الحراك السياسي في الصومال والرئيس المنتظر
صفاء عزب
آخر تحديث: 1/05/2019
القاهرة- تشهد الساحة الصومالية حراكا سياسيا واضحا خلال الفترة الأخيرة يصاحبه نشاط سياسي ملحوظ ولقاءات علنية وإعلامية لزعماء وساسة ورؤساء أحزاب من كافة الأطياف السياسية. وتبدو الصورة كما لو كان الغضب وعدم الرضاء العام عن الأداء السياسي للرئيس الحالي محمد عبد الله فرماجو وحكومته هو الدافع وراء هذا الزخم وكلمة السر التي قربت بين قوى المعارضة وجمعت مختلف الخصوم السياسيين بهدف الدفاع عن مصالح الوطن.
شهدت الفترة الأخيرة عددا من الإجتماعات التي عقدتها قوى حزبية كبرى وقامات سياسية شهيرة كان على رأسها رئيسا الصومال السابقان اللذان جمع بينهما انتقاد سلبيات النظام الحالي وتوجيه الدعوة لرموزه نحو مزيد من التسامح مع المعارضة والمطالبة بعدم التعامل معهم كأعداء وإنما كأبناء وطن واحد حتى وإن اختلفت الرؤى والتوجهات.
ومنذ الإعلان عن تأسيس حزب “هيلميو قرن” السياسي الجديد الذي يتزعمه الرئيس الصومالي السابق شريف شيخ أحمد تشهد مقديشيو حالة من الزخم السياسي والحراك الملحوظ بعد فترة من الركود السياسي النسبي خيمت على الأجواء في أعقاب تولي الرئيس فرماجو السلطة، وتسارعت وتيرة تطورات الأحداث مع عودة رئيسي الصومال السابقين حسن شيخ محمود وشريف شيخ أحمد للبلاد. ولا شك أن اجتماعا يضم رئيسين سابقين ورئيسي برلمان سابقين أيضا هما محمد شيخ عثمان جواري والشيخ آدم محمد نور مع كوكبة من زعماء المعارضة في حفل كبير شهدته العاصمة الصومالية بمناسبة تدشين حزب “هيلميو قرن” الجديد، هو مشهد يدعو للتأمل. ولا يمكن فصل هذا المشهد عن أوضاع الصومال ومشاكله الأمنية وتعكر العلاقات بين الحكومة الفيدرالية والولايات الإقليمية ومعاناة الشعب من بعض سلبيات النظام الحالي، كما يثير علامات استفهام حول مصير نظام فرماجو والمستقبل السياسي الذي ينتظر البلاد عند حلول موسم الإنتخابات في ظل هذا الزخم.
يعد الصومال من الدول الإفريقية التي ضربت نموذجا طيبا يحتذى به بين شعوب المنطقة في خوض مسيرة الديمقراطية والتداول السلمي للسلطة بصورة حضارية، عبر عدة انتخابات رئاسية كان آخرها انتخابات 2017 التي جاءت بالرئيس الحالي للصومال محمد فرماجو. وبصرف النظر عن الإنتقادات التي يوجهها المعارضون للنظام الصومالي الحالي، إلا أن الشعب الصومالي استطاع تحقيق مكاسب سياسية من خلال تجربته للعملية الديمقراطية على أرض الواقع وحتى وإن كانت تجربة وليدة تشوبها بعض الشوائب وتعكر صفوها حالات الإنقسام والتشرذم فيما بين حكومات الأقاليم والحكومة الإتحادية، لكنها تبقى تجربة جديرة بالإحترم والحرص على حماية استمرارها وتطورها. من أجل الحفاظ على هذه المكاسب الممثلة في التأسيس لمسار ديمقراطي قابل للتصحيح والتطوير في المستقبل يبدو المشهد السياسي الحالي في الصومال حافلا بالأنشطة والتحركات السياسية التي لم تقتصر على الصعيد الداخلي وإنما تجاوزت الحدود لبعض دول الجوار، حيث شهدت العاصمة الكينية نيروبي لقاءات تمت بين بعض قوى المعارضة، كما شهدت العاصمة الأوغندية كمبالا لقاء سابقا بين الرئيسين الصوماليين السابقين شريف شيخ أحمد وحسن شيخ محمود. ودخلت على الخط أطراف دولية شملت الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا والسويد والنرويج والمملكة السعودية وغيرها حيث اجتمع سفراء هذه الدول مع بعض الزعماء السياسيين والمسؤولين الصوماليين داخل وخارج البلاد.
على جانب آخر اتسعت دائرة نشاط بعض الشخصيات السياسية المحسوبة على المعارضة وتجاوزت نطاق التصريحات الإعلامية إلى الممارسات الفعلية، وهو ما بدا في التحركات الأخيرة النشيطة للرئيس الصومالي السابق شريف شيخ أحمد وتواصله مع رئيسي مجلس الشيوخ والشعب للبرلمان الفيدرالي الصومالي عبدي حاشي عبد الله، ومحمد مرسل شيخ عبد الرحمن، وذلك في محاولة منه للتوسط لحل الخلافات بين غرفتي البرلمان الفيدرالي الصومالي. كما التقى شيخ أحمد بعد عودته للصومال مؤخرا السفير الأمريكي دونالد يماموتو، وليس من قبيل الصدفة أن يتزامن هذا النشاط للرئيس الصومالي الأسبق مع تأسيسه ورئاسته لحزب ” هيميلو قرن” الجديد، بعد فترة من الكمون السياسي منذ خروجه من السلطة بهدوء، وهي تبدو مؤشرات قوية على استعداد وتأهل خاص لخوض معركة انتخابية بعد انتهاء ولاية الحكومة الفيدرالية الحالية.
يأتي ذلك في الوقت الذي تشهد فيه البلاد حالة من الغليان الكامن والغضب المكتوم الذي يشبه النار تحت الرماد، حيث يشتعل من وقت لآخر كلما هبت رياح عاصفة نتيجة لأحداث أمنية أومشكلات مزمنة خانقة في ظل توجيه اتهامات لنظام الرئيس فرماجو بالفشل في إدارة الأزمات. ومن ثم أصبح النظام الحالي على المحك ليواجه اختبارا صعبا في الإنتخابات الرئاسية المقبلة والتي من المتوقع أن يصطدم فيها بمنافسة شرسة من خصوم سياسيين لديهم رصيد أكبر من الجماهير والإحتفاظ بعلاقات طيبة مع مختلف القوى السياسية في الصومال… فهل يفعلها شريف شيخ أحمد وينجح في التأهل لرئاسة الصومال للمرة الثانية في انتخابات 2020؟! هذا ما ستسفر عنه الفترة المقبلة.