إلى أن تتجه العلاقات الجيبوتية الإثيوبية؟
الصومال الجديد
آخر تحديث: 24/07/2018
لقد حملت التحولات السياسية غير المسبوقة التي تشهدها منطقة القرن الإفريقي، الكثير من التطورات السلبية إزاء العلاقات الجيبوتية – الإثيوبية، التي كان ينظر إليها دائماً على أنها “علاقات استراتيجية راسخة” تمثل نموذجاً لبقية الدول الإفريقية.
فإن العلاقات التاريخية بين البلدين”جيبوتي وإثيوبيا” تمر اليوم بمنعطف تاريخي في غاية الخطورة، بفعل تلك المتغيرات الجيوبولتيكية الكبيرة الجارية في المنطقة، والتي أفضت إلى حالة من الفتور والتوتر “المكتوم” بين النظامين الحليفين تقليدياً.
ومع أن علامات الخلاف بدأت تظهر على السطح، أثناء الزيارة التي قام بها رئيس الوزراء الإثيوبي أبي أحمد، إلى جيبوتي في مطلع أبريل الماضي،عندما تقدم بشكوى رسمية إلى الرئيس الجيبوتي إسماعيل عمر جيله، بشأن المسؤولين الجيبوتيين المتورطين في قضية “أموال منهوبة” من إثيوبيا، إلا أن بوادر التوتر غدت أكثر سطوعاً خلال الأسابيع القليلة الماضية، وذلك على خلفية التقارب الإثيوبي الإريتري المفاجئ، الذي أثار بدوره قلقاً عميقاً لدى حكومة جيبوتي، باعتباره يشكل تهديداً مباشراً لأمنها القومي ومصالحها السياسية والاقتصادية.
ولهذا بدأت القيادة الجيبوتية تتابع مجمل الخطوات السياسية المتسارعة التي اتخذها رئيس الوزراء الإثيوبي أباي أحمد، من أجل المصالحة مع النظام الإريتري، بصورة تتسم بالقلق والشك، باعتبار التطورات الأخيرة على كافة المستويات والأصعدة، تنعكس سلباً على العلاقات “التقليدية” بين إثيوبيا وجيبوتي.
وهذا ما كشفت عنه المذكرة المسربة المنسوبة لوزير الخارجية الجيبوتي محمود علي يوسف، التي عبر فيها عن قلق بلاده العميق تجاه هذا التطور السريع للعلاقات الإثيوبية الإريترية الراهنة. وقد شن محمود هجوما لاذعا على رئيس الوزراء الإثيوبي أباي أحمد، واصفاً إياه بشخص متهور ، وذلك على خلفية تقاربه الأخير مع إريتريا.
وجاءت هذه المذكرة المسربة التي وجهها وزير الخارجية إلى سفراء جيبوتي بالخارج، تحت عنوان “تطور العلاقات الإثيوبية الإريترية وأثرها على جيبوتي” وتكشف بشكل أكثر سطوعاً عن مدى القلق والخوف الذي يعيشه النظام الجيبوتي منذ أن برزت بوادر التقارب المفاجئ بين إثيوبيا وإريتريا.
ويؤكد محمود عبر هذه المذكرة، أن العلاقات الثنائية بين البلدين تحولت فجأة بـ 180 درجة، مما يثير الدهشة والحيرة، ولكن الأمر الأكثر دهشة وغرابة هو أن مهندس هذا التحول “أباي أحمد” الذي لم يأت من خارج منظومة الحزب الحاكم في إثيوبيا (EPRDF)، بل هو جاء من صميم المنظومة الاستخباراتية والأمنية، مشيراً إلى أن مجمل القرارات التي يتخذها الرجل تتسم غالباً بالتهور.
هذا ولم يتوقف الهجوم عند رئيس الوزراء الإثيوبي فقط، بل وصل الأمر إلى دولة الإمارات العربية المتحدة، حيث اتهمها بالسعي لإعادة تشكيل التحالفات في المنطقة خدمة لأجندات دولية، مشيراً أن الشيخ محمد بن زايد تعهد بتقديم مليارات الدولارات في شكل ودائع واستثمار لإثيوبيا مقابل تقاربها مع إريتريا، كما لم تسلم جبهة استعادة الوحدة والديمقراطية (FRUD) المسلحة، من انتقادات وزير الخارجية، بسبب علاقتها مع إريتريا.
ويرجع كثير من المراقبين، أسباب الفتور والتوتر الراهن التي تشهدها العلاقات الجيبوتية الإثيوبية، بطبيعة هذا العلاقة التي لم تأسس على أسس واعتبارات سياسية سليمة، مما جعلها مجرد علاقة ظرفية قائمة على المصالح الشخصية الآنية بين النظام الإثيوبي السابق والقيادة الجيبوتية الممثلة بالرئيس إسماعيل عمر جيله.
ومن بديهيات العلوم السياسية، فإن مثل تلك العلاقات، لا يمكن لها أن تدوم طويلاً، بفعل الأسس والاعتبارات التي بنيت عليها، وحسب درجة استقرار النظام السياسي عند كل طرف، وغالباً ما تتدخل الظروف الدولية والإقليمية لتؤثر على تلك العلاقات، سلباً كان ذلك أو إيجاباً.
وتأتي مذكرة وزير الخارجية الجيبوتي، بعد أيام فقط من تسريبات وثيقة مماثلة، تمثلت برسالة بعثتها جيبوتي إلى الأمين العام للأمم المتحدة، طالبته فيها بالوساطة بينها وبين إريتريا من أجل إنهاء النزاع الحدودي بينهما، وقد تم ذلك عبر مندوبها لدى الأمم المتحدة، بتاريخ الـ 11 يوليو الجاري.