حقوق الإنسان في إريتريا
صفاء عزب
آخر تحديث: 21/03/2019
القاهرة- تعرضت مؤسسة الأمم المتحدة مؤخرا لانتقادات واسعة حينما أتاحت العضوية بمجلس حقوق الإنسان التابع لها لدولة إريتريا، حيث اعتبر المعارضون هذا الأمر صادما لمن كانوا يتوقعون أن يتم استدعاء الدولة الإفريقية المتهمة بانتهاك حقوق الإنسان للتحقيق معها، بدلا من مكافأتها بمنحها هذه العضوية.
ووصف لوي شاربونو، مدير شؤون الأمم المتحدة في منظمة “هيومن رايتس ووتش”، في تعليق له على تويتر، التصويت بشأن منح هذه العضوية لدول منها إريتريا بأنه “مهزلة”. رغم ذلك فإن المدافعين عن دخول اريتريا لمجلس حقوق الإنسان يؤكدون أهمية هذه الخطوة في وضع إريتريا في دائرة الضوء والمراقبة وعدم تمكينها من التهرب من أية اتهامات حقوقية في حال ثبوتها.
وكانت الجمعية العامة للأمم المتحدة قد أقرت اختيار 18 دولة منتخبة حديثا لعضوية مجلس الأمم المتحدة لحقوق الإنسان ضمت دولا مثيرة للجدل فيما يتعلق بقضايا حقوق الإنسان منها الكاميرون وإريتريا وذلك ضمن “الكوتة” المقررة لأفريقيا، والتي تصل إلى 13 عضوا من 47 عضوا هم أعضاء المجلس.
وعلى الرغم من التطورات الكبيرة التي تشهدها منطقة القرن الإفريقي وتلقي بظلالها على الأوضاع في إريتريا، والتغيرات الإيجابية في علاقة المجتمع الدولي بدولة إريتريا خاصة بعد رفع الحظر الدولي عنها بالتزامن مع توقيعها اتفاق السلام مع إثيوبيا، إلا أن ملف حقوق الإنسان يظل من الملفات المعلقة والشائكة بالنسبة للنظام الإريتري. ولازالت الإنتقادات مستمرة بشأن معاناة الشعب الإريتري من بعض الممارسات المتناقضة مع حقوق الإنسان والتي لاتقتصر فقط على التجنيد الإلزامي والممتد لفترات قد تصل لعشرين سنة، وإنما يمتد ليشمل بعض الأمور المتعلقة بالقبض والإحتجاز بصورة تعسفية، وتقييد حرية الرأي والإعتقاد إلى جانب فرض قيود مشددة على حق السفر والمغادرة.
وكشف أحدث تقرير دولي لعام 2017-2018 ، صادر عن منظمة العفو الدولية عن وجود صور متعددة لانتهاكات حقوق الإنسان في إريتريا، وشملت هذه الصور احتجاز الآلاف من سجناء الرأي. وأشار التقرير الدولي إلى استمرار النظام في تطبيق الخدمة الوطنية الإلزامية لتظل أعداد كبيرة من المجندين قيد التجنيد الإجباري المفتوح حتى فترة تصل لعشرين عاما من التجنيد. كما لايميز هذا النظام بين الأطفال والشباب حيث يتم تجنيد البعض قبل بلوغهم السن القانونية، ولم يشفع كبر السن لدى الشيوخ لاستثنائهم من الخدمة العسكرية الإلزامية، حيث تم تجنيد الرجال الذين يبلغون من العمر 67 عاماً فيما يسمى “جيش الشعب”، وإلا يتم احتجازهم أو فرض غرامات وأشغال شاقة عليهم، وذلك بحسب ما أورده تقرير منظمة العفو الدولية.
وفي خضم هذه الظروف السيئة تشتد المعاناة بالنسبة للنساء في إريتريا حيث يواجهن ظروفا شديدة القسوة ويتعرضن لانتهاكات بشعة، إضافة إلى تجنيدهن قسريا مما يدفعهن للفرار مع آلاف الفارين عبر الحدود وهو ما يعرضهم لمزيد من الظروف السيئة التي تهدد حياتهم أثناء عبورهم للحدود. وفي ظل تقييد السفر وفرض الرقابة المشددة على مغادرة إريتريا للأشخاص ما بين خمسة وخمسين عاما، فإن الفشل في أي محاولة لعبور الحدود للخارج يعني التعرض لمزيد من المضايقات والخضوع للإحتجاز التعسفي.
يأتي ذلك على الرغم من التوصيات المتكررة من المجتمع والنداءات الكثيرة من المعنيين بحقوق الإنسان في العالم، للنظام في إريتريا بتحسين أوضاع الشعب الإريتري. وقد أشار تقرير لليونيسيف إلى ازدياد معدلات سوء التغذية وانتشار أمراضها في معظم نواحي إريتريا بسبب تردي الأوضاع والتضرر من الجفاف وعدم كفاية المياه والمواد الأساسية وهو ما يسهم في تضاعف أعباء الحرمان من الحقوق الإنسانية التي أشار إليها تقرير منظمة العفو الدولية. وهو ليس التقرير الوحيد الذي بنيت عليه مبررات المعترضين على عضوية إريتريا بمجلس حقوق الإنسان حيث سبقته تقارير متتابعة على مدار العقد الحالي تندد بالممارسات السيئة للنظام والإنتهاكات القاسية بكل أشكالها لحقوق الإنسان. وكانت منظمة العفو الدولية قد اكدت منذ خمسة أعوام أن ما يقرب 10 آلاف مواطن إريتري قد تم اعتقالهم لأسباب سياسية منذ استقلال البلاد عام 1993. بينما أصدر الإتحاد الأوروبي عدة تقارير عن ملاحظاته لأوضاع الإريتريين وحقوق الإنسان هناك، وأشارت هذه التقارير إلى حدوث اعتقالات كبيرة بحق أعضاء في البرلمان الإريتري من المنتمين إلى الجبهة الشعبية للديمقراطية والعدالة بالإضافة إلى توجيه تهم انتقاد النظام لكتاب إريتريين بارزين. وقد طالب الإتحاد الأوروبي النظام في إريتريا باحترام حرية التعبير وعدم اضطهاد المعارضين، والإفراج عن المعتقلين الذين يتعرضون للتعذيب والإيذاء الذي أودى بحياة عدد كبير منهم.
وبناء على ما أوردته تلك التقارير الدولية والأممية بخصوص أوضاع حقوق الإنسان في إريتريا، أعرب المعارضون لعضوية إريتريا في مجلس حقوق الإنسان عن تخوفهم من أن يتم استغلال هذه العضوية من قبل النظام محل الإتهام للتشويش والتغطية على أخطائه وممارساته التي ينتقدها المجتمع الدولي. إلا أن واقع الأمر أن هذه الخطوة تعد من الأمور التي يمكن استغلالها إيجابيا للضغط على النظام الإريتري لمعالجة قضايا حقوق الإنسان بشكل يجنبه التعرض للحرج أمام المجلس الذي ينتمي لعضويته ويراقبه عن قرب.
كما أن موافقة إريتريا على إنهاء الخصومة العتيقة مع جارتها المقربة إثيوبيا وتوقيع اتفاق السلام، لعبت دورها الإيجابي في تحقيق مكاسب سياسية كان أولها إنهاء الحظر الذي كان مفروضا عليها، وهو ما يشجعها على اتخاذ مزيد من الخطوات الإيجابية. كما نجحت إريتريا في استعادة الإنفتاح على العالم والتواصل مع الكيانات الدولية المختلفة وهو ما تمثل في الزيارات التي أجراها ممثلون من الإتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية، والتي تضمنت زيارة المفوض التعاون الدولي والتنمية في الإتحاد الأوروبي وزيارة أعضاء من الكونجرس الأمريكي لأول مرة منذ 14 سنة. ومن المنتظر أن تجني إريتريا ثمارا عديدة من هذه الزيارات وتحقيق مكاسب اقتصادية كبرى بدأتها بذلك المشروع الكبير الذي تموله أوروبا بقيمة 20 مليون يورو لإعادة بناء الطريق الرابط بين الحدود الإثيوبية والموانئ الإريترية.
وهنا تأتي أهمية الموقف الدولي ومواقف الدول والكيانات الدولية التي أبدت استعدادا للتعاون مع إريتريا، وذلك من خلال ضرورة الربط بين هذه المكاسب من جانب وبين الإمتثال للمناشدات الدولية والرضوخ للقوانين المعنية بحقوق الإنسان، حتى لا يتحول الأمر إلى مكافأة بلا مقابل لنظام متهم بانتهاكات كثيرة لحقوق الإنسان.
وعلى الجانب الإريتري فإن الفرصة الذهبية سانحة لتعظيم مكاسبها من خلال تحقيق المصداقية أمام العالم بالرجوع عن الممارسات الباطشة والطاردة للإريتريين ومراجعة كل الأساليب القمعية التي تتعارض مع حقوق الإنسان.