التحديات الاستراتيجية التي تواجه جيبوتي في ظل المتغيرات الإقليمية والدولية الراهنة
عبد الله الفاتح
آخر تحديث: 25/12/2018
تواجه جمهورية جيبوتي العديد من التحديات الاستراتيجيـة التي تشكل خطـراً حقيقيـاً على أمنها واستقرارها، في ظل التحولات السياسية في منطقة القرن الإفريقي، والمحاولات الجارية لإعادة صياغة التحالفات الإقليميـة وتغييـر موازين القوة في المنطقة وفق مصالح الدول الكبرى وحلفائها.
هذا الأمر جعل المنطقة تعيش في حالة غليان سياسي واجتماعي لبيئتها الداخلية، وسبب أيضاً اهـتـزازا في طبيعـة العلاقات الثنائيـة لدول المنطقة.
كما سبقت الإشارة أعلاه، فإن جيبـوتي تواجه حالياً جملـة من التحديات الاستراتيجيـة المفروضة عليهـا من الخارج، بفعل المتغيـرات الجذريـة التي بدأت مع الاستراتيجية المعلنة من الغرب لمكافحة الإرهاب ومنــع انتشاره على هـذه المنطقة ذات الأهمية الحيويـة لحركة الملاحة الدوليـة، وانتهاء بدخول دول أخرى على مسرح الأحداث واتساع دائرة الاهتمام العالمي بالمنطقة وما يجري فيهـا من أحداث، لأجل إدماج دولها في فضاءات الاستراتيجيات الدولية، والسعي لوضع حلول عاجلة للحالة السياسية والاجتماعية المتأزمة في المنطقة.
ولا يخفى أن الولايات المتحدة الأمريكيـة تحركت مباشرة لإعادة ترتيب الأوضاع في إثيوبيا لضمان عدم خروج الأحـداث عن السيطرة خاصة في ظل بروز قوميـة الأورومو ذات الأغلبيـة المسلمة في المنطقة.
وبذلك تكون القوة وما يرتبط بها من موازين وتوازنات، تمثل أحد العوامل المهمة في تصاعد الاهتمام الدولي بهذه المنطقة، وبالتالي فإن التحرك الأمريكي في المنطقة حالياً يسعى لتحقيق جملة من الأهداف الاستراتيجيـة، تتمثل في الضبط والسيطرة وتحقيق الاستقرار في إثيوبيا حفاظاً على وحدتها وتماسكها من التفكك والانهيار، ولضمان التوازن السياسي والاجتماعي الذي يحافظ لإثيوبيا على طابعها التاريخي ودورها وريادتها ، باعتبارها الدولـة المركزية في المنطقة خاصة وأن واشنطن تنظر إلي إثيوبيا حليفاً استراتيجياً مهماً يجب المحافظة عليه بأي ثمـن وفي ظل أية ظروف، الأمر الذي يؤكد على أهميتها الاستراتيجيـة وفاعليتها الاقتصادية والسياسية والأمنيـة والعسكرية.
وبناء عليه تحرك حلفاء الولايات المتحدة في المنطقة للتجاوب مع سياسات رئيس الوزراء الإثيوبي الجديد أبي أحمد علي، ولإظهاره بأنه قادر على تحقيق السلام في المنطقة وكذلك العدالة والاستقرار والتنميـة في إثيوبيا.
ووضح ذلك جلياً في شبكة التفاعلات والتحالفات الجديدة التي تحدث بين النظم السياسية ودور القوى الإقليمة في هذه التفاعلات، وكذلك سعيها لتموضـع يحافظ لها مكانتها أو يحقق لها مزيدا من المكتسبات.
وهنا أصبح العامل الخارجي عاملاً مهماً لإعادة صياغة الخارطة السياسية للمنطقـة، وإحداث تغيرات نوعيـة جذرية في طبيعـــة العلاقات الخارجيـة لدول المنطقة ودورها في هذه التفاعلات الإقليميـة والدوليـة الراهنـة.
ولذلك قبلت الولايات المتحدة وحلفاؤها في المنطقة بإحالة بعض الملفات الإقليميـة للنظام الإريتري، وهو ما يجعلـه في هذه المرحلةعنصراً فاعلاً ومؤثراً في التحولات الجارية في المنطقة، وحليفاً مهماً للولايات المتحدة مؤقتـا، خاصة في ظل عهـد الرئيس ترامب حيث لم يعد نوع النظام السياسي هو المعيــــار للعلاقات الأمريكيـة الدوليــــة، بل أينما كانت المصلحة تكون العلاقـة،بغض النظر عن حالة الديمقراطية ووضع حقوق الإنسان في هذه الأنظمة.
وفي خضم هذه الظروف فإن جيبوتي هي الأكثر تضرراً من تلك التغيرات، لا سيما وأن كافة التسويات الجارية تتم خصماً من نفوذها ومصالحها في المنطقـة، وإن مثل هذه التحديات الاستراتيجية محفوفة بالمخاطر، إذ لا يمكن لصانعي القرار تجاهلها أو التقليل من شأنها.
بيد أن كل التحركات التي قامت بها جيبوتي على الصعيدين السياسي والدبلوماسي لا تزال حتى الآن تتسم بالمحدودية والضعف، وهي تركز في المقام الأول على مقاومة التغييــر أو إبعاد تداعياته وانعكاساته على الساحة المحلية.
وفي رأي كثير من المحلليـن، فإن مثل هذا السلوك السياسي غير الاستراتيجي لا يمكن أن يجلب لها على المدى المنظور والبعيد إلا مزيدا من التهميش وعدم الفاعلية، وهو ما يستدعي إعادة النظر في تموضعها وأهميتها في المنطقـة، وبالتالي لا بـد لها من مواجهة تلك التحديات والتعامل بالواقعيــة اللازمة إزاء التحولات السياسيـة الجارية في المنطقة، مع أخذها بعين الاعتبار للمتغيرات الإقليمية الجديدة والظروف الدوليـة الراهنـة، كما أن توسيع العلاقات والتعاون المشترك على المستوى الإقليمي والدولي من شأنه أن يضمن لها تحقيق مصالحها السياسية والاقتصادية وتقــوية موقفها التفاوضي ومركزها المالي والتجاري في المنطقة.