في اليوم العالمي للمرأة … الصوماليات نماذج مشرفة لبلادهن داخليا وعالميا
صفاء عزب
آخر تحديث: 8/03/2019
القاهرة: صفاء عزب
في الثامن من مارس يحتفل العالم باليوم العالمي للمرأة وهي مناسبة يتم تكريس الإحتفاء فيها بالنساء ودورهن الفاعل في المجتمع مع تسليط الضوء على المتميزات من بنات حواء وإنجازاتهن في هذا اليوم من كل عام. وهو احتفال يرجع أصله إلى بدايات القرن العشرين عندما شهدت الولايات المتحدة الأمريكية اضطرابات نسائية كبيرة للمطالبة بحقوقهن المهدرة في مواجهة الظلم الواقع عليهن، كما يرتبط هذا اليوم أيضا بعقد أول مؤتمر للإتحاد النسائي الديمقراطي العالمي في باريس عام 1945. وفي الثامن من مارس عام 1975 احتفلت الأمم المتحدة لأول مرة باليوم العالمي للمرأة بعد تعميم الإحتفال وعدم اقتصاره على القارة الأمريكية أو الأوروبية ليشمل كل نساء العالم. وإذا كان تاريخ هذا اليوم يرجع لكفاح المرأة الأمريكية في بداية الأمر فإن المرأة الإفريقية لا تقل كفاحا عن الغربيات بل تحفل مسيرتها عبر كل العصور بشتى نماذج الكفاح والإنجازات الكبيرة على الرغم من قسوة الحياة وصعوبة الظروف الاجتماعية والسياسية والإقتصادية التي تعيشها المرأة الإفريقية مقارنة بالمرأة الغربية.
لقد أثبتت نساء القارة السمراء جدارتهن في مختلف المجالات اللائي خضن غمارها بشكل منحهن تقدير واحترام العالم سيما وأن ما حققنه من إنجازات يأتي في ظل مناخ لايخلو من المخاطر والأزمات الصعبة والقيود السياسية التي تمثل عقبات كؤود أمام المرأة الإفريقية، لكن عزيمتها وإصرارها كانا أقوى من تلك العقبات. ولم تكتف المرأة الإفريقية بطرق كافة مجالات العمل وإثبات ذاتها فيها وإنما نجحت بجدارة في تقلد المناصب الرفيعة وظهر العديد من النماذج النسائية الإفريقية التي ضربت المثل لكل نساء العالم. ومن هذه النماذج النسائية الإفريقية المشرفة إلين جونسون سيرليف رئيسة ليبيريا السابقة فى الفترة من ٢٠٠٦ وحتى ٢٠١٨ ، والتي تعد أول سيدة تنتخب كرئيس دولة فى إفريقيا، وقد ضربت أروع المثل في إدارة بلادها ونقل السلطة بسلام لأول مرة في البلاد إلى الرئيس الجديد جورج وايا لاعب الكرة الشهير، لتستحق بجدارة فوزها بجائزة نوبل للسلام. وقد لحقت بها الإثيوبية سهلى ورق زودي نحو مقعد الرئاسة في بلادها لتصبح ثاني رئيسة دولة إفريقية. كما حققت الإفريقيات نجاحا كبيرا كوزيرات لحقائب وزارية مهمة وحساسة مثل حقيبة الدفاع التي تولتها عائشة محمد في إثيوبيا، وسبقتها إلى نفس المنصب رايشيل أومامو في كينيا، كما تولت وزارة الدفاع إمرأة أيضا في جنوب إفريقيا.
ولم يعد غريبا أن تتولى إفريقيات حقائب وزارية في شتى ربوع القارة السمراء، بل هناك دول منحت نساءها نصف عدد الحقائب الوزارية بعد أن أصبحن يشكلن 62% من مجموع أعضاء البرلمان، كما في إثيوبيا. إلى جانب ذلك برزت المرأة الإفريقية في مختلف المجالات التي طرقتها سواء في العلوم أو الفنون والآداب أو الإعلام وصولا للألعاب الرياضية التي لاتخلو دورة أوليمبية أو بطولة دولية من تمثيل نسائي إفريقي رائع فيها.
وعلى الرغم من الظروف الحياتية الصعبة، والإضطرابات السياسية على مدار سنوات طويلة في الصومال، إلا أن المرأة الصومالية خاضت مسيرة كفاح مشرّفة واجهت خلالها معوقات كثيرة، لم تثنها عن اللحاق بجاراتها الإفريقيات بل سبقتهن بما حققه بعضهن من إنجازات عالمية غير مسبوقة.
على الصعيد الداخلي قدمت المرأة الصومالية مثلا رائعا في الكفاح وقوة التحمل في مواجهة المخاطر والكوارث حيث كان النساء يشكلن النسبة العظمى من الفئات المضارة والمعرضة لكافة أنواع المخاطر في ظل الإضطرابات وحالات عدم الإستقرار التي شهدتها البلاد، وكثيرا ما كانت المرأة الصومالية تقوم بدور الأم والأب ورب العائلة في حالة فقدان العائل سواء كان أبا أو زوجا أو أخا.
كما يزخر التاريخ الصومالي بنماذج مشرفة للمرأة الصومالية في الكفاح الوطني ضد الإحتلال منها المناضلة جهاد عبد الله حسن التي أسقطت إحدى الطائرات الست التي استخدمتها القوات الإنجليزية ضد المناضلين في مركزهم بإقليم عيرجابو بشمال الصومال عام 1920م وظلت تكافح الإحتلال لمدة عشرين عاما متواصلة بجانب شقيقها محمد. ويذكر التاريخ بطلة صومالية أخرى هي الشهيدة حواء عثمان “تاكو” التي استشهدت أثناء مظاهرة رافضة لعودة الإيطاليين إلى الصومال عام 1949م.
ورغم معوقات العمل العام أمام المرأة في الصومال إلا أنها اقتحمت مختلف المجالات بما فيها المجالات التي كانت حكرا على الرجال كالأعمال العسكرية ووصلت لمناصب رفيعة أثبتت فيها أنه عندما تتاح لها الفرصة فإنها تؤدي بجدارة وتفوق أيضا. وهو ما أكدته بتولة أحمد غبلي رئيس الاتحاد الوطني للمرأة الصومالية في تصريحات صحفية، عندما أشارت إلى الأدوار المتعددة التي تقوم بها المرأة الصومالية بداية من الحفاظ على أسرتها ورعاية عائلتها وصولا لمشاركتها في جميع المؤسسات الرسمية بالبلاد، بما فيها الشرطة والجيش والاستخبارات. وإذا كان للمرأة الصومالية حضور معقول بالهيئات التشريعية حيث تشكل ما يقرب من ربع البرلمان، فإن ستة مناصب وزارية رفيعة قد تقلدتها نساء صوماليات وسط مؤشرات بالتحرك نحو مزيد من التفعيل للأدوار النسائية في كافة المؤسسات النسائية. ومن أبرز الوزيرات الصوماليات فوزية يوسف حاجي آدم التي عينها رئيس الوزراء عبدي فارح شردون سعيد وزيرة للخارجية ونائبا أول لرئيس الوزراء، لتكون أول صومالية تتقلد هذا المنصب الرفيع. وقد أثبتت الوقائع الدور الفعال للمرأة الصومالية في المشاركة في ساحات المعارك والمواجهات الخطيرة كطبيبة وممرضة بل ومقاتلة أيضا وهو أمر سبقت به كثيرا من النساء العربيات.
ورغم صيحات التنديد بسوء أوضاع النساء الصوماليات نتيجة للحروب المتواترة والصراعات السياسية سيما بعد دخول تنظيمات إرهابية للبلاد وقيامهم بممارسات وحشية ضد الشعب الصومالي وخاصة النساء، إلا أن عزيمة المرأة الصومالية كانت أقوى في تكيفها مع هذه الأوضاع من خلال نزولها إلى معترك الحياة وأسواق العمل بحثا عن لقمة العيش، لتساهم في اقتصاد بلادها وتشارك بنسبة 43% من قوة العمل بحسب تقارير أممية صادرة عن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي. كما قامت المرأة الصومالية بتوظيف قوتها الاقتصادية لدعم المحاكم الإسلامية مالياً من خلال التبرعات التي قدمتها وقامت بجمعها. كما تلعب المرأة الصومالية أدوارا مجتمعية رائدة من خلال إدارتها للعديد من مؤسسات الرعاية المجتمعية التي باتت علامات مميزة للنشاط النسائي الإجتماعي في الصومال. ومنها على سبيل المثال المركز الصومالي لتأهيل المرأة والذي أنشأته الناشطة الصومالية آمنة حاج علمي. كما تعتبر حواء آدن والحائزة على جائزة نانسن للاجئين من المفوضية السامية لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة، من الصوماليات صاحبات الإنجازات المجتمعية المهمة وذلك بتأسيسها منظمة لخدمة النازحات وتمكينهن، في مدينة جالكعيو. وفي الساحل الجنوبي للصومال بمدينة كسمايو كانت مبادرة ورود الأمل للصومالية الشابة زهرة عبد القادر، والتي خصصتها لرعاية الأطفال البؤساء وتعليمهم الكتابة والقراءة. وتعد الطبيبة حواء عبدي طبلاوي من الصوماليات ذات الأيدي البيضاء في بلادهن حيث قامت بتحويل أرض تملكها إلى ملاذ لاستقبال االلاجئين والفارين من نيران الحروب في الصومال، إضافة إلى مساعدة المحتاجين فاستحقت جائزة الشرف الدولية في جنيف بسويسرا في يوم المرأة العالمى 8 مارس عام 2008م.
وسجلت الفتاة الصومالية إنجازات مشرفة في مجال حفظ القرآن الكريم عندما نجحت الشابة أمينة عبد المجيد في الفوز في مسابقة عالمية للقرآن الكريم بين 60 متسابق عام 2016 لتكسر احتكار الذكور لمثل هذه المسابقات الدينية بشهادة وزير الشئون الدينية الصومالى عمر محمد.
لم تقتصر أدوار المرأة الصومالية على الكفاح والبطولة داخل حدود بلادها وإنما استطاعت أن تحلق بإنجازاتها خارج الحدود في مختلف دول العالم بما لفت الأنظار إلى عظمة بنات الصومال وجدارتهن في العمل والإبداع والتميز.
وكان خبر وصول الصومالية إلهان عمر لعضوية الكونجرس كأول محجبة، مثار اهتمام وإعجاب العالم خاصة وأن هذا الإنجاز جاء تتويجا لرحلة كفاح أسرة صومالية عانت كثيرا. لقد عاشت إلهان عمر فترة من طفولتها في مخيم للاجئين بكينيا ولكن عزيمتها وإصرارها ساعداها على تجاوز الصعاب وتحقيق حلمها أن تصبح سياسية، وهو ما نجحت فيه بعد تخرجها من جامعة داكوتا الشمالية بأمريكا حيث خاضت غمار السياسة وتدرجت في الحلم حتى أصبحت أول امرأة ملونة تفوز بمقعد ولاية مينيسوتا في الكونجرس الأمريكي بعد اقتناصها الفوز على السياسية اليهودية المخضرمة «فيليس كاهين» ذات الـ٧٩ عامًا، وتصبح من مشاهير الصوماليين في العالم .
ومن السياسة إلى الطب نجحت الصومالية أمل علي في إتمام دراسة طب الأسنان فى جامعة جوتنبرج بالسويد عام 2012 قبل أن تنتقل للعيش في النرويج وتصبح أول امرأة إفريقية مسلمة ترتدى الحجاب وتمارس طب الاسنان هناك، لتضرب المثل لكل بنات الصومال في الإرادة والعزيمة حينما تتاح لها الفرصة العادلة.
ومن النرويج لتركيا حيث تلقت الصومالية الشابة نعيمة عبد الله تعليمها الزراعي بجامعة 19 مايو التركية لتصبح أول مهندسة زراعية صومالية تحصل على درجة بكالوريوس الزراعة وذلك عام 2018، وأعربت عن نيتها في تسخير ما تعلمته لخدمة الزراعة في بلدها الصومال.
وحتى على صعييد الموضة والجمال نافست المرأة الصومالية بقوة وحققت نتائج جيدة ، ومن بينهن حليمة آدم الصومالية التي أصبحت أول عارضة أزياء مسلمة ومحجبة في أمريكا حيث تصدرت صورها أغلفة المجلات العالمية وهي تجمع بين الأناقة والاحتشام.
لاتقتصر النماذج النسائية الصومالية المتفردة على الفترة الحالية، بل تمتد لأزمنة بعيدة كانت شاهدة على إنجازات كبيرة لبنات الصومال. ويسجل التاريخ أن السيدة أصلي حسن عبادي كانت أول امرأة عربية تقود طائرة حربية في المنطقة العربية عام 1977 حيث شاركت في الخدمة العسكرية قبل انضمامها إلى القوات الجوية الصومالية، لتصبح من أشهر قادة الطائرات في العالم. ولم تتوقف جهود عبادي بعد بلوغها الستين حيث حرصت على نقل خبراتها للأجيال الجديدة دعما لبلدها الصومال.
لاشك أن هذه النماذج لصاحبات التجارب الواقعية الناجحة من بنات الصومال داخليا وعالميا، تؤكد القدرات التي تتمتع بها المرأة الصومالية ومدى أهمية الدور الذي يمكن أن تفيد بها بلادها إذا ما فتحت أمامها الأبواب الموصدة وتم تشجيعها وإتاحة الفرصة العادلة لها وكفالة الحياة الآمنة والمستقرة. لقد كانت المرأة الصومالية معطاءة ومتعاونة في مختلف المجالات بصورة تعكس وطنيتها التي لاتقل أبدا عن أي رجل صومالي. ولكن يظل ما حققته من إنجازات أو ما جنته من ثمار حقوقية نسوية لايتناسب أبدا مع ما قدمته من تضحيات وما دفعته من فواتير باهظة الثمن. لقد أكدت الخبرات العملية أن المرأة الصومالية التي سافرت وتعلمت وسط مكونات بيئية إيجابية، استطاعت أن تحقق إنجازات كبيرة تنافس بها الأجانب بل وتفوقت عليهم في بعض الأحيان كما في حالة إلهان عمر.
لذلك يجب تقديم مزيد من الدعم والحماية لحقوق المرأة الصومالية في التعليم والصحة والحياة الكريمة لتمكينها من القيام بدورها على أكمل وجه والاستفادة من ثمار هذا الدور بما يعود بالفائدة على المجتمع الصومالي ككل باعتبار أن المرأة هي نصف المجتمع الذي يربي باقي أفراده إناثا وذكورا.