عين على ولاية جنوب غرب الصومال (الجزء الأول)
الصومال الجديد
آخر تحديث: 21/05/2018
لقراءة التقرير أو تنزيله بصيغة بي دي اف انقر هنا
التقرير الأسبوعي
الرقم 32
• التعريف والموقع:
جنوب غرب الصومال ولاية تخضع للحكم الذاتي، وتحظى باعتراف حكومي ودولي، تتكون من أقاليم: باي، بكول، وشبيلّي السفلى، يحدّها من الشرق العاصمة مقديشو، ومن الجنوب المحيط الهندي وإقليم جوبا الوسطى، ومن الشمال هيران، وشبيلّي الوسطى، ومن الغرب إثيوبيا وإقليم جذُو.
• تاريخ ومراحل:
مرت الولاية بمراحل مختلفة، فقد شهدت الولاية بعد انهيار الحكم المركزي في الصومال مطلع التسعينيات من القرن الماضي حربا أهليّة كانت أشهرها الحرب الضروسة بين أنصار عيديد وأمراء حرب المنطقة، والتي خلفت ضحايا كثيرة بين الجانبين، ويُتهم أنصار عيديد بأنهم قاموا بإبادة شعبية التي تعد من الجرائم المحرّمة دوليا، كما شهدت المنطقة إلى جانب المناطق الصومالية الأخرى موجة جفاف توصف بالأقوى في تاريخ الولاية؛ حيث تسببت وفاة مآت الآلاف من أبناء المنطقة.
ففي مارس عام 1995م تأسس المجلس الأعلى لقبيلة دِغِلْ ومِرِفْلي، وفي الثالث عشر من شهر أكتوبر عام 1995 تم إعلان جبهة مسلحة تسمي جيش المقاومة الرحنوينية المعروف اختصارا بـ(RRA)، وفي مايو عام 2000م تم إحلال وإنهاء الجبهة بعد أن انضمت قيادات الجبهة وفي مقدمتهم القيادي الراحل العقيد حسن محمد نور (شاتِي غذُودْ) إلى الحكومة الانتقالية التي تمخضت عن مؤتمر المصالحة في عرته بجيبوتي في عام 2000م، بعد موافقة الرئيس الانتقالي المنتخب في ذلك الوقت عبد القاسم صلاد حسن على أن تصبح مدينة بيدوا مقرّا للحكومة، إلا أنّه بعد مجيئه إلى العاصمة مقديشو لم يستسغ له الأمر؛ مما دفع شاتي غذود إلى التمرد ومعارضة الحكومة الوليدة، بينما كان القائدان الآخران في الجبهة محمد إبراهيم حابسذي والشيخ آدم مذوبي يحتفظان بالولاء للحكومة، وانضم شاتي جذود فيما بعد إلى مجموعة (SRRC) التي كانت توحّد أمراء الحرب في الصومال مدعومة حينها من قبل الحكومة الإثيوبية بهدف عرقلة الحكومة الصومالية برئاسة عبد القاسم.
وفي عام 2002م تم تأسيس إدارة إقليمية على يد الزعيم القبلي الراحل محمد نور شاتي غذود المدعوم آنذاك عسكريا وسياسيا من إثيوبيا، وقد اتخذ من مدينة بيدوا مركزا لإدارته؛ التي اندرست بعد أن أصبح الرجل عام 2004م عضوا في برلمان الانتقالي الذي تم تشكيله نتيجة مؤتمر المصالحة المنعقد في امبغاتي بكينيا، وانتخب العقيد الراحل عبد اللّه يوسف أحمد رئيسا لجمهورية الصومال الفيدرالية، كما أصبح شاتي غذود فيما بعد وزيرا في حكومة رئيس الوزراء على محمد جيدي.
و قد شهد إقليم شبيلّي السفلى حروبا قبلية لا تزال قائمة في بعض مدنها، وكان لكل من يوسف إنْطَعَدِي وجامع بلَو سطو ونفوذ في أجزاء واسعة من المحافظة أثناء فترة أمراء الحرب، وقد شهدت مدينة مركا حادثة اغتيال الناشطة الحقوقية إستَرْلِين عبده عروش التي ساهمت كثيرا في تطوير القطاع التعليمي والصحي في المدينة خصوصا والمحافظة عموما، وأعقبت هذه الفترة فترة نفوذ حكم الإسلاميين المتمثل بالمحاكم الإسلامية وحركة الشباب؛ حيث سيطر الإسلاميون المحافظات الجنوبية في الصومال، وكان من ضمنها محافظات ولاية جنوب الغرب الثلاث، وكان حكم الإسلاميين مستمرا إلى أن تمّت سيطرة الحكومات المتعاقبة على معظم مناطق الولاية.
نشأة وتطوّر الولاية:
تطبيقا لمبدإ الفيدرالية كانت ولاية جنوب غرب الصومال من ضمن الولايات التي تأسست في عهد نظام الرئيس السابق حسن شيخ محمود، وفي ديسمبر عام 2013م بدأت مشاروات لإنشاء ولاية إقليمية بالمنطقة، وفي الانطلاقة الأولى حدثت انقسامات حادة بين أبناء الولاية حول عدد المحافظات التي ستضم الولاية المزمع إنشاؤها، فتمسكت مجموعة بفكرة أن تتكون الولاية من ستة أقاليم ، واختارت هذه المجموعة مدوبي نونو محمد –المتوفى في العام الماضي بهجوم على فندق في مقديشو- رئيسا لولاية تضم ستة أقاليم، وهي باي وبكول وشبيلى السفلى وجدو وجوبا السفلى وجوبا الوسطى، وذلك في صراع سياسي مع مجموعة سياسية أخرى ذهبت إلى أن تصبح الولاية مكونة من ثلاثة أقاليم، وهي باي وبكول وشبيلى اسفلى،ويعتقد أن شريف حسن شيخ آدم كان يدفع من الوراء هذه المجموعة؛ التي اختارت من جانبها السياسي محمد حاج عبد النّور رئيسا لولاية تضم ثلاثة أقاليم في مارس 2014م، بعد شدّ وجدب بين المجموعتين تم التوافق على فكرة إنشاء إدارة واحدة توافقية تضم ثلاثة أقاليم فقط، وهي باي وبكول وشبيلى السفلى، نظرا لصعوبة تطبيق الفكرة الداعية إلى أن تصبح الولاية من ستة أقاليم؛ باعتبارها بأنها تثير مشاكل سياسية كبيرة في المنطقة.
ففي 23 من شهر يوليو عام 2014م شهدت العاصمة الصومالية مقديشو تدشين توقيع اتفاقية ثنائية لممثلي الطرفين، ووقع على الاتفاقية من جانب المجموعة الساعية إلى تشكيل إدارة تضم ستة أقاليم السياسي عبد الفتاح غِيسَي ومن جانب المجموعة الداعية إلى أن تصبح الولاية مكونة من ثلاث أقاليم محمد حاجي عبد النور، وذلك برعاية الحكومة الصومالية والهيئة الحكومية للتنمية في شرق أفريقيا (إيغاد)، وأخيرا نجحت الاتفاقية رغم معارضة مذوبي نونو وأعضاء آخرين من المجموعة الأولى، وفي شهر التاسع من نفس العام تم الإعلان عن دستور الولاية، وفي أكتوبر من العام نفسه تم افتتاح المؤتمر التأسيسي للولاية، وفي نوفمبر من العام نفسه تمّت المصادقة على دستور الولاية من قبل لجنة ممثلي عشائر المنطقة، والتي كان يقارب عدد أعضائها أربعمائة ممثل، وفي السابع عشر من شهر نوفيمبر عام 2014م تم انتخاب شريف حسن شيخ آدم رئيسا للولاية من قبل تلك اللجنة.
محافطات ومدن الولاية:
محافظة شبيلّي السفلى: محافظة زراعية، وهي أهمّ محافظات ولاية جنوب غرب الصومال، وتعد من أغنى المحافظات الصومالية؛ حيث تمتلك ثروات زراعية وحيوانية وسمكية بالإضافة إلى ثروات معدنية ونفطية، تقع المحافظة جنوبي الولاية، يحدّها من الشرق العاصمة مقديشو، ومن الجنوب المحيط الهندي، كما تجاورها محافظات شبيلّي الوسطى و باي وجوبا الوسطى، يمرّ بالمحافظة نهر شبيلّي المنحدر من أعالي هضبة ومرتفعات إثيوبيا، تشتهر المحافظة بمنظرها الخلاب، وجوّها المعتدل، وتضم المحافظة مدنا تاريخية شهيرة، وفيما يلي أبرز مدن الولاية:
مركا: مدينة ساحلية إستراتيجية عريقة، مركز إقليم شبيلّي السفلى، تبعد عن العاصمة مقديشو 90 كم باتجاه الغرب، تطل على المحيط الهندي، وكانت المدينة مركزا بارزا من مراكز الإشعاع الإسلامي والحضاري، حيث كان يقيم فيها علماء دين بارزون خدمو لنشر الدين الإسلامي منهم العلامة الشيخ علي ميه المدفون في المدينة الذي يرجع إليه الفضل في انتشار الطريقة الإدريسية فرع الرحمانية في البلاد. وتشتهر المدينة كذلك بمنظرها الجذّاب وتنوّعها السكاني؛ حيث تضم قبائل صومالية كثيرة وأقليات أجنبية من بينها عربية.
شهدت المدينة حروبا ضد الاستعمار الإيطالي، وتناول الكاتب الإيطالي باتريو باريلي كتابه المعنون بالاستعمار الإيطالي الفاشي في جنوب الصومال نبذه عن مدينة مركا والبلدات المحيطة بها والتركيبة القبلية لهذه المنطقة، وبعد الاستقلال خصوصا في عهد سياد برِي كانت من طلائع المدن التي تلقّت الاهتمام الكبير من قبل الحكومة نظرا لأهميتها، وبعد انهيار الحكم المركزي شهدت المدينة ولا تزال تشهد حروبا قبلية، ومع ذلك لا تزال معالمها قائمة إلى الآن، ولم تحظ بالاهتمام المطلوب من قبل الجهات المعنية لوقف فتيل الحروب القبلية فيها.
أفْغوي: مدينة زراعية تاريخية شهيرة، تبعد عن العاصمة مقديشو 30 كم تقريبا باتجاه الغرب، يمرّ بوسطها نهر شبيلّي أطول أنهار الصومال، والذي يقسم المدينة إلى ناحيتين يربط بينهما جسران، تربط المدينة المحافظات الجنوبية بالعاصمة.
يعبُر أغلب سكان المدينة النهر بالسفن المصطنعة من الصفائح للتنقّل والتّسوق؛ حيث يقع بالمدينة أكبر سوق تجاري للماشية والخضروات على مستوى المحافظة.
تشتهر المدينة بالمزارع والبساتين الواسعة، كما تشتهر بأعراف وتقاليد قاطنيها المتوارث عليها جيلا بعد جيل؛ حيث تتميّز خصيصا بعادتي الانغماس في النهر والتضارب السنويتين، وإن شهدا في السنوات الأخيرة العزوف بسبب الضغوط التي يفرضه حكم الإسلاميين الذي يسيطر على أجزاء واسعة من المحافظة.
خضعت المدينة تحت حكم إدارات مختلفة عبر القرون و العقود الماضية، وكانت سلطنة غَلَدِي تحكم المدينة ما يقارب 150سنة بدءا من نهاية القرن السابع عشر إلى عام 1910م .
قُرْيُولي: مدينة إستراتيجية شهيرة في جنوب الصومال بمحافظة شبيلي السفلى، يرجع تأسيسها إلى الأربعينيات من القرن الماضي، تشتهر بتجارة المحاصيل الزراعية من الحبوب والخضروات، كما تشتهر بتجارة المواشي، يمرّ بها نهر شبيلّي، ويقع بالمدينة جسران يعود تأسيس أحدهما إلى العهد الإيطالي، وتتمتع المدينة بقناة ري يعرف بـ “ليبان” وورد اسمه في أغنية للمطرب الشهير حسن آدم سمتر، كما تتمتع بسد مائي يعد أكبر السدود المائية في المحافظة بعد سدّ جَنَالي، والذي تتم استفادتهما لري المزارع المطلّة بضاحيتي النهر، وقد شهدت المدينة فيضانات تكرّرت في أعوام 1961، 1981، 1997، 1998والتي أبقت بجانب الحروب الأهلية آثارا مدمرة على البنى التحتية للمدينة، تربط المدينة بين العاصمة ومدينة بُؤالي مركز إقليم جوبا الوسطى، كما تربط بين مدينتي دِينْصُور وبُورْهَكَبا.
بَرَاوِي: عاصمة ولاية جنوب غرب الصومال، وهي مدينة ساحلية تاريخية من أهم مدن الولاية، يحدّها من الشرق المحيط الهندي، ومن الجنوب مدينة جِلِبْ بمحافظة حوبا الوسطى، ومن الغرب سبْلالي، ومن الشمال مَرْكا، تشتهر المدينة بمنظرها الجميل، وجوّها المعتدل، تزخر المدينة بالتنوع العرقي واللهجي؛ حيث ينتمي إليها بجانب القبائل الصومالية أقلية عربية وأخرى معروفة بـ رير براوي والتي يقال إنها ذوو أصول برتغالية، تمتاز هذه الأقلية بلهجتها الخاصة الشهيرة بلهجة رير براوي، وهي لهجة قريبة إلى اللغة السواحلية، كما أن لبعض القبائل القاطنة هناك لهجاتها الخاصّة كلهجة قبيلة تُنِّي، ويمتهن كثير من ساكني المدينة مهنة صيد السمك.
تتمتع المدينة بميناء استراتيجي يعد من أكبر المنافذ البحرية للولاية، ويعود تأسيس المدينة قبل ألف عام على يد الشيخ أو عليّ، حسب ما جاء في كتاب بغية الآمال في تاريخ الصومال للشريف عيدروس، كما يعود تسمية المدينة إلى ملك بروت ملك قبيلة غالا التي سكنت المدينة، وتحالفت مع قبيلة تُنِي التي ينتمي إليها مؤسس المدينة الشيخ أو عليّ، كما جاء في كتاب ليبرود يغليزنغي في صفحة 286-287.