هل تتغير العلاقات السودانية الإريترية بعد غياب البشير؟
صفاء عزب
آخر تحديث: 26/05/2019
القاهرة- تلوح في الأفق مؤشرات لاستعادة العلاقات الإريترية السودانية حالتها الطبيعية بعد فترة من التوترات وتبادل الإتهامات التي شهدتها تلك العلاقات أثناء نظام البشير، حيث يبدو انقشاع سحب الخلافات لإفساح الطريق لأجواء التقارب وتبادل الإتصالات بين نظام أفورقي في أسمرة والمجلس العسكري القائم بإدارة شؤون السودان بعد سقوط نظام البشير. وهو ما يثير التساؤلات عن مستقبل علاقة الخرطوم وأسمرة ومدى إمكانية طي خلافات الماضي وفتح صفحة جديدة سيما بعد زوال رأس النظام السوداني الذي كان محل اتهام من أسمرة بالتدخل في الشؤون الداخلية للبلاد.
بعد قطيعة غير قصيرة بين إريتريا والسودان، تقترب من عام ونصف كانت زيارة عثمان صالح وزير الخارجية الإريتري مؤخرا كأول زيارة رسمية للخرطوم بمثابة الإعلان عن بدء صفحة جديدة في العلاقات وطي صفحة الخلافات القديمة. وبدا اللقاء ودودا بين المسؤول الإريتري ورئيس المجلس العسكري الانتقالي بالسودان الفريق أول عبدالفتاح البرهان وذلك في القصر الرئاسي بالخرطوم. وهو ما أكدته تصريحاته على هامش زيارته والتي وصفها بأنها مثمرة وتناولت العلاقات الثنائية بين البلدين، كما أبدى ارتياحا بعملية التغيير التي حدثت في السودان وأعرب عن أمله في أن تسهم في توطيد العلاقة بين الشعبين وتحقيق مصالحهما المشتركة. وأوضح وزير الخارجية الإرتري أن الزيارة الرسمية جاءت تعبيرا عن التضامن مع الثورة السودانية مشيداً بدور المجلس العسكري الإنتقالي في الانحياز لمطالب الشعب. ولاشك أنها تصريحات إيجابية تجاه السودان خاصة وأنها تصدر من دولة كانت بالأمس خصما سياسيا، وهو ما يعكس وجود “تفاهم” مشترك بين الخرطوم وأسمرة في الفترة الحالية.
ومن ناحية أخرى عكس الاستقبال السوداني للمسؤول الإريتري حفاوة وترحيبا كبيرا، حيث كان في استقباله رئيس المجلس العسكري الإنتقالي. وهو ما أكدته تصريحات نائب رئيس المجلس العسكري الانتقالي الفريق أول محمد حمدان دقلو والتي أعرب فيها عن تقديره وتأكيده لأهمية التعاون المشترك بين السودان وإريتريا وعبر عن شكره للقيادة الإرترية وجهود الرئيس أفورقي وإهتمامه بقضايا السودان على حد قوله.
لقد مرت العلاقة بين البلدين بمحطات كثيرة ومتباينة ما بين التقارب والتواصل وبين الخصومة والقطيعة، منذ انفصال اريتريا عن إثيوبيا عام 1993. وكانت بداية التوتر مع اتهام الرئيس الإريتري للخرطوم بدعم جماعات متشددة في بلاده، وفي المقابل اعتبر السودان أن إريتريا كانت نقطة انطلاق العمل المسلح للمعارضين السودانيين عام 1994. وعندما وقع جون قرنق زعيم الحركة الشعبية لتحرير السودان اتفاق السلام مع الخرطوم عام 2005 هدأ التوتر بين السودان وإريتريا واستمرت العلاقة طيبة بينهما حتى عادت الخلافات من جديد في الفترة الأخيرة قبيل عزل البشير لا سيما مع الإعلان عن المصالحة التاريخية بين الجارتين إريتريا وإثيوبيا حيث اتهمت الأولى دولة السودان بشروعها في تعكير صفو هذه المصالحة بينما أنكر المسؤولون السودانيون ذلك وأكدوا على دعم الخرطوم لخطوات السلام في المنطقة. وقد بلغ التوتر ذروته في بدايات عام 2018 حينما كادت طبول الحرب أن تدق بين السودان واريتريا مع إعلان الأولى إغلاق المعابر الحدودية مع جارتها إريتريا، سبقه قيام الرئيس السوداني المعزول عمر البشير بإعلان الطوارئ في ولاية كسلا الحدودية مع إريتريا وفق مرسوم رسمي أصدره نهاية ديسمبر 2017. وفي مارس 2018 أصدرت وزارة الإعلام الإريترية بيانا اتهمت فيه دولا منها السودان باستضافته مكتب للمعارضة الإريترية الإسلامية بشكل سري في منطقة معزولة بالسودان. وعادت إريتريا تكرر اتهامها للسودان عام 2019 بالمشاركة في تدبير مخطط تخريبي ضدها، ولم تفلح محاولات إنكار البشير ونفيه لهذه التهمة في إزالة التوتر المشتعل آنذاك.
مع تبدل الأحوال وتسارع الأحداث في السودان واختفاء البشير من المشهد السياسي تبدو احتمالات التقارب والتوافق أكبر بين إريتريا والسودان وإن كان ذلك في المدى القريب أما المدى البعيد فاحتمالاته تتوقف على ملامح نظام الحكم في السودان وما سوف تؤول إليه ثورة السودانيين!
تبدو الصورة حاليا بأن اختفاء البشير عن الساحة أدى إلى توقف أسباب الخلاف بين السودان وإريتريا باعتباره رمزا لنظام سياسي كان يراه أفورقي رمزا للأصولية المتشددة التي يعارضها بقوة. وبحكم أن البشير كان خصما لشعبه وللنظام الإريتري في الفترة الأخيرة فإن الارتياح لغيابه أصبح موقفا مشتركا بين البلدين بعد أن قام السودانيون بثورتهم ضده. ولكن استمرار الدفء في العلاقات والتقارب الثنائي يتوقف بشكل كبير على طبيعة النظام الذي ستفرزه ثورة السودانيين وما ستسفر عنه مفاوضاتهم مع مجلسهم العسكري الإنتقالي. بمعنى أنه إذا نجح المجلس العسكري بتكوينه الحالي في السيطرة على مقاليد الحكم في البلاد بشكل أو بآخر فمن المتوقع أن تستمر العلاقة الطبيعية بين السودان وإريتريا وفق التفاهمات المشتركة. وإذا ما استمسك السودانيون بطلباتهم الثورية وأقيمت انتخابات ديمقراطية نزيهة بالسودان وتولى رئيس مدني الحكم، فقد تتغير التوجهات وتختلف الأهداف ومن ثم تظهر الخلافات بين النظامين السوداني والإريتري خاصة في ظل معاناة الأخير من مشكلات كثيرة متعلقة بالحريات والحقوق السياسية يخشى فيها من انتقال العدوى الثورية إليها.