نظرة عامة على مشاكل القات في الصومال
حسن عيسى
آخر تحديث: 13/06/2018
لقراءة التقرير أو تنزيله بصيغة بي دي اف انقر هنا
التقرير الأسبوعي
الرقم 35
نسبة كبيرة من الصوماليين تتناول أوراق شجرة القات مضيعين في ذلك ساعات طويلة، حتى أصبح معظم من يتعاطونها مدمنين غير قادرين على أداء واجباتهم العملية اليومية، ويمكن القول إن ما يقارب 30- 40 % من الشعب الصومالي مدمنين للقات، ولا فرق بين شمال البلاد وجنوبه، وإن كانت هناك بعض الدراسات التي تشير إلى أن أهل الشمال وشمال الشرق أكثر تناولا للقات، بحكم قربهم إلى مصادر ومزارع القات في الدول المجاورة.
يُذكر أن “خمس رحلات طيران من إثيوبيا وكينيا تحط يوميا في مطار العاصمة الصومالية مقديشو محملة بأعشاب القات المقطوفة والمحزومة بربطات كما تحزم الملوخية والبقدونس والنعناع. غير أن هذه العشبة لا تحب الاختلاط مع الأعشاب الأخرى، فلها سوقها الخاص بها، ومن هناك توزع إلى أنحاء الصومال وتباع للشباب الذين ينتظرونها بفارغ الصبر، حيث يقضون ساعات في تخزين القات، ثم بالتأكيد يزيد تفاقم مشكلات البلد أكثر”
ومن هنا ندرك أن أخطر ما في الأمر على المستوى الاقتصادي أن الصومال تستورد القات كما تستورد القمح والأرز والسكر واللباس وغيرها من ضروريات الحياة اليومية، وبذلك صار البلد كله عرضة لاستنزاف اقتصادي إلى جانب مشاكل اجتماعية وصحية وسياسية وأمنية نستعرض بعضها في هذا التقرير.
o مشاكل اقتصادية
يُنفق أكثر من نصف مليون دولار لشراء آلاف الأطنان من القات المستهلك يوميا في شمال الصومال تحديدا؛ حيث أكد مكتب مصلحة الضرائب في إقليم جكجكا المتاخم لمدينتي هرجيسا وبورما في الشمال أن الدخل السنوي لضرائب القات يفوق 45 مليون دولار ، أضاف المكتب أن المهربين للقات إلى الصومال يكلفون خزينة الدولة خسارة أكثر من عشرة ملايين دولار، وهذا يعني أن أكبر دخل للحكومة الإثيوبية يأتي من القات.
ومن مشاكله الاقتصادية أن متوسط دخل الأسرة الصومالية هو 1200 دولار أمريكي سنوياً، ويستهلك عادة كل من يخزن القات من الأسرة مثلا الأب أو الابن والأصدقاء ما يبلغ 55% من دخل الأسرة، ولا يكفي ما بقي من الدخل وهو 45 % من حاجات الأسرة من طعام ومأوى وملبس ودواء وغيرها من الضروريات الأساسية للحياة، ويأخذ أيضا جزءا كبيراً من وقتهم الثمين؛ حيث يجلسون لمضغ القات ما يقارب عشر ساعات على الأقل يومياً، ويستعملون أيضا مشروبات غازية والشاي وسجائر كثيرة.
وكما أشرنا أن منطقة أرض الصومال هي أكثر المناطق استهلاكا للقات، ويصل مجموع استهلاكها كما أكدت بذلك مسؤولة في مصلحة الضرائب التابعة للوزارة المالية في جمهورية أرض الصومال خمسة وثلاثين ألف كيلو جرام في هرجيسا وحدها، وفي بورما يصل عدد القات المستهلك في المدينة 17 ألف كيلو جراما، وفي برعو ونواحيها 23 ألف كيلوجرام، ويصل مجموع ما يستهلك في أرض الصومال أكثر من 75 آلف كيلوجرام من القات يوميا، ويساوى الكيلو الواحد من القات ثمانية دولارات أمريكية أي أن 600,000 دولار يخرج من جيوبهم إلى تجار القات في إثيوبيا.
o مشاكل القات الاجتماعية
يسبب القات مشاكل اجتماعية كبيرة مثل: الطلاق، وانهيار الأسرة بكاملها، وتفرق أفرادها، وإذا أصبح الرجل مدمناً على تعاطي “القات” يهمل الالتزامات العائلية، ويوزع وقته بين النوم ومضغ القات مدة طويلة، وبين البحث عن حصة اليوم التالي، ثم يصبح إنساناً لا يهدر وقته بما يجلب الضرر لحياته اقتصاديا واجتماعيا وصحيا، وتبدو على مدن القات عدة أعراض منها أن يتغير لون بشرته، ويقلل تناول الطعام، ويميل إلى الخمول في أكثر أوقاته، ويتعرض للأرق، وتصدر منه أيضا تصرفات غريبة تشبه تصرفات المجانين كالهذيان.
أما النزاع بين الأسرة فيبدأ يوم أن يبدأ عضو منها مضغ القات، ويكون التعارك الأسري سمة بارزة بين أفراد هذه الأسرة، وغالبا ما ينتهي الأمر إلى التفرقة والطلاق، ومن مشاكله أن بعض الطلاب في المرحلة الثانوية والجامعية حينما يبدؤون مضغ القات وهم في هذا المستوى تظهر عليهم علامات الكسل، ويصبح مستوى تحصيلهم العلمي أدنى مرتبة؛ لأنهم يضيعون وقتهم في أرق مستمر في ليال متعددة ومتواصلة، ولا يمكن أن يتسابق أحدهم مع أصحابه، ربما كان الأنشط والأذكى قبل أن يبدأ هذه العادة السيئة، ولكن ثبت علمياً أن الإرهاق يسبب تشويش ذهن وفكر الشخص.
o القات مخدر ومنشط
كثير من الناس يجادلون في أنه لا يوجد في أوراق القات أي مخدر وإن كان صغيراً، وهؤلاء لا توجد لديهم أدنى فكرة عن المشاكل والأمراض التي يسببها أو يتناسون أنه مخدر، وفي محاضرة علمية ألقاها الدكتور عبد الشكور شيخ علي جوهر، وهو متخصص في الأمراض الباطنية، قال في معرض حديثه عن المخدرات عامة: إن القات هو أكبر مخدر، وهو أخطر أيضا من الحشيش والهيروين وغيرها، وأضاف قائلا: “إننا فحصنا أوراق وأغصان هذه الشجرة في معامل علمية بجامعات كندية وأمريكية، واستنتجنا حقائق غريبة ومذهلة؛ لأن شجرة القات تحتوي على ثلاثة أنواع من المخدرات المختلفة، ويستعمل في كل واحدة منها في العالم. وهي مستقلة عن الأخرى، وكل واحدة منها تسبب تغيرات لأنسجة الجسم الإنساني والذهن أو العقل. ومن جراء ذلك يصاب الإنسان الذي تناول القات بأرق دائم، فيجعل الإنسان خلال ساعات محدودة على أنه يعيش في عالم آخر مريح، أضف إلى ذلك أنه يسبب لجسم الإنسان أن يستهلك كمية كبيرة من الشاي والمياه، ويشعر الشخص دائماً أن جسمه أصبح يابساً؛ لذا يحاول أن يستعين بشرب ماء كثير أو مشروبات غازية وغيرها”.
ويقول علماء الشريعة الإسلامية بما أن القات يسبب تفرقة الأسر، وأن صاحبه يصبح كسلاناً من ناحية العبادة، ولا يستطيع أن يؤدي واجبه كما هو مفروض عليه، ويكون هذا الإنسان شبه مجنون فإنه يكون محرماً. ومن مشاكله أن بعض الناس ممن يستعمل القات يصاب بكثرة التبول أو لا يتوقف عنه المذي والمني، وهذا إحراج كبير للإنسان الذي يضطر إلى أن يذهب أكثر من عشرين إلى ثلاثين مرة إلى دورة المياه.
والنساء الصوماليات قلما يتناولن القات؛ لكن هن أكثر من يتاجر في القات، ومعظم من يبيع في أسواق القات نساء صوماليات خرجن من بيوتهن من أجل توفير لقمة عيش لأسرهن.
والغريب في الأمر أن نسبة مخزنات القات تزداد يوماً بعد يوم في بعض المناطق الصومالية، وأول العلامات التي يعرف بها السيدة التي تتعاطى القات “أن لون بشرتها يتغير ويميل إلى الاصفرار، وكثرة الكلام في كل مكان، ويصبح لون شفتيها أسود، وقد سئل بعض الأطباء عن أثر القات على جنين الحوامل؟
فأجابوا جميعاً بنعم؛ لأن السيدة التي تتناول القات لا تنام جيدا، وبالتالي لا تحصل على الراحة البدنية والذهنية المطلوبة أثناء الحمل، كما لا تستطيع المرأة أن تأكل الكمية المطلوبة من الطعام، وكل هذا يؤثر سلباً على الجنين، وربما يولد وهو مشوه.
• الحل المقترح
عقدت ندوات وورش عمل بخصوص أضرار القات، وكيفية تقليل آثاره على المستوى الفردي والمجتمعي، ومن جملة الحلول المقترحة ما يلي:
• مضاعفة الضرائب على مستوردي القات، بهدف تقليل القادرين على شرائه، والمتاجرين فيه.
• توفير وظائف محترمة للمتعافين من إدمان القات، لدفع المدمنين إلى الامتناع عن تعاطي نبتة القات.
• نشر الوعي الصحي لدى كافة فئات المجتمع لمعرفة أضرار القات الصحية والاقتصادية والاجتماعية.
• وضع خطة إستراتيجية لحظر القات من البلاد بشكل تدريجي، وذلك بالتعاون مع كافة الهيئات والمؤسسات المعنية في البلاد.