وجرى بينهما حوار وصفه أبي أحمد بالمفيد وأوضح أنه توصل مع الرئيس المصري إلى أن هناك رغبة شديدة بين المسئولين والشعبين للعمل فيما يفيدهم، ولكنه لم يفصح عن موقفه من أزمة السد وقال “نحن نؤمن بحقنا في الاستفادة، وسيستمر الخبراء للاتفاق على موعد ملء سد النهضة بما يفيد إثيوبيا ولا يضر بمصر”. وقد أشار “أحمد” إلى عدم اعتراض بلاده على لجوء مصر للوساطة لطرف دولي رابع لكنه اشترط أن يكون هذا التدخل سياسيًا وبعيدا عن النواحي الفنية.
لاشك أن القارة الإفريقية ليست بحاجة إلى مزيد من الحروب والأزمات الطاحنة، كما أن مصر وإثيوبيا بلدان ناهضان يسعيان لتحقيق التقدم والإزدهار لتعويض شعوبهما عن معاناة طويلة، وأن التلويح بأي تهديد متبادل سيحدث توترا خطيرا بالمنطقة ليست في حاجة إليه، ومن الأولى اللجوء لحلول تفاوضية عادلة والتعاون الإقليمي لمواجهة الأخطار المشتركة.