التاريخ حاضر في زيارة آبي أحمد
فاطمة محمد حوش
آخر تحديث: 30/06/2018
ما أن حط الرئيس الوزراء الأثيوبي رحاله في مقديشو حتى بدأت ذاكرة التاريخ تستيقظ على أصوات وأقلام رجال أرادوا أن يكون للتاريخ حضور يخيم على كل حوارات الرئيسين، وفي جل الاتفاقيات الموقعة بين الطرفين، وأن لا تغيب سرديات ووقائع الأحداث التاريخية في مستهل استقبال الرئيس وفي لحظات الوداع الأخير، متناسين بذلك قواعد السياسة التي ترى في التاريخ أقدارا يمكن تناسيها، وذاكرة يمكن الاسترجاع منها ما يُراد تذكره فقط، وتكرار ما يناسب اليوم وليس ما ناسب الأمس، إنها ببساطة لعبة المصالح التي قد نتفق أو نختلف عليها، ففي السياسة ليس هناك حقائق مطلقة، ولا ثوابت لا يمكن تخطيها، فكل شيء ممكن وجائز، فليس كل انحرف سياسي عن الماضي سقوطاً وإنحلالاً، وليس كل وفاء للماضي نزاهة وكرامة.
فللحاضر ظروفه وتجلياته الخاصة، وللماضي رجاله بقي من بقي، ورحل من رحل بكتابه الخاص، العبرة في الحاضر الذي يُعايشني ويُعايشك، ولا يفهم من هذا بأن الحاضر منقطع عن الماضي بل هو امتداد وليس نسخة منه، وأفضل من مثَّل ذلك الرئيس الأمريكي باراك أوباما الذي وقف بعد واحد وأربعين سنه من العداوة والحروب والمقاطعة مع فتنام بجوار تمثال الثوري الفيتنامي “هو تشو” معلنا فتح خزانة وترسانة أمريكا الحربية للحليفة والصديقة الجديدة في مشهد يُقرأ منه بأن الطرفين أصبح لهما مصالح مشتركة جعلتهما يطويان صفحات الماضي بكل حرقتها.
وعندما سئل صانع نهضة اليابان الجديدة كيف استطاعت اليابان أن تتناسى جراحها، وتصادق أعدائها، بعد تلك الهزائم الفظيعة، و الإهانة القومية التي عاشتها حينما أمرت أن تُنكس علمها لسنوات، وعندما منعت من امتلاك القوة العسكرية؟ أجاب بألم يجب على اليابان أن تستيقظ وتستمر، فالعداوات السياسية لا تورث فهناك شعوب يجب أن تعيش.
فعلاً تريد الشعوب أن تعيش في الحاضر، وليس في ذاكرة التاريخ دائماً، أنا كصومالية لا تمتلك جواز سفر أجنبي، وليست لديها نية في الهجرة ما يهمني اليوم هو ما تكون عليه الصومال اليوم، وما تحققه من إنجاز، وما يمكن أن تصنعه لأحفادي، وليس ما كان في ذلك الزمان، مع احترامي لما كان و لحلم الصومال الكبير ، لكن واقعي أبعد من ذلك بكثير .
أثيوبيا شئنا ذلك أم أبينا مصالحنا مرتبطة بها ، واستقرارنا السياسي والأمني مرهون في مدى جودة علاقتنا الدبلوماسية معها، وليس ذلك سراً إذا قلنا بأن قرارنا السياسي لسنوات كان يُصنع في أديس أبابا، والإملاءات الرئاسية كانت تأتي منها تباعا، وبعض معارضينا يحملون الجنسية الأثيوبية، فما ضير اليوم إذا حاول الطرفان وضع أُسس واضحة لتلك العلاقة الشائكة والمتداخلة، التي نعلمها ونعترف بها نحن الصوماليون جميعاً بأنه لا يمكن لنا أن تقوم لنا قائمة في محيط مضطرب ومشتعل، أليس من الأفضل أن نأخذ استراحة وإجازة عن المعارضة الدائمة، والنقد الذي لا ينتهي لكل خطوة تخطو بها الحكومة، ونعطي للرئيس الشاب فرماجو وحكومته فرصتهم الكافية التي منحناها لهم بكامل وعينا قبل أكثر من سنة. وإذا كان لابد من محاسبة فليكن بصوت أكثر عقلانية وواقعية دون الحاجة إلى التخوين و التجريح . !.