أجندة ساخنة وملفات شائكة أمام الإدارة المصرية للإتحاد الإفريقي
صفاء عزب
آخر تحديث: 26/02/2019
القاهرة- يعد تسلم مصر لرئاسة الإتحاد الإفريقي حدثا مهما بالنسبة لمصر والمصريين، كما يمثل محطة مهمة من محطات علاقتها بالقارة السمراء، إذ تأتي هذه الخطوة لتطوي فترة من القطيعة بين الطرفين بعد تعليق الإتحاد لعضوية مصر لفترة بعد ثورة 30 يونيو، ومن ثم فهي تمثل دعما للدبلوماسية المصرية وجهودها نحو إعادة مد الجسور تجاه دول إفريقيا. كما يعول المصريون كثيرا على رئاسة مصر للإتحاد هذا العام في فتح الآفاق الثقافية والإقتصادية وتوطيد أواصر التعاون وتعميق الشراكة مع مختلف دول القارة الإفريقية.
ومن جهة أخرى تأمل دول الإتحاد في أن تنجح الرئاسة المصرية في إنجاز وإدارة العديد من قضايا القارة المزمنة والتي تزدحم بها أجندة الإتحاد وعلى رأسها مشكلة الإرهاب، حيث يتم التعويل على خبرات مصر في مواجهة هذا الخطر الكبير والإستفادة منها في مواجهته في أنحاء أخرى من قارة إفريقيا، خاصة في ظل مؤسساتها الدينية المعروفة بالوسطية والإعتدال والتصدي للتطرف.
واقع الأمر أن علاقة مصر بالقارة الإفريقية وشعوبها لها جذور عميقة في تاريخ العلاقات السياسية، تعود للحقبة الناصرية التي يرجع إليها الفضل في تأسيس منظمة الوحدة الإفريقية لجمع شعوب القارة، حيث كان الرئيس المصري الراحل جمال عبدالناصر هو صاحب الفكرة التى كانت بداية اجتماعاتها فى أبريل عام ١٩٥٨ في أكرا عاصمة غانا، وشارك خلالها نحو15 دولة إفريقية مستقلة واعتبر ذلك هو الاجتماع التأسيسى لمنظمة الوحدة الإفريقية، كما استضافت مصر أول قمة إفريقية على أرضها فى يوليو ١٩٦٤، وذلك قبل أن تتحول منظمة الوحدة إلى الإتحاد الإفريقي الذي تأسس عام 2002.
وامتدت هذه العلاقة على مدار التاريخ خلال عهدي الرئيسين المصريين أنور السادات وحسني مبارك، إلا أن حادث محاولة اغتيال الرئيس السابق مبارك في أديس أبابا عام 1995 تسبب في التراجع المصري في إفريقيا. وشهدت تلك الفترة فتورا إفريقيا تجاه مصر تمثل في ضعف التأييد الإفريقي للمواقف المصرية، وتهميش دور مصر في تسوية الصراعات الإفريقية.
وشهدت فترة ما بعد أحداث ثورة 30 يونيو برودة شديدة وجمودا في العلاقات المصرية الإفريقية نتيجة لاختلاف وجهات النظر وعدم وضوح الرؤية الإفريقية لما يدور في مصر، إلا أن الفترة الأخيرة شهدت استعادة للعلاقات الدافئة بين الطرفين، من خلال نشاط دبلوماسي مكثف وتحركات واسعة للخارجية المصرية لعودة الدور المصري في إفريقيا. وهي التحركات التي توجت بفوز مصر للمرة الاولى بعضوية مجلس السلم والأمن الإفريقي خلال يناير 2016 لمقعد السنوات الثلاث 2016 – 2019 عن إقليم الشمال بتأييد 47 دولة من دول الإتحاد الإفريقي، قبل أن تتسلم مصر مؤخرا رئاسة الإتحاد الإفريقي لأول مرة منذ إنشائه عام 2002.
يضم الإتحاد الإفريقي في عضويته 54 دولة مستقلة بعد انضمام جنوب السودان عام 2011. وعلى مدار أقل من عشرين عاما نجح الإتحاد في مواجهة العديد من القضايا الطارئة وخاصة النزاعات المسلحة في القارة بكافة أنواعها الدولية والداخلية. وكانت الأزمة الصومالية من أهم القضايا التي تصدى لها الإتحاد الإفريقي وبذل جهودا كبيرة لتسويتها بين الفصائل الصومالية المسلحة والحكومة الفيدرالية، في محاولة لاستعادة الأمن والإستقرار هناك. ولكن في المقابل كشفت تلك السنوات القليلة التي مرت على تأسيس الإتحاد، عن وجود صعوبات وتحديات كثيرة تعوقه عن العمل في تسوية المنازعات والصراعات المسلحة، منها ضعف الدعم المادي واللوجيستي، وهو ما يتطلب محاولات حثيثة لإيجاد حلول لهذه التحديات.
ولكن هناك مؤشرات إيجابية في عمل الإتحاد الإفريقي تعكس حجم الفرص المحتملة والمتاحة أمامه لتحسين مستوى أدائه وتمكينه من التغلب على التحديات وذلك لو أحسن استغلال تلك الفرص بما يسهم في إعادة الأمن والسلم لدول القارة.
خلال القمة الإفريقية التي شهدت مؤخرا تسليم رئاسة الإتحاد للرئيس المصري، ناقش زعماء دول إفريقيا قضايا كثيرة كانت محل نشاط الإتحاد خلال عام 2018 ، تتصل بالإصلاح المؤسسي، والتحديات المتعلقة بالإصلاح المالي والإداري في الاتحاد الإفريقي. كما تم التطرق إلى اتفاقية التجارة الحرة الإفريقية والتقدم الحادث بشأنها.
لذلك تبقى هناك أجندة مثقلة بالملفات المهمة والقضايا الحيوية العالقة، في انتظار جهود مصر في معالجة مثل هذه الملفات والتعاطي معها، إلى جانب مشروعات التنمية وآمال التكامل الإقتصادي ومتطلبات الشراكة في مختلف المجالات، والتي تعود بالنفع والفائدة على شعوب القارة الإفريقية وتسهم في تعظيم استفادتهم من ثرواتهم ومواردهم.
ويمكن تقسيم تلك الملفات إلى أمنية وسياسية واقتصادية، ويأتي ملف الأمن الإفريقي ومواجهة الإرهاب في مقدمة الملفات الشائكة التي تنتظر مصر للإدلاء بدلوها فيها من واقع خبراتها الأمنية في هذا المجال، وهو ما يتداخل مع الملفات المتعلقة بكفالة السلم والأمن الإفريقيين ودعم السياسات الوقائية في هذا الصدد. كما يتصدر موضوع الأمن المائي الملفات الحيوية أمام رئاسة مصر ولا سيما موضوع سد النهضة وما يرتبط به من إجراءات لتأمين دول المصب ومنهم مصر لحماية شعوبهم من العطش والفقر المائي.
وعلى المستوى السياسي تتصدر الأزمة الليبية جدول الأعمال المطروح أمام الرئاسة المصرية، وهي تحتاج لمواصلة الجهود الجماعية لتحقيق الإستقرار في ليبيا. وتعد أزمات الصومال الداخلية وكذلك خلافاتها الحدودية الخارجية من الملفات التي تحتاج إلى رعاية واهتمام من أجل أن يستقر السلام في منطقة القرن الإفريقي. ويعد ملف الهجرة غير الشرعية من الملفات الحيوية والدائمة على طاولة رؤساء الإتحاد الإفريقي لما تسببه من صداع مزمن ليس في قارة إفريقيا فقط، وإنما في أوروبا وغيرها من الدول التي تعاني من توابع هذه الهجرة غير الشرعية. كما تنتظر مصر قضايا تتعلق بالممارسات الديمقراطية وحقوق الإنسان المنتهكة في كثير من دول القارة وتحتاج لإعادة ضبط لتحسين المناخ السياسي وتفعيل الديمقراطية. ويرتبط ذلك بمحور مهم على أجندة عمل الرئاسة المصرية للإتحاد الإفريقي وهو المحور الإقتصادي والذي لاينفصل عن باقي المحاور، ويتطلب فتح ملفات خاصة بمنطقة التجارة الحرة، والتكامل الإقتصادي وتعزيز التجارة البينية في إفريقيا، وإحداث تطوير اقتصادي يشمل البنية التحتية وغيرها من الأنظمة بما يتواكب مع متطلبات أجندة 2063 الإفريقية.
وقد أعلنت مصر منذ اللحظات الأولى لتسلمها رئاسة الإتحاد عن الخطوط العريضة لتعاطيها مع قضايا القارة السمراء وإدارتها لمشاكلها وملفاتها الساخنة خلال تلك الفترة. حيث تعتمد الخطة المصرية على تحقيق التنمية الاقتصادية من أجل القضاء على الفقر والهجرة غير الشرعية، وإيجاد فرص استثمارية من أجل خلق فرص عمل لشباب إفريقيا، ومواجهة الإرهاب. يأتي ذلك إلى جانب ما أعلنه الرئيس السيسي عن مواصلة الطريق من أجل الإصلاح الهيكلي والمالي للاتحاد، واستكمال ما تحقق من إنجازات وتطوير أدوات وقدرات الاتحاد بما يلبي تطلعات الشعوب. كما تعد منطقة التجارة الحرة القارية (CFTA)، إحدى المبادرات الرئيسية المدعومة من القاهرة وقد وافق عليها 44 من بين 55 دولة من الأعضاء في مارس 2018.
وعلى الرغم من الحماس الكبير من الجانب المصري في إدارة قضايا القارة السمراء وملفاتها المهمة، إلا أن هناك من يرى أن المهمة لن تكون سهلة وأن الأمر يختلف عن إدارة شؤون بلد بمفرده حيث يتطلب، تعاونا وموافقة إفريقية على جميع ما تتخذه الإدارة المصرية من جهود تجاه تلك الملفات لأنها تعمل في إطار جماعي من دول القارة. وهو ما يعني صعوبة المهمة المصرية في إقناع جنوب إفريقيا على سبيل المثال للتصديق على الإتفاقية التجارية والتي اعترضت عليها من قبل.
كما يرى المراقبون أن هناك حدودا للسلطة التي يتمتع بها رئيس الاتحاد الإفريقي، ومن ثم فالأمر لن يخلو من اعتراضات من جانب بعض الأطراف تجاه بعض القضايا خاصة ما يتعلق بالأمور السياسية الداخلية، وهو ما عاناه الرئيس الرواندي السابق للإتحاد الإفريقي عندما أبدى شكوكا حول النتائج التي توصلت إليها انتخابات الرئاسة في جمهورية الكونغو الديمقراطية والتي فاز بها رسميا فيليكس تشسيكيدي، ولكن رغم ذلك تم التصديق على هذه النتائج من قبل المحكمة الدستورية في جمهورية الكونغو الديمقراطية، بل ورحبت بها دول كبرى مثل جنوب إفريقيا وكينيا.
وتأتي الرئاسة المصرية للقارة الإفريقية في فترة حافلة بالأحداث والمشاكل السياسية والأمنية في ربوع القارة السمراء، ومن ثم تبقى تجربة مصر على المحك كما تظل محل اختبار عبر المواقف العديدة التي ستواجهها، ولكن احتمالات النجاح تبقى كبيرة في ظل خبراتها الطويلة والسابقة في ساحة العمل الإفريقي، شريطة أن تكون الجهود المصرية في إدارة رئاسة الإتحاد الإفريقي في تماس مع متطلبات شعوب القارة، خاصة ما يتعلق بالإستقرار السياسي والتنمية الإقتصادية. ولاشك أن نجاح الإدارة المصرية في التعاطي مع ملفات القارة المهمة يعتمد أيضا على التحركات المصرية النشطة والعمل الدؤوب مع جميع الأطراف الإفريقية لتحقيق التقارب في وجهات النظر والنجاح في تحقيق الإنجازات المطلوبة دون مواجهة إعتراضات أو معوقات. وعلى الجانب الآخر، فإن على دول الإتحاد الإفريقي أن تبدي ملامح التعاون والتفاهم مع الإدارة المصرية والإعتماد على المفاوضات الهادئة في مناقشة القضايا الخلافية للخروج بنتائج إيجابية في صالح الجميع.