مظاهر الفساد في الحكومة الصومالية
الصومال الجديد
آخر تحديث: 19/04/2019
يعتبر الفساد أحد أبرز العوامل المساهمة في تخلف الدول عن تحقيق التقدم المشنود في مختلف المجالات. ويعاني الصومال طيلة العقود الماضية من أنواع الفساد سواء كان ماليا أو اقتصاديا أو سياسيا وإداريا أو .. وقد أدى ذلك إلى الفشل في إعادة بناء مؤسسات الدولة رغم الجهود المبذولة.
احتل الصومال في السنوات الماضية في ذيل قائمة الدول الأكثر فسادا في العالم في تقارير منظمة الشفافية الدولية. وعلى الرغم من أن الصومال شهد تحسنا كما جاء في تقرير المنظمة لعام 2016 الذي حصل فيه على عشر نقاط مقارنة بالأعوام قبله حيث كان معدله فيها ثماني نقاط فقط، لكن البلاد تراجعت في عام 2017 الذي حصلت فيه على 9 نقاط، متوجة بلقب الدولة الأكثر فسادا في العالم. وفي تقرير عام 2018 حصلت البلاد على عشرة نقاط محتفظة بلقب الدولة الأكثر فسادا.
الدول الهشة غير المستقرة والتي مزقتها الحروب والصراعات الأهلية ما تزال قابعة في ذيل قائمة الدول الأكثر فسادا كما هو الحال بالنسبة للصومال وأثبتت النتائج كذلك أن الدول التي لديها مستويات أعلى من الفساد في القطاع العام هي تلك التي تشهد صراعات طويلة الأمد دمرت البنى التجتية.
وبالرغم من أن الصومال كان يعاني من الفساد في العقدين الأخرين إلا أن قادة الحكومة الصومالية الحالية بدأوا يرفعون شعارات براقة لدغدغة مشاعر المواطنين ويرددون أنهم يحاربون الفساد، لكن الوضع لم يتحسن ولم يختلف عما كان عليه من قبل، إن لم يكن أسوأ.
ولا يزال الفساد مستشريا في أروقة الدولة سواء كان ذلك في الجانب السياسي او المالي أو الإداري وظهر ذلك في النظام الذي اتبعته الحكومة الصومالية في تعيين المناصب حيث لم تراع في تعيين الوزراء أو الموظفين الإدارييين الكفاءة، وبالرغم من أن النظام السياسي في الصومال قائم على تقاسم السلطة على أساس قبلي أو ما يعرف بنظام “4.5”، إلا أنه يوجد بين القبائل الصومالية شخصيات تتمتع بالكفاءة والخبرة في مختلف المجالات لكن الحكومة الفيدرالية ركزت عند تعيين المناصب على الولاء السياسي أو على أسباب تتعلق بتوجهات الشخص السياسية أو الدينية أو التنظيمية، بالإضافة إلى إسناد معظم الحقائب الوزارية إلى نواب مجلس الشعب الصومالي حيث إن 74% من أعضاء الحكومة الحالية نواب أيضا في مجلس الشعب والهدف واضح هو الدفاع عن الحكومة وإفشال أي مساءلة لها من قبل المجلس، هذا الفساد في الحكومة أدى إلى استقالة عدد من الوزراء الأكفاء في وقت مبكر من تشكيلها بعد أن تضح لديهم أن الهدف ليس أداء الواجب الوطني وإنما هو السمع والطاعة في الصواب والخطأ.
ومن المظاهر الغربية التي ظهرت منذ وصول الحكومة الصومالية الحالية إلى السلطة شغور المناصب الوزارية لمدد طويلة وربما للبحث عن شخص له مواصفات خاصة يستجيب لمطالب القيادة العليا أيا كانت بالإضافة إلى شغور المناصب الأمنية المهمة كمنصب مدير وكالة الاستخبارات والأمن القومي الذي ما زال شاغرا بعد استقالة المدير السابق حسين عثمان حسين العام الماضي لخوض الانتخابات الرئاسية في ولاية جنوب غرب الصومال.
ولم يقف الأمر عند هذا الحد فقد مدت الحكومة الفيدرالية يدها إلى مجلس الشعب الصومالي لتحويله إلى أداة طيعة وقادت العام الماضي حملة أدت في النهاية إلى إجبار رئيس المجلس السابق محمد شيخ عثمان جواري على التنحي كما ضغطت على رئيس المجلس الذي نصبته لحل لجنة الشئون المالية التي كشفت في تقرير لها عن الفساد المالي الكبير الذي تورطت فيه الحكومة الفيدرالية، وقد تحول المجلس- باستثناء بعض النواب المعارضين- مصفقا للحكومة ومغنيا بأمجادها، كما تدخلت في شئون الولايات الإقليمية للإطاحة ببعض رؤساء لنصب موالين لها، وهذا ما حدث في الانتخابات الرئاسية الأخيرية التي شهدتها ولاية جنوب غرب الصومال في ديسمبر من العام الماضي فقد استخدمت الحكومة الفيدرالية كل ما لديها من قوة للإطاحة برئيس الولاية السابق شريف حسن شيخ آدم الذي أجبر على التنحي وإيصال رئيس الولاية الحالي عبد العزيز لفتاغرين إلى الرئاسة بعد أن اعتقلت مختار روبو الذي كان أبرز المنافسين له ما اسفر عن اعمال عنف في مدينة بيدوا أسفرت عن قتلى وجرحى في صفوف المدنيين دون محاسبة المسئولين عن ذلك حتى الآن، ولم يكن القضاء بعيدا عن الفساد فلم تلتزم الحكومة الفيدرالية بالمعايير المطلوبة في تعيين القضاة أو رؤساء المحاكم حيث قامت بتعيين بعض الأشخاص التي لا تتمتع بالخبرة، كما جعلت المراجع العام الوطني تحت سيطرتها.
وأصبح قطاع التوظيف من القطاعات التي تجلت فيها مظاهر الفساد حيث أن التوظيف أحيانا لا يتم عبر القنوات الرسمية وحتى إذا تم الإعلان عن شغور بعض الوظائف عبر وسائل الإعلام فإن التوظيف يتم عن طريق الوساطة، ناهيك عن اختلاس أموال الدولة حسبما ورد في تقرير لجنة الشئون المالية في مجلس الشعب التي تم حلها لأجل تقريرها.
ولا شك أن الصومال يحتاج إلى حملة حقيقية ضد الفساد الذي لا يقل خطورة عن التحديات السياسية والأمنية التي تعج بها الساحة الصومالية لا القيام ببعض الإجراءات الشكلية من قبيل اعتقال بعض الموظفين الصغار بتهمة الفساد للاستهلاك الإعلامي أو تحسين الصورة لدى الرأي العالمي. إذ إن البلاد عانت من الفساد طيلة السنوات الماضية ويكفيها عارا أن تحتل في أسفل ذيل قائمة منظمة الشفافية الدولية حول الدول الأكثر فسادا في العالم منذ أكثر من عقد مضى، ولا يخفى على أحد أن القضاء على الفساد يساهم في تقليص التحديات الأخرى التي تشهدها البلاد في المرحلة الراهنة.