عندما يموت العالم
عبد النور معلم محمد
آخر تحديث: 31/03/2018
غيب الموت في الرابع عشر من شهر آذار مارس الجاري عالم الفيزياء البريطاني الشهير ستيفن هوكينغ عن عمر ناهز76عاما، وكان قد أصيب بمرض العصبون الحركي بعام1963 مما جعل الأطباء حينها يتوقعون بموته بعد عامين فقط من إصابته بذلك المرض العصبي الخطير. وعلى الرغم من إعاقته المزمنة وعدم قدرته على الكلام الا من خلال جهاز الحاسوب المبرمج الخاص به الا أنه لم يتوقف من مواجهات الحياة العلمية، فقد حصل على شهادة الدكتوراه في علم الكون من جامعة كمبريدج، وله أبحاث ومساهمات في مجال تخصصه- علوم الكون-.مثل كتابه “تاريخ مؤجز للزمن” الذي بيعت منه أكثر 10ملاين نسخة.
أثارت وفاة الرجل ردود أفعال متباينة بين الكتاب والمغردين على مواقع التواصل الإجتماعي، فمنهم من كان يحزن على رحيل ذلك العالم الشهير داعيا الله أن ينزل على قبره شآبيب الرحمة بغض النظر عن اعتقاد الرجل وديانته، ومنهم من كان يلعن الرجل بسبب كونه ملحدا كان ينكر وجود الخالق، فالواضح أن الفريقين وقفا من قضية رحيل الرجل موقفين متباينين يمكن وصفهما بأنـهما على طرفي النقيض. فنحن لا ننظر موته من المنظور العقدي، فهذه مسألة شخصية بينه وبين الله، وفعلا أفضى الرجل إلى ماقدم إليه. أما بالنسبة إلى جواز الترحم والاستغفار للملحدين من عدمه فهي مسألة محسومة بين فقهاء الإسلام.
لكن من الأنصاف والعدل أن نقر بأن هوكينغ كان من العلماء الأفذاذ الذين وقفوا أعمارهم لخدمة الفرع الذي تخصصوا فيه، وأفادوا من أبحاثهم وتجاربهم العلمية للبشرية جمعاء، واسهاماته العلمية اضافة يجب الاستفادة منها في خدمة العلوم، وهي ميراث عالمي لايختص بقوم دون آخر أو بأهل ديانة معينة دون الآخرين، فهو في هذا الجانب ينطبق عليه قول القائل:
لعمرك ما الرزية فقد مال…. ولاشاة تموت ولا بعير
ولكن الرزية فقد فذ….. يموت بموته خلق كثير
فقد ناضل الرجل وهو مصاب بشلل الجانبي الضموري ومعاق بكل ما تحمل كلمة إعاقة من معنى ليحقق لنفسه مكانة مرموقة بين علماء الفيزياء في العصر الحديث وأسهم في تطوير هذا الفرع المهم من العلوم التطبيقية. وكان يقول: “انا معاق جسديا لكنني لست كذلك عقليا”، ولاشك أن موت هوكينغ يترك فراغا لايمكن سده بسهولة لا سيما في هذا الوقت الذي كثر فيه العزوف عن دراسة العلوم التطبيقية خاصة أقسام الفيزياء والرياضيات.
فالإخلاص في التخصص والبحث والتفاني في خدمة العلم والمعرفة إضافة إلى الروح النضالية التي تميز بها الرجل عن أقرانه وزملائه ورفقاء دربه هو ما يستحق الدراسة وأخذ العبرة منها، وهي محل إعجابي لهذا الرجل الذي لم أقرأ له حتى كتابتي لهذه السطور عنه. فينبغى على المثقفين وخاصة الكتاب أن يأخذوا من تجارب الأمم والشعوب ما ينفعهم في خدمة العلم والمعرفة وأن يشجعوا طلبة العلم أن يشمروا عن ساعد الجد ليكون لهم ذكر في الاكتشافات العلمية.
قد يشاطرني كثير من القراء الكرام على هذا الموقف أو يخالفني لكن ستبقى الحقيقة التي لا تزحزها أي مرية، وهي أن ستيفن هوكينغ بغض النظر عن اتفاقنا واختلافنا حوله سيظل رمزا لا ينمحى عن ذاكرة الأيام بسهولة.