إلى متى تستمر العلاقة الدافئة بين أسمرة والخرطوم؟!
صفاء عزب
آخر تحديث: 20/09/2019
القاهرة- تمر العلاقات السودانية الإريترية بمرحلة جديدة يسودها الدفء والإنسجام بعد فترة طويلة من التوتر وعدم التوافق اللذين سادا خلال حكم الرئيس السوداني السابق عمر البشير، وهو ما بدا واضحا خلال زيارة الرئيس الإريتري أسياس أفورقي مؤخرا لجمهورية السودان والحفاوة الكبيرة التي استقبل بها من قبل الحكومة السودانية برئاسة الفريق الركن عبد الفتاح البرهان باعتباره رئيس مجلس السيادة الإنتقالي الذي استقبله في مطار الخرطوم مع عدد من الوزراء والمسؤولين رفيعي المستوى في مشهد يعكس أجواءً طيبة بين البلدين وطي صفحة الخلافات بعد قطيعة امتدت لسنوات طويلة.
وكانت العلاقة بين إريتريا والسودان قد شهدت تذبذبا كبيرا منذ انفصال الأولى عن إثيوبيا عام 1993 وسادت أجواء التوتر والشك مما أدى إلى تبادل الإتهامات بين البلدين حيث اتهمت إريتريا الرئيس السابق البشير بدعمه لجماعات متشددة داخل إريتريا، وفي المقابل اعتبر السودان أن نظام أفورقي يدعم العمل المسلح للمعارضين السودانيين الأمر الذي أشعل الأجواء. ومع حلول عام 2005 تحولت العلاقة بين البلدين بشكل إيجابي في أعقاب توقيع جون جارانج زعيم الحركة الشعبية لتحرير السودان اتفاق السلام مع الخرطوم وتراجعت الخلافات قليلا آنذاك ثم تجددت في الشهور الأخيرة من فترة حكم البشير. وقد شهد عام 2018 توترا شديدا كاد ينذر بحرب خطيرة في المنطقة حينما أعلن الرئيس السوداني حالة الطوارئ في ولاية كسلا الحدودية مع إريتريا وفق مرسوم رسمي أصدره نهاية ديسمبر 2017 ثم تلاه إعلان سوداني لإغلاق المعابر الحدودية مع الجارة إريتريا عام 2018 . وتبع ذلك قيام إريتريا بإصدار بيان رسمي تتهم فيه السودان ودولا أخرى باستضافة مكتب للمعارضة الإريترية الإسلامية بشكل سري في منطقة معزولة بالسودان، ثم تم تصعيد الأحداث عام 2019 باتهام إريتريا للسودان بالمشاركة في تدبير مخطط تخريبي ضدها مما أدى إلى زيادة حدة التوتر.
ولم يعد لهذا التوتر أثر في ظل المشهد الجديد الذي جمع بين الرئيس الإريتري ورئيس المجلس السيادي الإنتقالي بالسودان حيث بددت حفاوة الإستقبال وحرارة اللقاء الملامح السابقة للتوتر والخلاف القديم، خاصة في ظل التصريحات الإيجابية بين الطرفين خلال اللقاء الأخير وتأكيدهما على وجود رغبة متبادلة ومشتركة بين البلدين على فتح صفحة جديدة والعمل على بناء جدار من الثقة والتعاون في مختلف المجالات الحياتية والحيوية.
وكانت إريتريا قد بادرت في شهر مايو الماضي بإرسال وزير خارجيتها عثمان صالح في زيارة للخرطوم عقب سقوط حكم البشير والإلتقاء بالفريق أول عبدالفتاح البرهان، وجاء ذلك تأكيدا على الإرتياح الإريتري للتغيير السياسي الحادث في السودان وقد صرح وزير الخارجية الإريتري وقتها أن تلك الزيارة الرسمية جاءت تعبيرا عن التضامن مع الثورة السودانية كما أشاد بدور المجلس العسكري الإنتقالي في الانحياز لمطالب الشعب. وتكررت زيارة وزير الخارجية الإريتري بعد أيام قليلة على الزيارة الأولى للمجلس العسكري بالسودان، وخلال أقل من شهر قام رئيس المجلس العسكري الإنتقالي بالسودان عبد الفتاح البرهان بزيارة إريتريا تلبية لدعوة من الرئيس أسياس أفورقي في إشارة إلى وجود تفاهمات مشتركة ساهمت في التقارب بين البلدين. وفي تلك الأثناء أعلنت إريتريا أن التغيير الحادث في السودان يفتح بابا واسعا لتطوير علاقات البلدين، ونتج عن ذلك اللقاء إعادة فتح الحدود المشتركة المغلقة لما يقرب من عام ونصف وتسهيل حركة مواطني البلدين. وجاءت تصريحات الجانب السوداني مرحبة ومثمنة لهذا التقارب مع الجارة إريتريا حيث وصف المجلس العسكري الإنتقالي بالسودان علاقاته مع إريتريا بالتاريخية، وأعرب عن شكره وتقديره للإهتمام الإريتري بقضايا السودان. ثم تكررت اللقاءات الرسمية المتبادلة بين مسؤولي الدولتين وتركزت حول مسار العلاقات الثنائية وتطويرها بجانب التطرق إلى ملف السلام في المنطقة والحركات المسلحة في السودان.
وتتويجا لتلك التطورات الحادثة في العلاقات الإريترية السودانية كانت الزيارة التاريخية التي قام بها الرئيس الإريتري أسياس أفورقي مؤخرا للسودان لأول مرة منذ عام 2014 وسط حفاوة سودانية بالغة. وهي زيارة تحمل العديد من المؤشرات الإيجابية وتلبية للدعوة التي قدمها البرهان لإريتريا خلال زيارته لها. وخلال أيام الزيارة الثلاث شهدت الخرطوم نشاطا مكثفا لأفورقي من خلال لقاءاته مع المسؤولين السودانيين بهدف دعم التعاون المشترك في مجالات السياسة والإقتصاد والأمن وكذلك النواحي الإجتماعية وهو ما أكده البيان المشترك الصادر في أعقاب الزيارة والذي وصفها بأنها ناجحة وكشف أيضا عن تكوين لجنة عليا مشتركة لتنفيذ الإتفاقات بين البلدين.
ولاشك أن هذا التقارب من شأنه أن ينعكس إيجابا على استباب الأمن والإستقرار في منطقة القرن الإفريقي سيما بعد مرور أحداث السودان وتجاوز إريتريا لمرحلة الخطر والخوف من توابع الثورة السودانية على الشعب الإريتري الذي يعاني كثيرا في ظل نظام أفورقي، كما أن مبادرة أفورقي لمد يد العون والتقرب للنظام السوداني الجديد يعكس إطمئنان قلبه إلى تراجع المخاوف المتعلقة بالتدخلات السودانية في الشؤون الداخلية الإريترية التي كانت مثارة في عهد نظام البشير. ومع ذلك لايمكن لإريتريا أن تطمئن وتهدأ بالا اعتمادها على تقاربها الشكلي مع الخرطوم فقط، بل ينبغي على أفورقي اتخاذ خطوات جادة لتحقيق تقدم سياسي واقتصادي ملموس لشعبه حتى لا تكون هناك مبررات للقيام بمحاولات مشابهة للثورة السودانية التي ستصبح القدوة والنموذج الأقرب للتقليد خاصة لو نجح السودانيون في المضي قدما لتحقيق ديمقراطيتهم المنشودة، لأنه سيصبح من الصعب على حكومة ديمقراطية في السودان أن تظل محتفظة بعلاقة دافئة مع جارة يحكمها نظام صارم وخانق للحريات السياسية.