المصرف الإسلامي وصيغ العمل فيه (الجزء العاشر)
بشير نور علي
آخر تحديث: 28/01/2019
قراءة التقرير أو تنزيله بصيغة بي دي اف انقر هنا
التقرير الأسبوعي
الرقم 58
توطئة الحلقة
من رحمة الله على عباده أن أحل لهم البيع، وجعل الإباحة أصلا للعقود، ولم يجعل نوعا واحدا حتى يتمكنوا من تنويع معاملاتهم، حيث يحل للشخص معاوضة ثمن بثمن ( صرف العملات) يدا بيد. أو معاوضة عين بثمن مؤجل ( دين). أو معاوضة ثمن مؤجل بعين مؤجلة وهو بيع كالئ بكالئ، وهو من البيوع المنهية عنها. أو بيع عين مؤجلة بثمن معجل( بيع السلم). وهو الذي نحن بصدد البحث عنه في هذا الجزء من الدراسة، ونبدأ مستعينين بالله العلي القدير.
تعريف عقد السلم
السَّلَم لغة مأخوذٌ من أصل يتكون من ثلاثة أحرف وهي ( س ل م ) وزيد عليه الهمزة والتصعيف حتي صار أَسْلَمَ وسَلَّمَ إذا أَسْلَفَ، والسَّلَف بمعنى واحد، ويقال كذلك سَلَّم وأَسلَم وسَلَّف وأسْلَف؛ وقد سُمي سلفا لما فيه من تقديمً وتسليف لرأس المال، وكذلك سمي بالسَّلم لأنّ فيه تسليماً لرأس المال في المجلس.
وفي الاصطلاح يعرف السلم بأنه: ” بيع السلم مؤجل بمعجل”.
يعني: “أن يُسلِّم المشتري رأس المال للبائع في مجلس العقد قبل أن يستلم السِّلعة التي اشتراها منه على أن يعطيه إياها البائع بعد تحديد أوصافها في أَجَلٍ ووقتٍ معلوم. أوهو “بيع سلعةٍ آجلة موصوفة في الذمة بثمن مُقَدَّم”. أو “أن يُسْلِم عوضاً حاضراً ، في عوض موصوف في الذمة إلى أجل” .
ولأصحاب المذاهب تعاريف مختلفة في تعريف بيع السلم تعريفا اصطلاحيا وهذا يعود إلى اختلافهم في اشتراط كون المسلم مؤجلا أوحالا؛ “حيث اشترطت الحنفية، والحنابلة كون المسلم فيه مؤجلا لا معجلا ، ويعود اختلافهم أيضا إلى اختلافهم في اشتراط تسليم الثمن في مجلس العقد؛ حيث أجازت المالكية تسليم رأس المال في مجلس العقد، وأجازوا تأجيله اليومين والثلاثة لخفة الأمر”.
لذلك عرفت الحنفية والحنبلية بأنه “عقد على موصوف في الذمة مؤجل بثمن مقبوض في مجلس العقد”.
كما عرفته المالكية: بأنه “بيع معلوم في الذمة محصور بالصفة بعين حاضرة أو ما هو في حكمها إلى أجل معلوم” .
وعرفته الشافعية بأنه “عقد على موصوف في الذمة ببدل يعطى عاجلا”.
فعقد السلم على نوعين الأول هو العقد المعروف لدى القفهاء القدامى والمعروفة إلى الآن أيضا، وهناك نوع آخر مشهور لدى المصارف بعقد السلم الموازي وهو “عبارة عن عقدين من السلم بنفس مواصفات السلعة مع تساو أو اختلاف في الأجل، و طبعا فارق في الثمن، بشرط عدم الربط بينهما. أي أن يبرم العاقد صفقة شراء بالسلم، ثم يبرم صفقة بيع أخرى بالسلم بدون ربط بينهما؛ بحيث يعزم على أن ينفذ الصفقة الثانية مما يتسلمه من الصفقة الأولى. ومثال ذلك أن يأتي مزارع إلى مؤسسة التمويل ليبيعها محصوله من الزيتون و يسلمه في وقت الجني، و تدفع مؤسسة التمويل الثمن للمزارع، ثم تقوم بالتعاقد مع طرف آخر لبيعه كمية الزيتون بتاريخ آخر متفق عليه، و يتم ذلك من خلال عقدين منفصلين”.
عقد السلم من العقود الآجلة؛ لذلك يقال في تعريفه “بيع آجل بعاجل” ، وهو من البيوع المباحة، والمشروعة لحاجة الناس إليه، فالمزارع قد لا يملك المال الذي يكفيه لإصلاح أرضه والاعتناء بها وزراعتها، كما أنّه قد لا يجد من يقرِضه، فيلجأ المزارع إلى هذا البيع حتى يسدّ به حاجته، وكذلك فإنّ المشتري ينتفع من وراء تخفيض الثمن، إذ إنّ الثمن الذي يقدّمه المشتري للمزارع مقابل السلعة المؤجلة يكون في العادة أقلّ مما لو اشترى منه سلعةً حاضرة، إلى جانب ذلك فبيع السلم صيغة من صيغ الاستثمار والتمويل في مجال الزراعة، ويدل على جواز هذا ما يرويه عبدالله بن عباس – رضي الله عنهما- عن النبي صلى الله عليه وسلم ، حينما قدم المدينة المنورة وهم يُسلِفونَ بالتمرِ السَّنَتَينِ والثلاثَ، فقال: مَن أسلَف في شيءٍ ففي كَيلٍ معلومٍ، إلى أجلٍ معلومٍ)، وفي رواية: (فلْيُسلِفْ في كَيلٍ معلومٍ، إلى أجلٍ معلومٍ).
صورة بيع السلم
“صورة بيع السّلم: أن يأتي العميل إلى المصرف أو المؤسسة التي تعمل في الزراعة، فيقول لها: أُعطيك هذا المبلغ من المال (ويسمي المبلغ) نقداً حالاً على أن تُعطيني مقابله طُنّاً من القمح في هذا المكان الفلاني (ويسمي المكان) في موسم الحصاد القادم، فيَقْبل المصرف أو المؤسسة العرض من العميل، وتستلم الثمن منه في نفس المجلس، وتسلِّمه القمح في الموسم المتَّفق عليه، وفي المكان الذي حدداه له، وبالقدر والوصف الذي تمّ الاتفاق عليه بينهما”.
أركان وشروط بيع السلم
هي ثلاثة عند الجمهور
عاقدان: وهما العميل/ المشتري” المسلم “، و المصرف / البائع أو ” المسلم إليه .
المعقود عليه: و يشمل الثمن، و السلعة المسلم فيه.
الصيغة: تشمل الايجاب و القبول، وسادة الأحناف يرون أن لعقد السلم ركنا واحدا وهو الصيغة.
ثم أن المذاهب تباينت آراءها في اللفظ الذي تصحُّ به صيغة عقد السلم.
فجمهور العلماء يرون أنّ عقد السلم يصح بلفظ البيع، أو السَّلم، أو السَّلف، بينما ترى الشافعية أنّه لا ينعقد إلا بلفظ السَّلَم.
شروط بيع السلم
بما أن السلم عقد من عقود المعاملات المالية فيشترط له ما يشترط لعقد البيع بالإضافه الى شروط أخرى وهي كالتالي:
شروط المسلم فيه
يشترط في المسلم فيه (المال العينيّ أو السلعة التي جرى العقد عليها على أن يُسلّمها البائع للمشتري في أجلٍ معين) شروط خمسة.
1. أن تكون معلومة الجنس.
2. أن تكون معلومة القدر.
3. أن تكون معلومة الوصف.
4. أن تكون معلومة الأجل.
5. أن تكون معلومة الموضع في مجلس العقد.
شروط المسلم
يُشترط في المسلم مجموعةٌ من الشروط هي:
1. أن يكون معلوم الجنس
2. أن يكون معلوم القدر.
3. أن يكون معلوم النوع.
4. أن يكون معلوم الصفة.
5. أن يتمّ تسليمه في مجلس العقد حال الاتفاق.
مجالات تطبيق عقد السلم
يمكن تطبيق عقد السلم في مجالات متعددة من مجالات التمويل الاسلامي مثل النشاط التجاري و الصناعي، بحيث يدعم عقد السلم التجار المحتاجين إلى المال العاجل لتنفيذ مشاريعهم التجارية في انتاج و تصدير السلع والمنتجات, “ويمكن تطبيق هذا العقد بين تجار الجملة الذين يتعاقدون مع أصحاب المصانع التي تنتج السلع التي يتاجرون بها، مقابل أن يدفعوا ثمنها مقدما ثم يتسلموا هذه السلع بعد المدة المتفق عليها .
وعلى هذا المنوال يمكن للمزارعين، واصحاب المصانع، وكذا المقاولين الاستفادة من هذا العقد بحيث يتقدمون بطلب إلى المصارف لمدهم بالأموال اللازمة لشراء المواد الخام.
خطوات تنفيذ عقد السلم في المصارف
لتفادي المخاطر التي تحيط بعمليات التمويل التي تجريها المصارف، لا بد من اتخاد خطوات مدروسة تتبعها المصارف للمساهمة في عقد السلم وهي على هذا النحو:
1) يتقدم العميل بطلب للحصول على تمويل بطريقة السلم، محددا السلعة التي سيبيعها للبنك، وثمن البيع، ووقت التسليم.
2) يقوم البنك الاسلامي بدراسة طلب العميل حسب المعايير المعمول بها.
3) إبلاغ البنك الاسلامي للعميل بتفاصيل الموافقة على طلبه.
4) يتم توقيع العقد بعد موافقة الطرفين على تفاصيل العملية.
5) تسليم الثمن المتفق عليه للعميل عند ابرام العقد.
6) استلام البنك الاسلامي للبضاعة في الأجل المحدد و قيامه بتصريفها.