ما سر زيارة أبي أحمد لإسرائيل في هذا التوقيت ؟
صفاء عزب
آخر تحديث: 11/09/2019
القاهرة- كشفت زيارة رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد لإسرائيل مؤخرا عن وجود أبعاد متشعبة للعلاقة القوية بين الدولة الإفريقية القابعة في القرن الإفريقي، وبين الكيان الإسرائيلي المحتل وعن استمرار التعاون الوطيد بينهما منذ موجات الهجرة التي بثتها إثيوبيا من يهود الفلاشا إلى الأراضي المحتلة، وأن هذه العلاقة لم تتأثر بأحداث العنف التي شهدتها إسرائيل منذ أسابيع بعد مقتل أحد الشباب اليهود من أصل إثيوبي على يد ضابط إسرائيلي متقاعد.
لقد صدم كثيرون ممن يعولون على رئيس وزراء إثيوبيا ذي الأصول المسلمة في توطيد علاقته بالدول العربية والإسلامية، بمشهد ارتدائه لغطاء الرأس اليهودي في إحدى جولاته داخل إسرائيل خلال زيارته الأخيرة، الأمر الذي أحدث غصة لدى البعض من جراء هذه الزيارة سيما وأنها جاءت متزامنة مع أعمال وحشية يرتكبها الإسرائيليون ضد الفلسطينيين واللبنانيين، وهو ما يثير تساؤلا ملحا عن السبب الذي دفع “أحمد” لزيارة إسرائيل في هذا التوقيت!!
عندما تولى الدكتور آبي أحمد رئاسة الوزراء في بلاده توسم الكثيرون في المنطقة العربية والإسلامية أن يحدث ذلك تغييرا جوهريا في السياسة الخارجية الإثيوبية خاصة ما يتعلق بمسألة التعاون مع الكيان الإسرائيلي، لكنها السياسة التي لا تعرف إلا لغة المصالح والمنافع المتبادلة التي تحرك دفة التوجهات السياسية وفق اعتباراتها بصرف النظر عن أية إعتبارات أخرى!
من هذا المنطلق دفعت مجموعة من الظروف التي تمر بها إثيوبيا في الداخل إلى تحرك آبي أحمد بحثا عن شركاء من خارج منطقة القرن الإفريقي بل ومن خارج القارة الإفريقية كلها، لاستكمال المشروعات القومية المعطلة وتحقيق الإنجازات الإقتصادية التي يطمح لإدراكها من أجل تحقيق المجد الذي يسعى إليه.
ترجع العلاقات الإثيوبية الإسرائيلية إلى عقود بعيدة في فترة الخمسينيات من القرن الماضي كما أنها تعد من أقدم العلاقات الديبلوماسية لإسرائيل مع دولة إفريقية منذ عام 1984 في عهد الرئيس مانجستو هيلي ماريام. وتطورت في عام 2004 حينما أعلنت إسرائيل عن نيتها في تطوير الصناعة والزراعة في إثيوبيا عن طريق استخدام التكنولوجيا الزراعية وأرسلت وفدا اقتصاديا من 22 شخصية اقتصادية كبرى لهذا الغرض. وفي عام 2014 تقدمت أكثر من مائتي شركة إسرائيلية للحصول على تراخيص تجارية للعمل في مجالات مختلفة في إثيوبيا. وفي عام 2016 زار نتنياهو رئيس وزراء إسرائيل العاصمة الإثيوبية ووقع مع رئيس الوزراء السابق هيلي ماريام ديسالين عدة اتفاقيات تتعلق بدعم التعاون في مجالات التكنولوجيا والزراعة، والسياحة، والتكنولوجيا، والاستثمار. كما دعمت إسرائيل وزير الخارجية الإثيوبي تيدروس أدهانوم المرشح لرئاسة منظمة الصحة العالمية وهو المنصب الذي فاز به عام 2017. وتسعى إسرائيل إلى زيادة حجم التبادل التجاري مع إثيوبيا حيث لا يتجاوز 70 مليون دولار في الفترة الحالية وكذلك حجم الإستثمار والذي لا يتجاوز 58 مليون دولار.
وقد مرت هذه العلاقة بمحطات هامة عبر مراحل تاريخية متتابعة، منها وقوف إسرائيل إلى جانب إثيوبيا إبان الحرب مع إرتريا، إضافة إلى تلك الفترات التي بعثت خلالها إثيوبيا بيهود الفلاشا إلى الأراضي العربية المحتلة للإنضمام إلى الكيان الصهيوني وذلك منذ عقد الثمانينات مرورا بعقد التسعينات من القرن الماضي والذي شهد وصول 14 ألف يهودي إثيوبي للأراضي العربية المحتلة في 36 ساعة، وصولا للعقد الأول في الألفية الثالثة والذي شهد تدفقا كبيرا من المهاجرين الإثيوبيين إلى إسرائيل. وقد أدى ذلك إلى تواجد إثيوبي كبير في المجتمع اليهودي الذي يشكل 1.7% منه حيث يقدر عددهم ب 140 ألف نسمة طبقا لبيانات مركز التعداد والإحصاء الإسرائيلي.
ومع ذلك يشكو الإثيوبيون من كافة أشكال المعاناة وخاصة العنصرية داخل المجتمع الإسرائيلي، وهو ما أكدته أحداث يوليو الماضي عندما قام إثيوبيون يهود بعمليات حرق وعنف انتقاما من سوء معاملة السلطات الإسرائيلية بعدما قام أحد الضباط بقتل شاب عمره 19 سنة وهو ما عرف في الصحافة الدولية ب”أزمة الفلاشا”.
جاءت هذه الحادثة بينما تمر إثيوبيا بظروف حرجة بسبب ما تشهده من أعمال احتجاجية وأحداث عنف من معارضي آبي أحمد وسط حالة من عدم الرضا الشعبي والتذمر بسبب عدم الإيفاء بالوعد الخاص بالإنتهاء من أعمال أهم مشروع قومي يلتف حوله الإثيوبيون وهو سد النهضة، وذلك نتيجة لأزمات تمويل ومشاكل فنية وسياسية تعرقل المشروع. وكان لإسرائيل دور خطير ومساعي كبيرة لتقديم كافة أوجه الدعم المطلوب للجانب الإثيوبي في هذا الصدد بما في ذلك الدعم اللوجيستي والمالي والفني وأيضا العسكري، وذلك بعد ما تردد عن وجود تعاون عسكري بين إثيوبيا وإسرائيل لتنفيذ أنظمة حمائية للسد ضد أي محاولة لاستهدافه.
من أجل ذلك كانت زيارة رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد للكيان الإسرائيلي مؤخرا، والتي جاءت بعد مرور ما يقرب من شهرين على “أزمة الفلاشا”، وقد تناولت تعزيز التعاون الثنائي في مجال المياه والزراعة والتكنولوجيا والتعليم والصحة وذلك بحسب بيانات رسمية للخارجية الإسرائيلية.
من ناحية أخرى لقيت زيارة “أحمد” ترحيبا إسرائيليا كبيرا لأهميتها في تحقيق أجندة إسرائيل المتعلقة بالعودة لإفريقيا وتعميق تواجدها في منطقة حيوية من القارة السمراء وهي منطقة القرن الإفريقي وهو ما اعترفت به إسرائيل في بياناتها الرسمية. وهناك التقى “أحمد” مع نتنياهو كما التقى الرئيس رؤوفين ريفلين الذي زار أديس أبابا العام الماضي، وعلى هامش هذه اللقاءات قام بزيارة متحف تخليد ذكرى المحرقة “ياد فاشيم” ومديرية الإنترنت الوطنية وظهر رئيس الوزراء الإثيوبي ذو الأصول المسلمة مرتديا “الطاقية” اليهودية خلال تلك الزيارة!
هناك من يرى أن زيارة آبي أحمد للكيان الإسرائيلي قد تأخرت كثيرا بالمقارنة مع مبادراته في زيارة العديد من دول الشرق الأوسط والتي شملت المملكة العربية السعودية والإمارات ومصر وقطر والسودان بجانب دول آسيوية وأوروبية، إلا أن المثير في هذه الزيارة هو تزامنها مع أحداث ساخنة تشهدها المنطقة خاصة في ظل الإعتداءات الإسرائيلية على عدة مناطق عربية. ولكن لا يمكن أن نفصل تلك الزيارة في ذلك التوقيت الحساس عن مفاوضات سد النهضة المزمع عقد إحدى جولاتها قريبا بين مصر والسودان وإثيوبيا. وبطبيعة الحال هناك مصالح مشتركة تجمع بين إسرائيل وإثيوبيا فيما تسفر عنه تلك المفاوضات مع الإهتمام الإسرائيلي بتحقيق حلم الإستفادة من مياه نهر النيل الذي يعد من أهم مخططاتها. ومن ثم فإن هذه الزيارة ربما تثير قلق القاهرة والخرطوم في ظل الدعم الإسرائيلي المعلن لمشروع السد وما يمكن أن تمثله تلك الزيارة من شبهة ضغط سياسي.
لاٍ شك أن أبي أحمد يتحرك وفق ما يتمتع به من شخصية براجماتية أهلته للصعود لمنصبه الرفيع كاسرا احتكار إحدى قوميات بلاده لهذا المنصب لسنوات طويلة، كما ساعدته على إدارة شؤون بلاده بتوازن ساعده على تجاوز عدة أزمات خطيرة ومحاولات انقلابية نجا منها بأعجوبة. ووفق هذه العقلية العملية كان تحرك رئيس الوزراء الإثيوبي نحو إسرائيل محققا عدة أهداف بخطوة واحدة أولها غلق ملف أزمة الفلاشا وسد الطريق على أي فرصة تعكر صفو العلاقة مع الحليف الإسرائيلي الذي يحتفظ معه بعلاقة تاريخية قوية وفق ثوابت راسخة في السياسة الخارجية الإثيوبية، لا تتغير بتغير المسؤولين.
وعلى الجانب الآخر ترى إسرائيل في هذا النمط البراجماتي فرصة ذهبية للتعمق في القارة الإفريقية والوقوف لمواجهة ما تراه من خطر إيراني يتهدد مصالحها في تلك المنطقة الحيوية، وهي محاولة أيضا لتطويق المنطقة العربية والسيطرة على المفاصل الجغرافية المهمة ذات الصلة بها. ويعد التعاون الأمني الذي يحرص الطرفان على تطويره من أهم وأخطر توابع هذه العلاقة على المنطقة، حيث ترى إثيوبيا في إسرائيل شريكا أمنيا ومصدرا للإستثمار، وهو ما جعل “أحمد” يقول: “أريد بث الروح فى علاقتنا الثنائية وفق المصالح المشتركة وتوجيهها نحو الشراكة الاستراتيجية”!! بينما تعتبر إسرائيل أن أبي أحمد أحد أهم القادة الأكثر تأثيرا في القارة السمراء وفق تصريحات نتنياهو حيث ترى في بلاده نقطة ارتكاز مهمة للتوغل في المناطق الحيوية بالقارة.