هل تزيل زيارة فرماجو لـ”غلمدغ” التوتر بين”أهل السنة” والحكومة الفيدرالية؟
صفاء عزب
آخر تحديث: 24/09/2019
القاهرة- بدت في الأفق حالة من التوافق والتقارب بين الحكومة الفيدرالية وتنظيم أهل السنة بعد زيارة الرئيس محمد عبد الله فرماجو التي قام بها مؤخرا لولاية غلمدغ والتقى خلالها زعماء تنظيم أهل السنة، في محاولة لاحتواء التوتر الناشب بين الطرفين على إثر خلافات طفت على سطح الأحداث في الفترة الأخيرة. وقد عكست تلك الزيارة روحا طيبة سادت أجواء اللقاء، الذي جمع الرئيس فرماجو مع معلم محمود شيخ حسن والشيخ محمد شاكر رئيس حكومة غلمدغ والشيخ عبد الرازق الأشعري، بالإضافة إلى لقائه مع قيادة قوات أهل السنة الذين تم دمجهم في القوات الحكومية، وكذلك التقى باللجنة المنظمة للمصالحة في الولاية. وأعرب كل طرف عن تقديره للآخر، حيث أشاد فرماجو بدور تنظيم أهل السنة في حماية غلمدغ، وثمن جهود لجنة تنظيم مؤتمر المصالحة لتجاوز العقبات بهدف الحفاظ على وحدة وتنمية البلاد، بينما تقدم زعماء أهل السنة بالشكر للرئيس فرماجو لمساعيه المبذوله لإنهاء الخلافات المثارة على الساحة.
جاء ذلك في أعقاب أزمة كبيرة نشبت بين الحكومة الفيدرالية وحكومة ولاية غلمدغ ممثلة برئيسها الشيخ محمد شاكر القيادي في تنظيم أهل السنة والجماعة الذي أعلن في نهاية شهر أغسطس الماضي عن انهيار اتفاقيتهم مع الحكومة الفيدرالية ردا على ما اعتبره تدخلا حكوميا لزعزعة الإستقرار في الولاية. وقام بإصدار بيان رسمي تضمن اتهاما للحكومة الصومالية بأنها التي اختارت غزو الولاية بقوات يقودها قيادات سابقة بحركة الشباب، وطالب البيان سكان غلمدغ بالدفاع عن أنفسهم والحفاظ على أمنهم، وتصاعد الخلاف إلى الدرجة التي طالب فيها زعماء تنظيم أهل السنة المجتمع الدولي بتحمل مسؤوليته في هذه الأزمة. وقد أدى تصعيد التوتر إلى سرعة تدخل شيوخ العشائر في دوسمريب عاصمة الولاية للتوسط لحل هذا الخلاف بين التنظيم والحكومة الفيدرالية ونزع فتيل الأزمة في الولاية.
جدير بالذكر أن تنظيم أهل السنة في الصومال يعد من أقوى التنظيمات الصوفية المعتدلة المتعاونة مع الحكومة الفيدرالية، وقد لعب دورا مهما في التصدي للتنظيمات الراديكالية العنيفة، وقد تم تأسيسه في عام 1991 لمواجهة التنظيمات المتشددة التي أخذت في الظهور آنذاك. وقد مر التنظيم بمراحل تاريخية متعددة شهدت تذبذبا في قوة الدور الذي كان يقوم به، لكن صعد نجمه من جديد في عام 2008 في الأقاليم الوسطى وبعض الأقاليم الجنوبية وخاض معارك ضد جماعة الشباب في إقليم غل غدود وسط الصومال، وتمكن من طرد مقاتليها من مدن مهمة من بينها دوسمريب عاصمة ولاية غلمدغ الحالية. وانضم “تنظيم أهل السنة” إلى الحكومة الانتقالية التي كان يتزعمها الرئيس الأسبق شريف شيخ أحمد وحصل على بعض الحقائب الوزارية كما ساهم في خروج البلاد من المرحلة الانتقالية حيث كان أحد الأطراف الست التي وقعت على خارطة الطريق لخروج الصومال من المرحلة الانتقالية عام 2012.
ظلت علاقات التنظيم مع حكومة الرئيس السابق حسن شيخ محمود الذي فاز برئاسة البلاد في سبتمبر 2012 متوترة، وفي عام 2015 وصلت الخلافات بين الطرفين إلى أقصى درجاتها الأمر الذي أدى إلى عدم مشاركة “أهل السنة” في نظام غلمدغ الذي أسسته حكومة حسن شيخ محمود مما ترتب عليه وجود نظامين إداريين في الولاية، أحدهما يترأسه عبد الكريم حسين جوليد ويحظى باعتراف الحكومة الفيدرالية والمجتمع الدولي والثاني خاص بتنظيم أهل السنة غير معترف به من قبل الحكومة الفيدرالبة والمجتمع الدولي. كما كان هناك مركزان للإدارتين هما “عدادو” التي كانت مقرا للحكومة الإقليمية المعترف بها رسميا، و”دوسمريب” التي كانت مركزا للتنظيم. وتحسنت العلاقة بين التنظيم والحكومة الفيدرالية بعد استقالة عبد الكريم جوليد رئيس ولاية غلمدغ السابق وتولي أحمد دعالي حاف رئاسة الولاية، حيث تم في ديسمبر 2017 إبرام اتفاقية جيبوتي للتصالح، مما ساهم في تحول تنظيم أهل السنة لدور الشريك الأساسي والقوي في حكم الولاية. ولكن هذا التحسن في العلاقات لم يدم إلا قليلا، فسرعان ما عادت الخلافات من جديد بين “دعالي حاف” وبين الحكومة الصومالية الإتحادية. وفي عام 2019 كان الإعلان عن إنتخابات جديدة في ولاية غلمدغ وضم القوات الخاصة بتنظيم أهل السنة للجيش الصومالي مقابل أن تقوم الحكومة الصومالية الفيدرالية بالحفاظ على استتباب الأمن في عاصمة الولاية.
خلال الأسبوع الأول من شهر يوليو الماضي سلّم تنظيم أهل السنة والجماعة قواته إلى الحكومة الصومالية الفيدرالية في حفل كبير بمدينة دوسمريب وسط الصومال، وذلك قبل أن تتوتر العلاقة ثانية نهاية أغسطس الماضي.
وما بين الظهور الأول لتنظيم أهل السنة والجماعة عام 1991 ولقاء الرئيس فرماجو لزعمائه في ولاية غلمدغ، كانت هناك مساهمات ومشاركات فعالة للتنظيم في السياسة بل والمعارك العسكرية ضد حركة الشباب التي منيت بهزيمة ساحقة من التنظيم في تلك المعارك. كما شارك مع قوات بعثة الإتحاد الإفريقي في حربها ضد حركة الشباب عام 2011 وخاض معارك عنيفة ضدها في إقليم جوبالاند وإقليم جنوب غرب الصومال وساعد على طردها من العاصمة الصومالية مقديشو.
بالنظر إلى تسلسل الأحداث عبر تاريخ تنظيم أهل السنة والجماعة يتبين أنه تنظيم قوي يتجاوز دوره الصوفي الدعوي، كما يمتلك قوة كبيرة وشعبية مهمة مكنته من التحرك للعب دور قومي في المشاركة مع القوات الصومالية الفيدرالية وبعثة الإتحاد الإفريقي في الحفاظ على أمن الوطن. لكن على صعيد آخر فإن هناك من يرى أن هذا التنظيم واجهة سياسية وأداة عسكرية يمكن استغلالها من قبل قوى إقليمية ودولية، وهو ما تنفيه بشدة قيادات تنظيم أهل السنة، إلا أن الحكومة الصومالية الفيدرالية قد تركن إلى هذا الرأي في بعض الأحيان وتجده مبررا قويا يمنحها غطاءً للتدخل في شؤون ولاية غلمدغ والعمل على تقليص دور التنظيم في الولاية، وهو ما يربط البعض بينه وبين قرار دمج قوات التنظيم في الجيش الصومالي.
لا شك أن العلاقة بين الحكومة الصومالية الفيدرالية و”أهل السنة” ترتبط ارتباطا وثيقا بقدر الشفافية والعدالة التي يتعاملان بها مع بعضهما البعض ومدى مراعاة المصالح الوطنية وتغليبها على المصالح الشخصية. وربما تبدو الصورة إيجابية بعد الخطوة التي اتخذها الرئيس فرماجو بزيارته لولاية غلمدغ ولقائه بزعماء أهل السنة، وذلك لما أدت إليه من بث أجواء التهدئة، ولكن يبقى استمرار هذه الحالة مرهونا بمصداقية الحكومة في تنفيذ وعودها لأهل السنة سواء ما يتعلق برواتب جنودهم الذين تم دمجهم في الجيش الصومالي، ومستحقاتهم المادية، أو ما يتعلق بإتاحة الدور الذي يطمح إليه التنظيم في إدارة الولاية وكذلك المشاركة في صنع مستقبل وطنهم.