بعد مرور عام على اتفاق المصالحة: مستقبل السلام بين إريتريا وإثيوبيا
صفاء عزب
آخر تحديث: 30/07/2019
القاهرة- قبل إثني عشر شهرا لم يكن لأكثر الناس تفاؤلا أن يتوقع إتمام اتفاق المصالحة والسلام وعودة العلاقات بين إريتريا وإثيوبيا بعد تلك الزيارة التاريخية الشهيرة بمبادرة شجاعة من رئيس الوزراء الإثيوبي الجديد آنذاك أبي أحمد، والتي أعقبتها زيارة من الرئيس الإريتري أسياس أفورقي لدولة إثيوبيا وسط أجواء إحتفالية كبيرة وفرحة عارمة غمرت شعبي البلدين في ظل أحلام وطموحات عريضة بعد سنوات الحروب والمقاطعة التي امتدت لعقدين من الزمان وتسببت في خسائر كبيرة. وفي قمة السعادة باستعادة الرحلات الجوية وسبل الإتصالات المتبادلة والتفاؤل بمزيد من التطورات الإيجابية لشعبي البلدين خاصة ممن يعيشون في المنطقة الحدودية المشتركة، ظهرت بوادر سلبية للتراجع في العلاقات الثنائية من جديد، بدأت بغلق معبر زالامبيسا وباقي المعابر الحدودية بين البلدين وسط صمت غير مفهوم ومتزامن مع عدم حدوث تقدم في المجالات الإقتصادية وتباطوء في حركة التجارة المشتركة وهو ما أوحى بوجود فتور في روح السلام التي سادت في أعقاب اتفاق المصالحة وعلق عليها الجميع آمالا كثيرة لتحسين الوضع والتخلص من حالة اللاسلم واللا حرب بين الجارتين الإفريقيتين.
ففي مثل هذا الشهر – تحديدا في التاسع من شهر يوليو- من عام 2018 وقعت كل من إثيوبيا وإريتريا إعلان اتفاق المصالحة والصداقة لطي ما يقرب من عشرين عاما من الخصومة. وبموجب هذا الإتفاق كانت هناك خمسة ركائز لتفعيل المصالحة، حيث نص على إعلان نهاية الحرب بين البلدين، وتعزيز التعاون بينهما في شتى المجالات بما فيها السياسية والأمنية والإقتصادية، كما نص الإتفاق على استئناف العلاقات الدبلوماسية والإتصالات ورحلات النقل والتجارة، بجانب تنفيذ قرار ترسيم الحدود وترسيخ أسس التنمية والتعاون الإقليمي. وفي شهر سبتمبر 2018 افتتح أحمد وأفورقي الحدود المشتركة في منطقة زالامبيسا، كما تم افتتاح السفارة الإثيوبية في العاصمة الإريترية أسمرا. وبعد مرور عام على اتفاق السلام الإريتري الإثيوبي، تسود مشاعر القلق الشعبي والإقليمي من مخاطر التراجع وانطفاء وهج السلام في منطقة القرن الإفريقي خاصة في ظل تأثيره على دول المنطقة ودوره المهم في دعم مناخ السلام والإستقرار بالمشرق الإفريقي.
لقد كان من المفترض بموجب هذه الإتفاقية أن يتم تأسيس لجنة مشتركة رفيعة المستوى لمراقبة تنفيذ بنودها، إضافة إلى إنشاء مناطق اقتصادية خاصة مشتركة باعتبار أن التعاون الإقتصادي أحد المحركات الأساسية لتفعيل اتفاق السلام بين البلدين، إلا أن هذه الأمور لم تر النور بعد ولا زال هناك العديد من القضايا المشتركة ذات الصلة باتفاق السلام شبه متوقفة، الأمر الذي ساهم في انتشار الشائعة القوية حول وجود توتر في علاقة إريتريا وإثيوبيا وأن مؤشرات المصالحة بينهما ليست على ما يرام، ولا شك أن استمرار غلق المعابر الحدودية يعد أيضا من أهم المؤشرات المثيرة للقلق. وأصبح التساؤل الملح هو: هل تراجع السلام بين الجارتين في منطقة القرن الإفريقي؟
هناك من يرى مبررا لهذا التراجع ذا صلة بمعطيات الأحداث في البلدين بداية من التناقض والإختلاف السياسي بين النظامين الإثيوبي والإريتري، ومرورا بالأوضاع الإثنية المتشابكة لشعبي البلدين وتوابعها الخطيرة، ووصولا للأحداث العصيبة التي تكاد تعصف بالدكتور أبي أحمد في إثيوبيا وما يتعرض له من مخاطر ومحاولات انقلاب تهدد وجوده السياسي على الساحة ومن ثم تنذر أيضا بتهديد اتفاق السلام الذي يعد هو محركه الأساسي وطرفه الفعال الذي يسعى دائما لتنشيطه كلما أصابته حالة هبوط أو فتور. وتأكيدا على ذلك شهدت الفترة الأخيرة تحركات إثيوبية نشطة نحو الجانب الإريتري تزامنت مع ذكرى توقيع اتفاق المصالحة، حيث قام أبي أحمد بزيارة رسمية لإريتريا وصفها يماني جبر وزير الإعلام الإريتري بأنها جاءت في إطار تعميق عملية السلام الجارية والتعاون الشامل بين البلدين على أساس إعلان السلام والصداقة المشترك والموقع عليه في التاسع من يوليو 2018 في أسمرة. وهي زيارة تبدو محاولة لتبديد غيوم الشائعات التي تطارد اتفاق المصالحة والسلام، ويبدو ذلك من تصريحات الجانب الإثيوبي على لسان وزير الدولة بوزارة الخارجية “هيروت زمين” لطمأنة الرأي العام حول الإتفاقيات التجارية المشتركة والتأكيد أنها قيد الإعداد لضمان استفادة البلدين منها وأن كلا من إريتريا وإثيوبيا قد اتفقتا على إنشاء لجنة مشتركة للإشراف على مجموعة من الاتفاقيات الموقعة بما في ذلك الاتفاقية التجارية. وتم تصدير صور للإعلام للقائدين الإفريقيين وهما يتجولان معا في شوارع أسمرا كما تجولا بسيارة يقودها أبي أحمد وهي مشاهد جاءت لبث رسائل الطمأنة بأن الأمور على ما يرام وأن اتفاق السلام مستمر ولا مجال للتراجع عن بنوده ومرتكزاته.
بعيدا عن روح التفاؤل أو التشاؤم، يبقى مستقبل السلام الدافئ بين إريتريا وإثيوبيا مرهونا بعلاج العديد من المشكلات ومواجهة العراقيل المتجذرة عبر الزمن والتي يمكن أن تهدد اتفاق السلام. يأتي على رأس هذه العراقيل إشكالية شائكة تتعلق بدور لجنة الحدود لتعيين الحدود الرسمية بين البلدين ، كذلك ما يتعلق بالخلافات الإثنية والتشابكات العرقية بين شعبي البلدين، إضافة إلى تطوير التعاون الإقتصادي ودعمه بقرارات قوية وإجراءات فعالة متبادلة من كلا الطرفين لتيسير حركة التجارة البينية والإستفادة من المقدرات الإقتصادية لكلا البلدين بما يصب نحو تحقيق التكامل الإقتصادي في منطقة القرن الإفريقي وهو أمر يستلزم معالجة بعض الأمور المتعلقة بسوق الصرف وتبادل العملات وحركة تحويل الأموال وتنشيط وسائل التواصل والمواصلات وفتح المعابر حتى يتسنى للقائمين على هذه الأمور ممارسة أنشطتهم، ومن ثم بث الدفء في حالة السلام البارد التي لا زالت تشوب اتفاق المصالحة حتى الآن.