استفادة دول القرن الإفريقي من المساعدات الأوروبية
صفاء عزب
آخر تحديث: 3/02/2019
القاهرة- تعد منطقة القرن الإفريقي من أكثر المناطق ثراء بالمزايا الاقتصادية والمواقع الإستراتيجية والموارد الطبيعية، ومع ذلك فهي تعاني من مشكلات اقتصادية كبيرة وزيادة عدد الفقراء، على الرغم مما يمكن أن تدره عليها هذه المزايا لو تم استغلالها بالشكل الأمثل. لذلك تأتي أهمية المشروعات التي تدعمها الدول الأجنبية خاصة فيما يتعلق بالبنية الأساسية ومشروعات كفالة الحياة الكريمة لشعوب هذه المنطقة.
ويأتي الاتحاد الأوروبي على رأس الكيانات الدولية الأجنبية التي تحرص على إقامة مشروعات حيوية في دول القرن الإفريقي، بل إنه من أكبر المانحين للمساعدات الإنسانية لشعوب القرن الإفريقي. وتجاوز إجمالي مخصصاته لشعوب هذه المنطقة ما بين عامي 2011 و 2014 المليار يورو بما فيها حزمة من المشروعات قيمتها 174.4 مليون يورو. وقد استهدفت هذه المنح تحقيق الاستقرار ومعالجة القضايا المزمنة كالهجرة غير الشرعية، إضافة إلى مشروعات متنوعة في السودان وجنوبه والصومال وإثيوبيا وأوغندا.
ويأتي ذلك في إطار الشراكة الاستراتيجية التي انطلقت مع مطلع الألفية الثالثة بين أوروبا وقارة إفريقيا عامة خلال مؤتمر قمة أوروبي إفريقي بالقاهرة عام 2000. وفي عام 2001 انطلقت مبادرة إفريقية لجلب الإستثمار الأوروبي والخارجي للقارة السمراء وهي مبادرة النيباد. أعقب ذلك قمم متتالية مشتركة في طرابلس، وبروكسل لمناقشة القضايا المهمة للطرفين بما فيها المشروعات التنموية.
وعلى مستوى منطقة القرن الإفريقي تحظى إثيوبيا بشراكة طويلة الأمد مع الجانب الأوروبي، حيث وقع الطرفان شراكة استراتيجية عام 2016 للتعاون في شتى المجالات بما فيها التجارة والاستثمار، وحصلت بمقتضاها إثيوبيا على نصيب الأسد من المنح والمساعدات بين دول القرن الإفريقي.
بعد توقيع اتفاق السلام بين إثيوبيا وإريتريا في العام الماضي، ارتفعت درجة الحماس الدولي وخاصة الأوروبي لتعزيز هذا السلام بمزيد من المشروعات الأساسية التي تساعد في دعم البنية الأساسية لدى الدولتين وتقوية علاقات التعاون فيما بينهما.
ونجحت إثيوبيا في جني ثمار السلام مع إريتريا، من خلال توقيع العديد من الإتفاقيات الاقتصادية مع الإتحاد الأوروبي كان من أحدثها توقيع اتفاقية بقيمة 130 مليون يورو في العاصمة البلجكية بروكسل، إضافة إلى اتفاقيات تمويل بين الطرفين في مجال الطاقة المستدامة وإنشاء مجمعات للصناعات الزراعية تسهم في خلق مزيد من فرص العمل.
ويعد مشروع سكة حديد إريتريا-إثيوبيا من أهم المشروعات المطروحة حديثا على الساحة بين القرن الإفريقي ودول أوروبا. وفي تصريحات لرئيس الوزراء الإيطالي جوسيب كونتي، أكد أن هذا المشروع جزء لا يتجزأ من قطاعات التعاون المحتملة بين الدول الثلاث والتي تتضمن أيضا مشاريع لمعالجة انعدام الأمن الغذائي للأطفال في المدارس الإثيوبية، وإعادة تأهيل الجنود الإثيوبيين الذين عادوا من الحدود الإثيوبية – الإريترية عقب تنفيذ اتفاقية السلام بين البلدين. كما وقع الاتحاد الأوروبي وإثيوبيا في نوفمبر الماضي اتفاقية قرض بـ34 مليون دولار أمريكي مخصص لمساعدة سيدات الأعمال في إثيوبيا. وإلى جانب ذلك فإن الاتحاد الأوروبي أعلن عن تقديم منحة بقيمة 2.5 مليون يورو لمكتب منظمة اليونيسيف في إثيوبيا لتحسين التغذية للأطفال الذين يعانون من سوء تغذية حاد في البلاد.
وعلى مستوى العلاقات الثنائية، نجحت إثيوبيا أيضا في الحصول على دعم كبير من دول أوروبا منفردة، وقد شهدت زيارة الرئيس الألماني لإثيوبيا مؤخرا مفاوضات ومباحثات للتعاون في الاستثمار والتدريب المهني. كما تقدم بريطانيا سنويا أكثر من 340 مليون دولار إلى إثيوبيا لدعم الأنشطة التنموية فيها. وقد حصلت إثيوبيا مؤخرا على منحة قدرها 176 مليون استرليني من بريطانيا وأيرلندا لرفع مستوى تعليم الأطفال والشباب.
وعلى عكس إثيوبيا يبدو نصيب إريتريا من المساعدات الدولية قليلا، ويرجع ذلك إلى الحظر الذي تعرضت له لسنوات طويلة، والذي دفع الاتحاد الأوروبي لحرمانها من حزمة مساعدات كانت موجهة لشرق إفريقيا. واقتصر الأمر على المشروعات التعدينية والتي عملت فيها شركات كندية وصينية وأسترالية مما فتح المجال أمام الصين لاستغلال هذا الفراغ ومحاولة الدخول إلى الأسواق الإريترية وتنفيذ استثمارات في مجال الطاقة والكهرباء.
وتعتبر كينيا من دول الشرق الإفريقي التي حظيت أيضا بقدر كبير من المساعدات الخاصة بدعم مشروعات حيوية على أرضها، وقد توج هذا التعاون مؤخرا بإعلانها اعتزام الدخول في تنفيذ اتفاقيات الشراكة الإقتصادية مع الإتحاد الأوروبي، وذلك على الرغم من أن دولاً أخرى في باقي مجموعة دول شرق إفريقيا لم تصادق على هذه الاتفاقيات. وقد أشار أندرز بيبالجز مفوض التنمية بالاتحاد الأوروبى إلى أنه تمت الموافقة حتى الآن على 39 برنامجا وطنيا للتنمية، يصل إجمالي قيمتها إلى 787 مليار شلن كينى.
ويعد الاتحاد الأوروبي منافسا قويا للصين في كل من إثيوبيا وكينيا وغيرهما من دول شرق إفريقيا. وفي ديسمبر 2018 وقعت كينيا على اتفاقات بقروض ومنح تقدر قيمتها بما يعادل 4.5 مليار يورو من الاتحاد الأوروبي. يأتي ذلك تأكيدا لبيان الاتحاد الأوروبي بشأن تقديم المنح والقروض خلال الفترة ما بين عامي 2018 و2022 في إطار استراتيجية تعاون مشتركة، تستهدف تحسين الأوضاع الصحية والمساكن والأمن الغذائي للشعب الكيني ودعم التصنيع. كما أبدت الكتلة الاقتصادية للاتحاد الأوروبي والممثلة في بنك الاستثمار الأوروبي، اهتماما كبيرا بدعم المشروعات الكبرى في مومباسا خاصة ما يتعلق برفع كفاءة هذا الميناء الحيوي الذي يعد بوابة العبور لشرق إفريقيا.
وتعتبر الصومال من أقل الدول حظا في الاستفادة من الدعم الأوروبي للمشروعات الحيوية والتنموية، والسبب في ذلك يرجع إلى معاناتها من عدم الإستقرار والصراعات المزمنة. وبشكل عام لا توجد استثمارات دولية كبيرة، حيث يقدم الصندوق النرويجي دعما للمشروعات الصغيرة في الصومال والتي لا تجد تمويلا، وذلك برأسمال قدره عشرة ملايين دولار. وقد تم إنشاء هذا الصندوق بمشاركة بين النرويج والدانمارك للاستفادة من فرص الاستثمار بمنطقة القرن الإفريقي، هو أمر على ضآلته إلا أنه يعكس إدراك الاوروبيين ومنهم الإسكندنافيون بالأهمية الاستثمارية لمنطقة القرن الإفريقي. ولا شك أن الصومال يتمتع بالعديد من الفرص الاستثمارية المتنوعة في شتى المجالات، والتي تحتاج إلى رؤوس أموال جرئية لا تتعجل المكسب.
وبنظرة عامة على المشروعات الأوروبية أو تلك التي تدعمها أوروبا بأموالها داخل منطقة القرن الإفريقي، نجد أنها تتفاوت من بلد لآخر بحسب مستوى الاستقرار داخل الدولة ودرجة قوة علاقتها بدول أوروبا. ويكمن سبب اهتمام أوروبا بدعم ومساعدة تلك المنطقة المهمة في القارة السمراء، في تحقيق هدف التصدي للمنافسة الصينية وفتح أسواق جديدة أمام منتجاتهم باعتبار أن السوق الإفريقي يمثل خمس الأسواق العالمية. ومن ناحية أخرى تحرص أوروبا على دعم الشراكة الاستراتيجية مع الأفارقة لأهداف أمنية وهو ما يتطلب دعم ذلك بمخطط اقتصادي يربط بين إفريقيا وأوروبا من خلال تلك المشروعات التي يدعمها والاستثمارات التي يشارك فيها وتضمن له الوصول للموارد الطبيعية والثروات الخاصة بتلك الدول.
وبالنظر في المقابل إلى المصالح التي تعود على دول منطقة القرن الإفريقي، أو الجدوى الاقتصادية التي تحققها المشروعات الأوروبية لشعوب تلك المنطقة، نجدها لا ترتقي إلى المستوى المنتظر منها لضآلة تأثيرها في ظل المشاكل الكبرى التي تعاني منها هذه الدول وأخطرها الفساد والإرهاب والصراعات القبلية التي لا تنتهي. وكي تؤتي هذه المساعدات ثمارها يجب ألا تكون مشروطة بتوجيهها في اتجاهات ليست لها الأولوية، كما يجب أن تستغل في جوانب إنتاجية استثمارية وتحت إشراف نظام محاسبي يضمن الشفافية في إدارة هذه الأموال ضمانا لتحقيق المشروعات الحيوية. ولابد أن يتواكب ذلك مع وجود إرادة حقيقية لدى ساسة هذه الدول نحو إدارة جيدة للنظام الاقتصادي تعتمد على الطاقة الإنتاجية بعيدا عن التوجه الاستهلاكي الذي يتسبب في إغراق الدول في الديون التي تلتهم أية مساعدات. وتعد إثيوبيا من الدول التي نجحت في تحقيق طفرة اقتصادية كبرى انعكست إيجابيا على مستوى المعيشة، وهو أمر لم يعتمد على المنح والقروض بقدر اعتماده على جهود الإثيوبيين أنفسهم في العمل وزيادة الإنتاج، والتحول نحو الاستثمار في المشروعات العملاقة كما في مشروع سد النهضة، الأمر الذي يعطي ثقة في الاقتصاد الإثيوبي من قبل دول أوروبا لتقديم الدعم بشكل أفضل.
ولأن الاتحاد قوة، يبقى التعاون بين دول المنطقة هو حجر الزاوية لتحقيق التقدم الاقتصادي والتنمية بما يسهم في تقليل الاعتماد على الخارج وتحقيق التكامل المنشود منذ سنوات، ومن ثم يمكن لهذه الدول أن تقيم تعاونا وشراكات مع الأوروبيين على مبدأ توازن المصالح بين الطرفين.