الإقتصاد الصومالي بين الطموحات والتحديات
صفاء عزب
آخر تحديث: 24/03/2019
القاهرة- مر الإقتصاد الصومالي بعدة مراحل عبر عقود طويلة منذ نال استقلاله عام 1960 حيث كانت هناك إرهاصات لنشأة نظام اقتصادي جيد في ظل ما يمتلكه الصومال من موارد طبيعية وسواحل ممتدة وأراضي زراعية خصبة، ولكن الظروف الإقتصادية لعبت دورا سلبيا في حرمان الشعب الصومالي من هذا الأمر. ففي تلك الفترة كان الصومال مسرحا للمنافسة الأمريكية والسوفيتية ومعهما الصين الشيوعية في ظل الأجواء الساخنة للحرب الباردة بين ما كان يطلق عليهما المعسكر الغربي والمعسكر الشرقي، وهو ما استفاد منه الإقتصاد الصومالي آنذاك في صورة مساعدات إنمائية واقتصادية قدمتها دول من المعسكرين لبناء مشروعات تنموية وبنى تحتية.
وزاد الاهتمام بالقطاع الزراعي الذي يعد عصب الحياة والعمود الفقري للنظام الإقتصادي الصومالي مما ساهم في تحقيق نهضة كبرى في قطاع الثروة الحيوانية والمزارع النموذجية. ولكن تغير المناخ السياسي وظهور قيادة اشتراكية ممثلة في سياد بري على رأس السلطة في الصومال أدى إلى تراجع كبير في المساعدات والمعونات الدولية والتنموية التي كان الصومال يعتمد عليها وذلك بسبب سياسات التأميم التي طبقها بري، وشملت كل قطاعات الدولة بشكل غير مدروس تسبب في تراجع اقتصادي كبير ومعاناة شديدة للصوماليين وهو ما حذر منه مسؤول شيوعي سوفييتي كبير- وهو السفير الروسي وقتها بالصومال- بسبب افتقاد النظام الصومالي آنذاك للخبرة الكافية في تطبيق الإشتراكية بشكل سليم اقتصاديا.
ونتيجة لذلك زادت الديون وضعف الإنتاج خاصة مع ظهور آفات أخرى مثل الفساد والجفاف اللذين التهما الأخضر واليابس في الصومال آنذاك. كما أدى دخول الصومال في حرب مع إثيوبيا عام 1977 لتحرير إقليم أوجادين إلى مزيد من التدهور في الأوضاع الإقتصادية حيث بلغت الديون 4 مليارات شلن. وهو الأمر الذي اضطر الصومال لطرق باب صندوق النقد الدولي والتحول إلى العالم الغربي والخضوع لشروطهم الإقتصادية سيما بعد سقوط معاهدة الصداقة بين الاتحاد السوفيتي وبين الحكومة الصومالية. وخلال تلك الفترة تعرض الإقتصاد الصومالي للإنهيار خاصة بعد قرار المملكة السعودية بوقف استيرادها من الصومال، حيث فرض صندوق النقد على الصومال خفض قيمة عملته الوطنية. كما ابتلي الصومال بالصراعات الداخلية والحروب الأهلية وانتشار الفوضى في مختلف المناطق ما أدى إلى استحكام أزمته الإقتصادية واستمرار التدهور الإقتصادي ليتضخم حجم الديون الصومالية وتبلغ ملياري دولار.
وتزامن ذلك مع موجات الجفاف المتتابعة التي ضربت البلاد وأصابتها بخسائر بشرية واقتصادية خطيرة لغياب وسائل مواجهة الكوارث وانهيار القطاعات الحكومية المسؤولة عن الأرصاد الجوية، والمراكز المهتمة بدراسة وتنظيم الموراد المائية، نتيجة للظروف السياسية والأمنية الصعبة. ونتيجة لذلك فقد الإقتصاد الصومالي جزءً كبيرا من موارده من عوائد الزراعة والثروة الحيوانية التي تشكل المصدر الرئيسي والأكبر للدخل الصومالي.
وتعد أزمة الجفاف عام 2011 من أسوأ تلك الأزمات التي أبادت ما يقرب من ربع مليون شخص وتسببت في تشريد ونزوح أكثر من ثلاثة ونصف مليون نسمة، إلى جانب ما أحدثته من كوارث اقتصادية بسبب نفوق ما يقرب من 90% من الماشية في بعض المناطق الصومالية لندرة المياه وتوقف الزراعة التي تعد مصدر غذائها الرئيسي
في ظل هذه الأوضاع الصعبة اضطر الإقتصاد الصومالي للإعتماد على دعم المانحين والتحويلات المالية من الصوماليين بالخارج والبالغ عددهم 1.2 مليون تقريبا. ومن ناحية أخرى عجز الصومال عن سداد ديونه المتراكمة، وهو ما يشكل عبئا ثقيلا على الإقتصاد. ولاشك أن لذلك انعكاساته القوية على الأوضاع المعيشية للصوماليين الذين وضعهم صندوق النقد الدولي في قائمة الشعب الأكثر فقرا حيث يعيش الواحد منهم على أقل من دولار ونصف يوميا. كما ارتفعت معدلات البطالة لمستويات خطيرة بلغت وفق بعض التقديرات 70% ووصلت نسبتها بين الشباب 67% وهو ما يسهم في استمرار الدائرة المفرغة بين الفوضى الأمنية والفقر والجرائم الإرهابية التي تنشط باستغلال هذه البطالة بين الشباب.
ومن دواعي الدهشة والأسف في نفس الوقت أن يعاني الشعب الصومالي من الفقر ومن هذه الأوضاع الصعبة اقتصاديا في الوقت الذي يمتلك فيه مقدرات وثروات طبيعية ومزايا كثيرة لا تتوفر لكثير من الدول التي ينعم أهلها بأوضاع معيشية أفضل. ومن بين ثروات الصومال ما ينعم به من موارد طبيعية كالحديد والجبس والقصدير والنحاس والملح، بجانب ما يمتلكه هذا البلد، الفقير أهله، من احتياطيات كبيرة من النفط والغاز الطبيعي. يضاف إلى ذلك تلك المساحات الشاسعة من الأرضي التي تعد من أجود الأراضي الصالحة للزراعة والمراعي التي كانت تشهد تربية أجود أنواع الماشية والأغنام المصدرة لمختلف دول العالم. كما كانت الصادرات الزراعية الصومالية من الموز والذرة وسكر القصب موردا مهما من موارد خزينة الإقتصاد الصومالي. كما ساهم الموقع الجغرافي للصومال إلى امتلاكه لسواحل شاسعة بمنطقة القرن الإفريقي ما يمنحها مزايا اقتصادية كبرى متمثلة في اتساع مصائد الأسماك وتنشيط الصناعات البحرية والأنشطة التجارية المرتبطة بالموانئ الساحلية. ولاشك أنها كلها مقدرات قوية تؤهل أصحابها لتصدر الأنظمة الإقتصادية في العالم لولا اجتماع العوامل السلبية الطبيعية والسياسية والأمنية لعرقلة الإستفادة من هذه المقدرات وتعميق الأزمة الإقتصادية الصومالية.
إلا أن الأوضاع الإقتصادية شهدت تحسنا طفيفا منذ عام 2013 في ظل بعض الإجراءات والتطورات الإيجابية على الساحة الصومالية ومنها حالة الإستقرار السياسي النسبي ونجاح الصومال في استعادة علاقاته الدولية ووجود مبادرات طيبة من بعض الدول العربية والأجنبية للمساهمة في مواجهة الأزمة الإقتصادية وتحسين الأوضاع المعيشية للشعب. حيث كثف صندوق النقد الدولي جهوده لتنمية القدرات الإقتصادية خاصة المالية للصومال، كما نشطت الاستثمارات الخاصة ببعض الصوماليين المغتربين، ونشطت معها بعض الإستثمارات الأجنبية ولكن بشكل ضعيف نظرا لحالة عدم الإستقرار الأمني الناجمة عن وجود جماعة الشباب. كما لعب القطاع الخاص دورا فعالا في الإقتصاد الصومالي بدخوله في مجالات خدمية كالصحة والتعليم والإتصالات والكهرباء وغيرها من الأعمال الخدمية التي تغطي غياب المؤسسات الحكومية في هذه المجالات.
وقامت دول عربية بتقديم مساهمات حيوية لقطاع التنمية بالصومال لدعم البنى التحتية. كما نجح الصومال في استعادة علاقته بالولايات المتحدة الأمريكية بعد قطيعة امتدت لعقود طويلة، وذلك بتعيين دونالد ياماموتو مؤخرا، كأول سفير لواشنطن لدى مقديشو منذ اندلاع الحرب الأهلية في الصومال عام 1991 . وقد أكدت وزارة الخارجية الأمريكية أن هذه العودة للصومال تظهر التزام الولايات المتحدة تجاه مزيد من الاستقرار والديمقراطية والتنمية الاقتصادية. وتأتي أهمية هذه الخطوة السياسية في توابعها الإقتصادية المتمثلة في المشروعات التنموية والدعم الأمريكي الذي يعول عليه الصوماليون كثيرا، وذلك وفقا لتأكيدات ياماموتو بدعم بلاده للصومال حكومة وشعبا ودعم الولايات المتحدة للقطاع الخاص الصومالي في مجالات الزراعة وتربية المواشي وصيد الأسماك، وتقديمها 74 مليون دولار لدعم برامج تنمية الاقتصاد وإيجاد فرص العمل.
وقد أثبت الإقتصاد الصومالي قدرته على النمو والتقدم مع زيادة الإهتمام العالمي بدعمه ومساندته لاستعادة قوته من جديد، حيث نجح في تحقيق نسبة نمو قدرها 4.3% عام 2018 وفقا لتقديرات البنك الدولي ليتقدم بذلك على اقتصاديات بعض دول الخليج العربي، وهو ما يعطي مؤشرات قوية على قدرة الإقتصاد الصومالي وإمكانياته في مواصلة النمو بتوفير البيئة المناسبة والقضاء على العوامل السلبية المعرقلة لهذا النمو، سيما في ظل ما يمتلكه الصومال من مقدرات اقتصادية وإمكانيات ذات ميزة نسبية مقارنة بغيره من الإقتصاديات الدولية. ولاشك أن الأمر يرتبط بضرورة تعاون دول العالم مع الصومال في حربه ضد الإرهاب وتجفيف منابعه بحل المشكلات التي تدفع شباب الصومال للإضطرار للإنضمام لتلك الجماعات المسلحة والمهددة للأمن الوطني والإجتماعي.
ومن المنتظر أن يحظى الإقتصاد الصومالي بمزيد من فرص الدعم من خلال فتح آفاق التعاون مع مختلف دول العالم ومنها مصر التي عقدت على أرضها القمة العربية الأوروبية مؤخرا وشارك فيها الرئيس فرماجو ممثلا للصومال داعيا القادة العرب والأوروبيين إلى تعزيز الشراكات في جميع مجالات المنفعة المتبادلة.