أسباب معاداة الحكومة الصومالية للصحافة
الصومال الجديد
آخر تحديث: 9/04/2019
بدأت الحكومة الصومالية في وقت مبكر مد يدها إلى وسائل الإعلام المستقلة إدراكا منها لدورها في توجيه الرأي العام ونجحت إلى حد كبير في التأثير على بعض تلك الوسائل التي أصبحت تقوم بتغطية التطورات التي تشهدها الساحة الصومالية من منظور الحكومة الصومالية التي جندت أيضا الكثير من الناشطين لتحسين صورتها في مواقع التواصل الاجتماعي أو الدفاع عنها في تلك المواقع، إلا أن وسائل إعلام أخرى رفضت أن تدور في فلك الحكومة وحرصت على نقل الحقيقة للشارع الصومالي ولو تضمنت الكشف عن تقصير الحكومة، وأصبح ذلك يؤرق الحكومة التي لا تريد إلا أن ترى صحافة تغني بأمجادها وتخفي أخطاءها وتقصيرها.
وقد شرعت الحكومة في تضييق الخناق على الصحافة الحرة وقمع الصحفيين وهذا ما عبر عنه أمين عام النقابة الوطنية للصحفيين الصوماليين محمد إبراهيم معلمو الذي ذكر في مؤتمر صحفي عقده في مقديشو في الـ 26 من شهر نوفمبر 2018 أن الصحفيين يتلقون تهديدات مستمرة من الحكومة الصومالية وحركة الشباب على حد سواء، مشيرا إلى أن العمل الصحفي أصبح محفوفا بالمخاطر.وقال معلمو: “حكومة رئيس الوزراء حسن علي خيري هددت بعض الصحفيين وقدمت رشاوى للبعض الآخر إنها أسوأ حكومة في التاريخ بالنسبة للصحفيين”.
وبرزت في الآونة الأخيرة في مقديشو ظاهرة خطيرة وهي منع الصحفيين من حضور الأماكن التي تتعرض للهجمات الإنتحارية أو التفجيرات التي تصاعدت وتيرتها على الرغم من استمرار إغلاق الشوارع الرئيسية والفرغية في الأحياء المختلفة بالعاصمة مقديشو، ومع أن حركة الشباب درجت على نشر قوائم الضحايا من المسؤلين الحكوميين وموظفي الدولة الذين يقتلون أو يصابون في تلك الانفجارات في وسائل الإعلام التابعة لها قبل معرفة الصحافة المحلية والجهات الرسمية لها الا أن الأجهزة الأمنية والإدارات الحكومية استاءت فيما يبدوا من إظهار الحقيقة وعرضها على الشعب من قبل الصحفيين ونشطاء مواقع التواصل الإجتماعي، وبعد الانفجار الذي وقع في الـ 28 من شهر مارس المنصرم بالقرب من مطعم مكتظ في شارع مكة المكرمة كان يرتاده موظفون حكوميون بدأت أصوات موالية للحكومة التنديد بعرض صور ضحايا الإنفجار على مواقع التواصل الإجتماعي معتبرة ذلك مخالفا لقانون الصحافة والنشر والمبادئ الأخلاقية للمهنة على حد تعبيرها.
وتسبب الإنفجار الذي استهدف أكاديمية الجنرال كاهيه للشرطة مساء الخميس الرابع من شهر أبريل الجاري في توقيف رئيس مديرية حمر ججب إسماعيل “أورجنو” عن العمل بسبب سماحه للصحفين بالتقاط صور من مكان الإنفجار، فيما أعلنت قيادة الشرطة نفس مساء ذلك اليوم عن قرارا يقضى بمنع الصحفين من حضور أمكان الإنفجارات.
الدوافع وراء هذا القرار هو احتكار الحقيقة وحصرها في مصدر واحد قد لا يكون مستعدا للبوح بها أو عرضها على الشعب كما هي، ومعلوم أن وسائل إعلام التابعة للحكومة بما في ذلك التلفزيون الوطني وارديو مقديشو لا تنشر أخبار الإنفجارات والدمار الذي ينتج عنها كما لا تنقل الخسائر البشرية والمادية المترتبة عنها.
وانتهاء جلسة استجواب لقادة الأجهزة الأمنية كان مقررا أن يعقدها مجلس الشعب الصومالي في الـ 6 من أبريل الجاري بالفشل بسبب الجدل في تغطية الصحافة لوقائع الجلسة كان محاولة أخرى من قبل الحكومة الفيدرالية لإخفاء الحقيقة عن الشعب بل إن قرار منع السيارات التابعة لمنظمة “أمين” للإسعاف من حضور أماكن الانفجارات لنفس الغرض يعد كارثيا بكل المقاييس فإنه يفاقم معاناة الذين يتعرضون للإصابات في التفجيرات المتكررة في العاصمة مقديشو.
تصرفات الحكومة الصومالية تدل بما لا يدع مجالا للشك على أنها لا تزال مصممة على محاربة الصحافة الحرة والصحفيين من خلال التعتيم الإعلامي الممنهج وكبت حرية التعبير والإعلام والنشر وتكميم أفوه الصحفيين وحجب الحقيقة عن المواطن في انتهاك صارخ للدستور الصومالي المؤقت.
وتاتي هذه الخطوة في وقت تراجعت فيه أنشطة الصحفين والنشطاء الموالين للحكومة على مواقع التواصل الإجتماعي مقابل صعود واضح للنشطاء الموالين للمعارضة في نفس المواقع، من الواضح أن الحكوم مهما حاولت تحجيم دور الإعلام فأنها هي الخاسر الأكبر في تلك المعركة في وقت يشهد فيه الإعلام والإعلاميون طفرة ووفرتها تكنولوجيا المعلومات لهذا القطاع الحيوي المهم في تطوير الأمم والشعوب، لذا فإن الأجدر بالحكومة القيام بمعالجة التحديات الأمنية التي تواجهها بدلا من محاولة اخفاء الحقيقة بعد حدوث الكوارث الأمنية والكف عن معاداة الإعلام الحر الذي بقي الجهة الوحيدة التي تراقب الحكومة الفيدرالية وتريها عيوبها في أعقاب عجز البرلمان عن أداء دوره بسبب اختراقه من قبل الحكومة.