مستقبل العلاقات بين دول القرن الإفريقي على ضوء تغير التحالفات الإقليمية والدولية في المنطقة
الصومال الجديد
آخر تحديث: 6/04/2019
توطئة
تتسارع وتيرة الأحداث في منطقة القرن الإفريقي بشكل دراماتيكي، ما جعل خارطة التحالفات وموازين القوة بالمنطقة في حالة ديمومة تغير مستمرة، يصعب التكهن بمسارها ومآلاتها، فبعد يومين فقط من الزيارة التي قام بها الرئيس الجيبوتي إسماعيل عمر جيله في منتصف شهر مارس المنصرم إلى العاصمة الصومالية مقديشو.
وصل إلى هرجيسا عاصمة أرض الصومال، وزير الخارجية الإريتري عثمان صالح، على رأس وفد حكومي رفيع ضم المستشار الرئاسي يماني جبريب، بزيارة رسمية أولى من نوعها لأرض الصومال، أجرى خلالها الوفد محادثات مع الرئيس موسى بيحي عبدي وأعضاء من حكومته حول العلاقات الثنائية ودعم تعزيز السلام الإقليمي.
أهداف وضوابط صراع المصالح في القرن الإفريقي:
وبالرغم من أنه لا توجد معايير ثابتة وواضحة تحكم في معادلة المصالح والأهداف الاستراتيجية الماثلة على خلفية الحراك من التحالفات وصراع المصالح في القرن الإفريقي، إلا أن موازين القوة تمثل أحد العوامل المهمة في توسيع دائرة التنافس الدولي وصراع المصالح وتغيير التحالفات بين النظم السياسية في المنطقة، وهو ما قد يحدد بشكل كبير تطور الأحداث ومآلاتها المستقبلية في الإقليم.
ومن الواضح أن الأهمية الاستراتيجية لمنطقة القرن الإفريقية وحيويتها السياسية والاقتصادية والأمنية والعسكرية، قد سلطت الضوء بشكل أكثر سطوعاً على الاهتمام الدولي بدول المنطقة وادماجها بشكل إيجابي في فضاءات الاستراتيجيات الدولية، لاعتبارات جيوبولتيكية جيوستراتيجية للمنطقة، يضاف لذلك دخول قوى دولية وإقليمية أخرى على مسرح الأحداث، كانت تعتبر بعيدة عن محاور الصراع الدولي المباشر على الموارد.
وبالرغم مما هو ملاحظ من تزايد الدعوات السياسية لوضع استراتيجية للعمل الإقليمي المشترك واعتماد التكامل الاقتصادي الإقليمي كحل للمشاكل الاقتصادية والاجتماعية والأمنية، وهو الأمر الذي ظهرت أهميته مؤخراً نتيجة للتغييرات الأساسية التي حدثت في العلاقات الإثيوبية – الإريترية، إلا أن تضارب مصالح النظم السياسية في المنطقة، لا يزال يشكل عائقاً امام إيجاد رؤية مشتركة تعلى أساليب الحوار والمصالحة ووضع خطط عملية تهدف لتسوية سلمية للصراعات الدائرة في المنطقة وإصلاح المؤسسات الوطنية بهذه الدول وتوجيهها نحو تحقيق التكامل الاقتصادي الإقليمي.
طبيعة الخلاف المكتوم بين جيبوتي وأسمرة:
إن كافة المؤشرات والمعطيات السياسية تؤكد استمرار الخلاف “المكتوم” بين حكومة جيبوتي وجارتها إريتريا، باعتباره أحد العوامل التي تساعد على عدم الاستقرار وتأجيج حالة الاستقطاب الراهن في المنطقة.
ومن جهة أخرى لم تقتصر تلك الخلافات فقط على ملف النزاع الحدودي بينهما، فقد رأت جيبوتي أن تمارس حقها فيما تسميه مجالها الحيوي بالتأثير في مجريات الأحداث في المنطقة، وبالتالي سعت لتوثيق علاقاتها مع الصومال التي تمثل بالنسبة لها عمقاً استراتيجياً بالغ الأهمية، لمواجهة مما تعتبره مهددات خطيرة لأمنها ومصالحها الحيوية في المنطقة.
وعليه فقد ركزت المباحثات الرسمية التي أجراها الرئيس الجيبوتي مع نظيره الصومالي محمد عبد الله فرماجو، على سبل تجاوز الخلافات السياسية بينهما، وبناء شراكة استراتيجية حقيقية في كافة المجالات السياسية والاقتصادية والأمنية والعسكرية، إضافة إلى تنسيق تلك الشراكة على المستوى الإقليمي والدولي لتحقيق المصالح المشتركة للبلدين وأمنهما القومي في المقام الأول.
ومن جانبها تنظر إريتريا إلى الصومال مجالاً مهماً لتعزيز دورها ونفوذها الإقليمي كطرف فاعل في القرن الإفريقي، وبالتالي تمثل جزءاَ أصيلاً في الصراع القائم في المنطقة، إذ لا يمكن تجاهل دورها في مكونات الصراع الذي يشهدها الصومال والمنطقة بشكل عام.
ولهذا فإن تلك الزيارة التاريخية التي قام بها الوفد الإريتري الرفيع بقيادة وزير الخارجية إلى هرجيسا حاضرة صوماليلاند، تشكل خطوة مهمة تهدف لإجهاض التقارب السياسي الجديد بين جيبوتي والصومال والضغط على القيادة الجيبوتية بتغيير موقفها بشأن النزاع القائم مع أسمرة..
ويجمع كثير من المراقبين على أن تلك التحركات السياسية تكشف عن حجم التنافس والصراع “المكتوم” ببن النظم السياسية في القرن الإفريقي وتفاعلاها بالتحولات الجيوبولتيكية الجارية في المنطقة، كما أنها تسلط الضوء أيضاً على إمكانية انبثاق تحالفات جديدة وإعادة صياغة التحالف الثلاثي الذي أعلن مؤخراً في العاصمة الإريترية أسمرة، وضم كل من إثيوبيا وإريتريا والصومال.