تجدد الإشتباكات القبلية في السودان
صفاء عزب
آخر تحديث: 29/08/2019
القاهرة- بعد شهور طويلة من الصراع والتظاهر والثورة على نظام البشير ثم استئناف الصراع من أجل حسم المعركة بين العسكريين والمدنيين في السودان، ولم يكد السودانيون يحتفلون بإتمام اتفاق تقسيم السلطة بين المدنيين والعسكريين وينعمون بقدر من الهدوء والإستقرار استعدادا لجني ثمار ثورتهم الشعبية، حتى استيقظوا على أحداث دامية شهدها السودان في جانبه الشرقي أصابت وأودت بحياة العشرات ما بين جريح وقتيل نتيجة لاشتعال معارك ساخنة ذات خلفية قبلية في منطقة بورتسودان على ساحل البحر الأحمر.
وكانت منطقة بورتسودان عاصمة ولاية البحر الأحمر شرق السودان قد شهدت أحداثا مؤسفة بسبب إحتدام الإشتباكات القبلية بين قبائل بني عامر والنوبة أدت لمقتل 16 سودانيا وفق بيانات رسمية للسلطات الإنتقالية في البلاد في بداية الأحداث ، في حين أعلنت لجنة الأطباء القريبة من موقع الأحداث أن حصيلة الإشتباكات في ثلاثة مستشفيات في بورتسودان هي : “126 جريحا و34 قتيلًا” في إحدى المؤسسات و”75 جريحا وثلاثة قتلى” في اثنتين أخريين. ونتيجة لهذه الأحداث تم فرض حالة الطوارئ وتفعيلها من جديد في ولاية البحر الأحمر لأول مرة بعد تشكيل المجلس السيادي. كما قرر مجلس السيادة في السودان إقالة والي البحر الأحمر اللواء الركن عصام الدين عبد الفراج ومدير جهاز الأمن بالولاية، وتعيين اللواء حافظ التاج واليا جديدا، إضافة إلى إرسال تعزيزات أمنية لاحتواء الأمر والسيطرة على مجريات الأمور هناك. وعلى جانب آخر وصل وفد من المجلس السيادي إلى منطقة الإحتجاجات وعقد اجتماعات مع السلطات العسكرية في المدينة للوقوف على تطورات الأحداث والعمل على تهدئة الأحوال وإيقاف العنف.
وعلى الرغم من خطورة الأحداث وضخامة الخسائر إلا أنه حتى الآن لم يعلن عن الأسباب الكامنة وراء اشتعال هذه الفتنة القبلية بين السودانيين. ووفقا لتقارير إعلامية سودانية شهدت مناطق الصراع أضرارا شملت إتلاف وحرق منازل وحوادث قتل داخل أحد المساجد بجانب الأعداد الكبيرة من القتلى والجرحى وحالة من الإحتقان الخطير بين سكان المناطق المتصارعة بينما لم تذكر الأسباب التفصيلية المسؤولة عن إشتعال هذه الأحداث بينما كان اللافت للنظر التقصير الأمني الداخلي وعدم إرتقاء تعامل المسؤولين لمستوى الخطر الحادث مع تطورات الصراع وهو ما كان مدعاة لعزل الوالي ومدير أمن ولاية البحر الأحمر. كما أثار ذلك احتجاجات نظمها حقوقيون ومنظمات مجتمع مدني مع بعض أبناء الولاية أمام القصر الجمهوري ومجلس الوزراء ودار تجمع المهنيين، رافعين شعارات (أنقذوا ولاية البحر الأحمر).
لم تكن تلك هي الأحداث الأولى من نوعها بالسودان خلال الفترة الأخيرة، وكانت تحدث تلك الإشتباكات القبلية غالبا في منطقة دارفور الغربية التي تمزقها الحروب وبعض المناطق الأخرى، وقد شهد السودان أحداثا مشابهة في شهر مايو الماضي عندما اشتعل قتال بين قبيلتين بولاية القضارف شرقي البلاد تسبب في مقتل سبعة أشخاص وإصابة 22 آخرین، كما تجاوز الخلاف القبلي حدود الولاية وامتد إلى مدينة بورتسودان خلال شهر مايو الماضي أيضا ليتجدد مرة أخرى في أواخر شهر أغسطس الجاري ويخلف عددا كبيرا من الضحايا ما بين جرحى وقتلى. إلا أن تجدد الخلاف هذه المرة كشف عن مخاطر جديدة تتعلق بتطور الصراع إلى درجة استخدام الأسلحة النارية في القتال
لا شك أن السودان يمر بمرحلة مفصلية ودقيقة في تاريخه تتطلب من الجميع التعامل مع الأحداث بحذر وروية كما تحتاج إلى تواجد أصحاب الحكمة والبصيرة ممن يخلصون في حبهم لبلادهم غير مدفوعين بأطماع شخصية أو مكاسب سياسية وإقتصادية وهو ما يؤكد أهمية الإسراع في حل أزمة بورتسودان وتطويق أسبابها لمنع انتشار شرارتها لمناطق أخرى في البلاد سيما وأن السودان يمر بظروف صعبة على كافة المستويات بما في ذلك الفيضانات التي تهدد حياة السودانيين بعدما أغرقت أراضيهم واكتسحت بيوتهم وتعمق مشاكلهم المزمنة التي كانت الشرارة الأولى لإشعال ثورتهم ضد البشير.