المصرف الإسلامي وصيغ العمل فيه (الجزء السادس)
بشير نور علي
آخر تحديث: 31/08/2018
لقراءة التقرير أو تنزيله بصيغة بي دي اف انقر هنا
التقرير الأسبوعي
الرقم 45
تكملة المضاربة
بعد أن تحدثنا عن المضاربة، أركانها وأنواعها من الأفضل أن نتحدث في هذا الجزء عن أهمية المضاربة وشروطها، والفرق بين القروض الربوية التي تدفعها المصارف التقليدية أو الربوية لزبائنها وعقد المضاربة التي تجرى في المصارف الاسلامية.
أهمية المضاربة
المضاربة صيغة من أهم صيغ التموبل الاسلامي، وتساهم في بناء النشاط الاقتصادي الإسلامي؛ إذ من خلالها يتأتى تشغيل أيادي عاملة.
تمثل المضاربة الفرصة الأمثل لمن لديه الأموال ولايعرف كيف يستمثر بها، أوالذي لا يجد وقتا كافيا للاستثمار بها دون عناء، كما توفر لرجال الأعمال والمودعين أموالهم لدى المصارف الاسلامية الفرصة في الحصول على نصيب من الأرباح دون الوقوع في الربا.
بالاضافة إلى ذلك تساعد المضاربة في التغلب على مشكلات البطالة، وخلق فرص للعمل.
شروطُ شركةِ المُضاربةِ ، ومُبطلاتُها:
يسترط للمضاربة شروط من بين تلك الشروط مايلي
1- أن يكونَ رأسُ المالِ نقدًا أو عُروضًا مُتقومةً .
2- أن يكون مُعيَّنًا معلومًا.
3- أن يُشْرطَ للعاملِ جزءٌ مُشاعٌ معلومٌ من الربح .
الفرق بين القروض الربوية وعقد المضاربة
بما أن المقترض من البنوك الربوية ( التقليدية) يأخذ النقود من البنك ويعيده إليه مع فوائد ربوية متفقة مسبقا بينه وبين البنك، والمضارب يأخذ المال من البنك الاسلامي ويعيده أيضا مع الفائدة ظن البعض أنه لا فرق في مضمون العمليتين إلا من حيث التسمية وهذا غير صحيح؛ فالمضاربة وتلك القروض تختلفان من حيث الطبيعة ومن حيث العلاقة بين طرفي العقد.
أولا من حيث الطبيعة: “نجد أن القرض يُحدد له فائدة ربوية تبعا للمبلغ المقترض والزمن الذي يستغرق القرض، كأن يكون (10%) أو أكثر أو أقل من رأس المال سنويا” .
أما في المضاربة ،” تكون الخسارة على رب المال ولا يخسر العامل إلا الجهد والفائدة تكون حسب ما يتفقه الطرفان”.
ثانيا من حيث العلاقة: فالمضاربة تختلف من القروض الربوية “من حيث العلاقة بين طرفي العملية: ففي القرض نجد العلاقة بين صاحب القرض وآخذه ليست من باب الشركة؛ فصاحب القرض له مبلغ معين محدد، ولا شأن له بعمل من أخذ القرض، ومن أخذ القرض يستثمره لنفسه فقط؛ حيث يملك المال، ويضمن رد مثله مع الزيادة الربوية، فإن كسب كثيرا فلنفسه ، وإن خسر فيتحمل وحده الخسارة”.
استكمالا لصيغة المضاربة نحاول الإجابة عن هذه الاسئلات التي غالبا ما يطرح عند الحديث عن المضاربة والاستثمار فيها، وهي كالتالي:
1. هل يجوز اشتراط جزء معيّن من الربح؟
لا يجوزُ لصاحب المال ولا للمضارب اشتراط مبلغٌ معيَّن لنفسه؛ كأن يقول اشترط عليك أن يكون لي ألف دولار، أو أن يشترط حصة شائعة مع مبلغٍ مُحدد، كنصف الربح مع مائة دولار. قال ابن المنذر: “وأجمعوا على إبطال القراض الذي يشترط أحدهما أو كلاهما لنفسه دراهم معلومة”.
وذلك لأن في ذالك الاشتراط ضررا إما على المضارب، إذا كان الاشتراط من قبل صاحب رأس المال ، أو على صاحب رأس المال إذا كان من قبل المضارب؛ لأنه قد “توانى في طلب الربح؛ لعدم فائدته فيه، وحصول نفعه لغيره، بخلافِ ما إذا كانَ له جزء من الربح”.
2. وهل لصاحب المال الحق في اشتراط ضمان رأسِ مالِ المضاربةِ؟
هذه النقطة مما تباينت فيه آراء العلماء إذ أجاز البعض ذلك بينما منع آخرون، والجدير بالذكر أن المذاهب الأربعة : الحنفية والحنبلية والشافعية والمالكية على المنع لكنهم اختلفوا أيضا في صحة العقد المصاحب لهذا الشرط وبطلانه؛ إذ الحنفية والحنبلية ذهبوا إلى بطلان الشرط وصحة العقد بمعنى أن المضاربة بصير سارية المفعول، ويبطل الشرط الذي اشترطه صاحب المال، وليس له أن يأخذ سوى النسبة الشائعة التي تم الاتفاق عليها بينه وبين المضارب.
ففي المذهب الشافعي والمالكي وفي رواية لامام أحمد : أن العقد والشرط كلاهما باطل؛ أي لا يوجد عقد أصلا، هذا مايتعلق بالمانعين.
القول الثاني: أنَّ الشرطَ صحيحٌ مُلزمٌ، وهو قول قتادة، وعبيد الله بن الحسن العنبري، وأحمد في رواية عنه، وهو المذهب الذي رجحه وانتصر له الشوكاني من المتأخرين؛ إذ الأمين قدْ رضيَ لنفسهِ بذلك الالتزامَ ما لم يكنْ يُلزمه واختارهُ، والتراضي هو المناطُ في تحليل أموال العباد، والمسلمون على شروطهم.
3. ما المقصود من توزيع الأرباح بطريقة النمر في المضاربة.؟
المقصود من مصطلح توزيع الأرباح بطريقة النمر في المضاربة هو: “أن يتم توزيع حصة أرباب الأموال من الأرباح -عند تحققها- بين أرباب الأموال المودعين لدى المؤسسة الإسلامية الاستثمارية بحسب مقدار رأس مال كل منهم مضروبا في المدة التي بقي رأس مالهم فيها لدى المؤسسة الإسلامية، كأن يودع أحدهم لدى المؤسسة ألفا لمدة شهر، وآخر ألفين لمدة شهرين، مثلا، ويكون الربح خمسمائة، فإن الأول -بموجب مبدأ التوزيع بالنمر- يستحق مائة، والثاني يستحق أربعمائة، حيث تجعل الألف الواحدة من رأس المال نمرة، والشهر الواحد من الزمن نمرة، فيستحق الأول (1×1=1) ويستحق الثاني (2×2=4) ثم تجمع نمر الأول مع نمر الثاني (1+4=5) .”.
ويستخدم هذه الطريقة في المضاربة المركبة والمختلطة والتي يختلط فيها البنك أموالا متباينة في أزمنة مختلفة، وقد تكون متباعدة. وذلك عندما يوزع البنك الفوائد والأرباح الناجمة عن الأموال المستثمرة.
ومن البداهة العلمُ بأن المبلغ الذي عمل في التجارة لمدة عام ليس مثل الذي عمل شهرا؛ لذا للعدالة يتم توزيع الفوائد إن وجدت على الطريقة الآنفة الذكر.
4. ما هي العلاقة بين المصرف والمضارب.؟
لعلاقة رب المال بالمضارب اعتبارات عده، وهي كالتالي:
يعتبر المضارب قبل أن يشرع العمل بالمال يعتبر أمينا، وإذا تلف ذلك المال قبل بدإ عملية المضاربة بدون تعد منه لا يصمن، وإذا بدأ العمل به يكون وكيلا لرب المال ويتصرف بالمال حسب الاتفاقية المبرمة فيما بينهما، وأذا كان ثمة ربح تحصل من تقليب المال الذي بيد المضارب أوالمقاول فالعلاقة بينه وبين رب المال علاقة مشاركة، جريا على قول القائلين بأنها مشاركة وليست مقايضة، واذا لم يكن هناك فوائد بل خسر المضارب في تنفيذ عملية المضاربة بسبب تعد منه تكون العلاقة بينه وبين صاحب المال علاقة غاصب ويضمن المال، وإذا دفع صاحب المال ماله للمضارب، واعطاه الربح كله دون استثناء يصبح المال قرضا، وإذا دفع صاحب المال ماله للمضاربة، وسمح المضارب لرب المال أن يحوز الربح كله يكون المضارب متبرعا، وإذا فسدت المضاربة بين العاقدين تتحول العلاقة بينهما إلى عقد اجارة، فرأس المال والربح الناتج منه للرب المال وللمضارب أجرة المثل، وإذا لم تكن ثمة فائدة فليس للمضارب شيء.
5. ما هو التكييف الفقهي للمضاربة؟
للعلماء في التكييف الفقهي للمضاربة قولان :
الأول: أنها من جنس المعاوضات كالإجارة، وهي واردة على خلاف القياس؛ لجهالة الأجرة والعمل فيها( وهو رأي الجمهور) (.
الثاني: أنها وفق القياس وهي من جنس المشاركات، إذ يتشارك العاقدان في المغنم والمغرم، يشتركان في الفائدة، والخسارة؛ لذا قصد المضارب نفع بدنه وخبرته وقصد رب المال نفع ماله، ومن خلال هذا فالمضاربة من باب الشركات وليس من المعاوضات.
6. بماذا تنتهي شركة المضاربة؟
تنتهي شركةِ المضاربة بواحد مما يأتي
1- بموتُ أحدِ الشريكين .
2- بفقدان أهليَّة أحدهما أو نقصها؛ بسبب جُنون مثلا .
3- بفسخ أحدهما؛ لأن المضاربة من العقود الاختيارية.
4 – تلف رأس مال المضاربة؛ لأنه كان بمثابة همرة الوصل التي بين الصاحب المال والمضارب.