هل ينجح “توت قلواك” في توحيد الصفوف بين الفرقاء في جنوب السودان؟
صفاء عزب
آخر تحديث: 27/07/2019
القاهرة- بين توترات داخلية وصراعات سياسية وأزمات اقتصادية مرت الذكرى الثامنة لاستقلال وانفصال جنوب السودان عن السودان الأم خلال شهر يوليو الجاري، إلا أن الجنوبيين عجزوا للمرة الرابعة عن الإحتفال بذكرى الإستقلال بسبب ما تشهده البلاد من أزمات اقتصادية طاحنة نتيجة لما تمر به من أحداث عاصفة. على الرغم من توقيع أكثر من اتفاق سلام ومصالحة فيما بين الجنوبيين وبعضهم البعض إلا أن الصراعات العرقية لا زالت تلعب دورها في إشعال جذوة الإنقسام لينتهي به الأمر إلى الوضع الحالي الذي كشفت تقارير دولية وأممية عن خطورته من واقع حجم الخسائر التي تكبدها جنوب السودان على مدار السنوات الثمانية التي مرت على استقلاله عن السودان الكبير.
ففي أحدث تقرير صادر عن الأمم المتحدة خلال شهر يوليو 2019 كشفت الأرقام أن هناك أكثر من 100 ألف مدني في جنوب السودان تم قتلهم في السنة الأخيرة وأن هناك ما يزيد عن 400 ألف قتيل خلفتهم الحرب الأهلية التي دخلها الجنوبيون بعد عامين فقط من استقلالهم بجانب تشريد أكثر من أربعة ملايين شخص، أي نحو ثلث السكان. لقد غرق جنوب السودان في حرب أهلية اندلعت في ديسمبر 2013 عندما اتهم الرئيس سيلفا كير والذي ينتمي لقبائل الدينكا، نائبه السابق ورفيق مشوار الكفاح للحصول على الإستقلال رياك مشار المنتمي لقبائل النوير، بتدبير انقلاب ضده.
تأتي الذكرى الثامنة وسط أجواء سياسية ملبدة بغيوم التوتر ما بين تقييد للحريات واعتقال للصحفيين وقتال ونزاع ساخن بين أنصار كير وأنصار مشار، كما يتواكب ذلك مع أزمات اقتصادية طاحنة تعصف بالبلاد وهو ما أكدته تصريحات مايكل مكوي لويث، وزير الاعلام والمتحدث الرسمي باسم الحكومة بخصوص إلغاء الإحتفال الرسمي بأعياد الإستقلال هذا العام ، حيث قال إن البلاد لا تريد أن تخسر المزيد من الأموال في ظل الأوضاع الإقتصادية الصعبة التي تمر بها. ولا شك أن هذه الأزمة الإقتصادية تزداد استحكاما مع قرار حكومة جنوب السودان بتعليق جميع عقود البيع المسبق للنفط والذي صدر نهاية يونيو الماضي بهدف تعزيز المنافسة ودفع الأسعار للإرتفاع. ويذكر أن النفط يعد المصدر الأساسي والأكبر لإيرادات جنوب السودان ومن ثم فإن أي توقف عن إنتاجه يعني غلقا لأهم مورد مالي للجنوبيين.
عندما رغب أبناء جنوب السودان في انفصالهم واستقلالهم كانت هناك آمال كبيرة وعريضة تراودهم عن ثرواتهم الطبيعية وارتفاع مستوى معيشتهم وتحسن ظروفهم الحياتية والسياسية سيما مع اسئتثار أراضيهم بالجزء الأكبر من النفط في البلاد، وهو ما جمع الفرقاء من أبناء القبائل والعرقيات المختلفة ووحد صفوفهم تحت مظلة هدف واحد وهو الإنفصال. لكن الإنفصال تم وتبددت معه كل تلك الآمال والأحلام بعد أن عادت الفرقة وأجواء الإنقسام تسيطر من جديد بين أبناء الجنوب أنفسهم وبعضهم البعض إلى الدرجة التي دفعت السودان الأم للتدخل لتهدئة الأجواء والدفع نحو المصالحة بين كير ومشار، إلا أن حدوث ثورة السودان وعزل الرئيس البشير ودخول البلاد في حالة من عدم الإستقرار وأحداث عنف يهدد بنسف دور الوساطة للسودان في هذا الإتفاق – مع أوغندا- سيما مع تعليق عضوية السودان في المنظمة الإفريقية بسبب تداعيات عزل البشير وخلاف الثوريين مع المجلس العسكري القائم بأعمال البلاد وتأثير ذلك على تحركاته بالقارة السمراء انعكس سلبا على إتمام جهود المصالحة.
وكان الفرقاء في جنوب السودان قد وقعوا اتفاقا نهائيا للسلام في سبتمبر من عام 2018 في أديس أبابا الإثيوبية، وتضمن الاتفاق فترة تمهيدية للفترة الإنتقالية مدتها 8 أشهر لإنجاز بعض متطلبات عملية السلام من بعض المهام والترتيبات الأمنية والإدارية والفنية، والتي كان من المقرر أن تنتهي بإعلان حكومة انتقالية لمدة ثلاث سنوات يعقبها إجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية. إلا أن توت قلواك رئيس لجنة إدارة تلك الفترة أكد أن ما يتبقى من انتهاء الفترة التمهيدية ليس كافيا لإتمام كافة متطلبات اتفاقية السلام. وطالب قلواك بضرورة الإسراع في تشكيل الحكومة الإنتقالية في نوفمبر المقبل إضافة إلى مطالبته قادة الوحدات العسكرية سواء الحكومية أو المعارضة بسرعة إرسال قواتهم إلى مراكز التدريب المتفق عليها تمهيدا لتأسيس جيش جنوبي موحد وهي الخطوة المهمة لرأب الصدع بين الفرقاء وتوحيد الصفوف.
لم تكن تلك المحطة الأولى في طريق البحث عن السلام حيث سبقتها عدة محطات على مدار السنوات الماضية منذ توقيع الإتفاق الأول للسلام في شهر أغسطس من العام 2015 والذي انهار مع تجدد العنف في جوبا في يوليو 2016. ويبقى السؤال مثارا هل يكون اتفاق سبتمبر 2018 هو آخر اتفاق نحو السلام الحقيقي في جنوب السودان أم يؤول مصيره إلى ما سبق من اتفاقات!
لاشك أن الإجابة عن السؤال تتوقف على طبيعة المشكلات التي يمكن أن تعرقل الإتفاق وإمكانية التغلب عليها واحتمالات تصعيدها إضافة إلى فعالية الإتفاق نفسه في إدارة الأزمة ونزع الخلاف. وهناك من يرى أنه مجرد اتفاق مسكن يعالج توابع الصراع ولا يستأصل المرض من جذوره باستئصال أسبابه. وبالنظر إلى معطيات الواقع في جنوب السودان نجد أن المشكلة الأساسية تكمن في عدم وجود ثقة كافية بين أطراف الصراع مما يؤدي إلى عدم الإستجابة لقرارات حظر التسلح ومن ثم استمرار العنف والقتال. كما أن تأجيل حسم العديد من محاور الخلاف في البلاد يؤدي إلى تأجيج مشاعر القلق والتوتر في ظل عدم وجود ثقة متبادلة وانقسامات عرقية حادة، فلم تحل معضلة نزع السلاح، ولا أزمة الحدود بين الولايات بعد أن قرر كير زيادة عددها، وكذلك أزمة تشكيل حكومة وطنية وما يرتبط بها من ترتيبات فنية وإدارية وأمنية.
وتزداد الأزمة استحكاما مع ضعف الإمكانيات المادية في ظل الظروف الإقتصادية الصعبة التي تمر بها البلاد وذلك على الرغم مما يتمتع به جنوب السودان من ثروة نفطية كبيرة يحسده عليها أبناء الشمال.
ولكي ينجح الإتفاق ويعبر الشعب إلى بر السلام والتهدئة لا بد من استمرار الدعم الدولي والرعاية الأممية لهذا الإتفاق حتي يمكن الضغط على أطراف الصراع للإلتزام بشروط السلام ومن دون الرعاية والدعم الدوليين يصعب تحقيق السلام في جنوب السودان.