الأزمة الجديدة بين إريتريا وقطر
صفاء عزب
آخر تحديث: 11/04/2019
القاهرة- أزمة جديدة تشهدها منطقة القرن الإفريقي والمتسبب الرئيسي فيها هذه المرة أطراف من خارج المنطقة بل من خارج حدود القارة الإفريقية، بحسب التصريحات الرسمية الصادرة عن إريتريا، والتي وجهت اتهامات رسمية لكل من قطر وتركيا بالعمل على إفساد العلاقات الإريترية الإثيوبية بعد إبرامهما لاتفاق السلام التاريخي. وأشارت إريتريا إلى أن جهات تركية تدعم المعارضة الإريترية بدعم مالي من قطر.
وكانت وزارة الإعلام الإريترية قد أصدرت بيانا رسميا نشرته وكالات الأنباء، يتضمن اتهامات وجهتها إريتريا لحزب العدالة والتنمية التركي الحاكم ومركز الخدمات التشغيلية القطري، بدعم الرابطة الإسلامية الإريترية والتي تعتبرها إريتريا من المعارضة. وأعربت إريتريا عن احتجاجها على هذا الأمر واعتبرته محاولة من الثنائي التركي القطري لعرقلة عملية السلام وتعكير صفو العلاقات الإيجابية بين إريتريا وجارتها إثيوبيا من خلال دعمهما لأطراف معادية تقوم بأعمال تخريبية في البلاد بحسب ما وصفه البيان الرسمي الإريتري.
واتسعت دائرة الإتهام لتشمل السودان الذي اعتبرته إريتريا متواطئا مع تركيا وقطر ضدها، عندما سمح لهما باستخدام أراضيه لعقد اجتماع للأطراف “المعادية” وصدور تصريحات مستفزة عن “المخطط التخريبي” وفق البيان.
ويعد هذا البيان هو الثاني من نوعه، حيث قامت وزارة الإعلام الإريترية بإصدار بيان سابق في شهر مارس من عام 2018 يتضمن اتهاما لكل من قطر والسودان باستضافة الثانية وتمويل الأولى لمكتب للمعارضة الإريترية الإسلامية بشكل سري في منطقة معزولة بالسودان. وقالت إريتريا في ذلك البيان أن وفدا عسكريا قطريا برئاسة السفير القطري في السودان، راشد بن عبد الرحمن النعيمي، قام بزيارة تفقدية لمتابعة الأوضاع الأمنية على حدود كسلا، ومتابعة ما يعرف بقوات الدفاع المشترك بين السودان وإثيوبيا والتي تم تأسيسها من قوات البلدين بتمويل من قطر ومتابعة جهاز الأمن السوداني. ونددت إريتريا وقتها بما أسمته “احتضان تركيا لكيانات مشبوهة” تصدر تصريحات تحريضية ضد إريتريا وإثيوبيا.
وقد عادت الأزمة بين إريتريا والدول الثلاث من جديد لتتصدر المشهد السياسي في المنطقة مؤخرا بعد أن قامت تركيا بافتتاح مكتب لرابطة مسلمي إريتريا المنبثقة من رابطة علماء إريتريا والذين تعتبرهم إريتريا معاديين للنظام لاتهامها لهم بإثارة التطرف والقيام بأعمال تخريبية فى البلاد، مع عرقلة لمساعي السلام في المنطقة عقب المصالحة الشهيرة بين الجارتين إريتريا وإثيوبيا.
وقد أثارت هذه التصريحات الإريترية ردود فعل كبيرة في الأوساط الدولية سواء على المستوى الإقليمي الإفريقي أو الدولي. فعقب صدور البيان الإريتري، سارعت قطر بتقديم احتجاج رسمي سلمته الخارجية القطرية عن طريق وزيرها سلطان المريخي لسفير إريتريا بالدوحة علي ابراهيم أحمد، وشددت فيه على استنكار قطر لهذه الإتهامات والزج باسمها في هذا الأمر وأكدت أن سياستها تقوم على الاحترام المتبادل بين الدول، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية وإرساء أسس السلام والتعايش بين الدول والشعوب. كما أكد الوزير القطري على حرص بلاده على العلاقات التاريخية العميقة مع الشعب الإريتري.
أما تركيا المتهم الثاني في البيان الإريتري، فقد أعربت عن استيائها من اتهامها بعرقلة السلام الإثيوبي الإريتري، ورفضت هذه التهمة وأكدت أنها تهمة مبنية على معلومات مضللة لأنها تحرص على استقرار منطقة القرن الإفريقي وتعتبر نفسها شريكا استراتيجيا في القارة الإفريقية.
وقد أبدت الخارجية السودانية اندهاشها مما جاء بالبيان الإريتري وما تضمنه من اتهامات اعتبرتها ادعاءات وأكاذيب. وقالت أن السودان ظل يسعى على مدار وقت طويل لتحقيق المصالحة الإثيوبية الإريترية، وكان من أوائل الدول التي بادرت بتهنئة حكومتي البلدين باستعادة علاقاتهما”.
وعلى الرغم من أن البيان الإريتري تضمن ذكر دولة إثيوبيا وكذلك البيانات الصادرة عن الدول محل الإتهام، إلا أن الخارجية الإثيوبية تتعامل مع الأمر بحكمة وحذر شديدين حتى لا تتورط في أي موقف قد يعرضها للحرج مع أطراف دوليين. كما تروت في إصدار أول تعليق رسمي حول الموضوع بعد مرور أيام حيث قال المتحدث باسم وزارة الخارجية الإثيوبية نبيات جيتاشو، أن بلاده تتابع عن قرب البيان الإريتري دون الكشف عن أي موقف لإثيوبيا، داعيا جميع الأطراف إلى اللجوء للغة الحوار.
ويثير ما حدث علامة استفهام كبرى حول خلفيات محاولات الوقيعة بين الجارتين الإفريقيتين بعد الجهود المضنية للمملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية في حث الطرفين للمضي قدما نحو توقيع المصالحة وإعلاء راية السلام. وترتبط الإجابة عن هذا التساؤل بالأهمية الاستراتيجية والإقتصادية الكبرى لمنطقة القرن الإفريقي والتي جعلتها منطقة صراع نفوذ بين مختلف القوى الإقليمية للسيطرة عليها أو تعظيم استفادتها منها، وهو ما يدفع بعض القوى الأجنبية للعمل على زعزعة الإٍستقرار وتقويض محاولات السلام واستباب الأمن من أجل ضمان استمرار إحكام سيطرتها ونفوذها وفق مصالحها. وهو ما يعول عليه بعض المراقبين في احتمالات تحرك الدوافع التركية وفق هذا الإتجاه لاستغلال تعكر صفو العلاقات الخليجية في أعقاب الأزمة مع قطر ليتحدا في الهدف القائم على إفساد دور، وجهود كل من السعودية والإمارات لإفشاء السلام في منطقة القرن الإفريقي، وهو ما يراه آخرون نابعا من حرص الأخيرتين على تعظيم المكاسب الإستراتيجية في تلك المنطقة الحيوية من العالم.
وبصرف النظر عن حقيقة نوايا أطراف الأزمة الأخيرة، فإن الحقيقة المؤكدة هي الأهمية الكبرى والحيوية لمنطقة القرن الإفريقي وتأثير ذلك على تحريك نوازع الطمع الخارجي أو شهية استغلال الظروف لتعظيم المكاسب والمصالح وهي مسألة مبررة بلغة المصالح في العلاقات الدولية شريطة ألا يرتبط ذلك بتعمد الضرر او إيقاع الأذى في حق دولة أو تعمد إثارة المشاكل وخلق التوترات بين الدول وفق سياسة “فرق تسد” لتحقيق أهداف خاصة، وهو ما يجب أن تعيه دول المنطقة وتحذر منه.