لم احظ برؤيتها ومرت سنون (3)
محمد عبد القادر سعدال
آخر تحديث: 24/03/2018
من الممكن ان تفقد كل شيء بعد غياب أحدٍ لم تعر له الاهتمام الذي قدمه لك او بالأحسن قدر ما اهداه لك عن حب وتضحية، ويبدأ تأسفك بأول يوم يغادر وانت تعرف انه من الممكن ان يكون الوداع آخر رؤية لكما، فتتذكر كل كلمة خبأتها في داخلك في الماضي، بينما الآن لا يتسنى لك قول كلمة واحده تعيد لكما رجاء مات في داخلكما، وتحيي قلوباً كاد اليأس ان يستولي عليها، لتكونا كأرض أرهقها الصيف ليأتي اليها الشتاء بعد الإنتظار.
لم اكن أدرك ان الافتراق وارد مثل اللقاء، ولا محال للدمعة عند الفرحة والحزن، وان هناك شريط اسمه ذكريات يتواصل به المفتقرون وان طال بهم الغياب، وان تلك الذكريات الجميلة ستصبح جحيماً يتعذب فيها صاحبها.
القاصرون مثلي يلومون الزمن وكأنه لم يمنحهم الفرصة ليعبروا عما في خواطرهم وهم يتناسون ان الدهر أمهلهم سنيناً ليقولوا ولو كلمة، إن تجرأوا على قولها لربما كانوا اليوم مبتسمين متعانقين مع من احبوا.
لا اعرف الآن في اي عالم هي، ولا هل مازلت تتمنى لقائى كما كانت قبل عقود، ولا أعرف هل قلمي هذا وصل الى عالمها لتعرف كم عانيت بعدها، وهل هي من فضلت السكوت بعد كل هذا الصراخ مني.
أما انا فأعيش هنا في القارة السمراء التي تركتني فيها مع رسائل لم تعد تعطيني الامل كالسابق، ومع تلك الصورالتي أخذت منا في تلك الغابة قرب قريتنا، يوم ان كنا في سنٍ لا يستطيع احد منا بوح ما في قلبينا.
رغم طول الغياب لم أجد احداً يواسيني، والكل يعتقد انني جننت لأجلها ولأجل تخيلات لا تساوي شيئا عند الجميع، فالآن عرفت قصد قولك “الطيور والاغاني فقط هما يستطيعان فهمك وتفسير حالك عندما لا يريد الجميع سماع ما يعتقدونه ترهات وبالنسبت لك كل الحياة” فأصبحت الاغنية التي غناها الفنان محمود ديرشي حرسي في الستينات رفيقي:-
Dhiman maayo ruuxii tiisi ay dhamaanee
Ha I dhaafin adaan haween kaa dhaweystee
Dheel dheel ha moodin dhawaqyadeydoo dhaga u yeelo
Dhibaatada aduunyadaa ina kala dhantaashoo ruuxba dhan uu ka xeysee …
هذه الاغنية تعود لستينات “اي ما قبل خمسين سنة” وكأن الفنان عاش مآساتي وآلامي بعد غيابك.
أخيرا فهذا المقال مثل اخويه السابقين اللذين لم ياتياني بك، ولم اجد عنهما شيا يقربني اليك. وكما كنت سابقا فأنني لن اتوقف عن الكتابة عنك، فلعل قلمي هذا يداوي جرحي، ويمسح ذكرياتك عني، فيتجدد أملي في الحياة لأواصل مشواري دونك.
لو انك ترين معاناتي، وتقرئين كتاباتي مبتسمة غيّرها الزمن بعدي، فاعلمي انك لست الاولى التي دمرت حياة فارس، فأنت في ديوان الجميلات اللاتي ماتوا الرجال لأجلهن، وأنا في ديوان المحبين الذين لم يستطيعوا مسح ماضيهم ليستمتعوا حاضرهم. اما فإن كنت مثلي مسجونة لذكرياتها ومربوطة لواقعها وقرأت يوما عتابي، فلا تغضبي مني، فانني مثل الشاعر الذي لم يجد الا هذه الابيات ليعبر عن ما آل اليه الزمن من طول افتراق :-
“لا تغْضَبي من ثوْرَتِي وعتابي
مازالَ حُّبكِ محنتي وعذابي
مازلتِ في العين الحزينةِ قبلةً
للعاشقين بسحْركِ الخَلاَّبِ
أحببتُ فيكِ العمرَ طفلاً باسماً
جاءَ الحياة َ بأطهر الأثوابِ
أحببتُ فيكِ الليلَ حين يضمّنا
دفءُ القلوبِ ورفقةُ الأصحابِ
أحببتُ فيكِ الأم تسْكنُ طفلهَا
مهما نأى تلقاهُ بالترْحَابِ
أحببتُ فيكِ الشمسَ تغسلُ شَعْرها
عندَ الغروبِ بدمعها المُنسَابِ
أحببتُ فيكِ النيلَ يجرى صَاخباً
فيَهيمُ رَوْضٌ فى عناق ِرَوَابِ
أحببتُ فيكِ شموخَ نهر جامحٍ
كم كان يُسكرنى بغير شَرَابِ”.
بقلم: محمد عبدالقادر أحمد “سعدال”
كاتب وصحفي صومالي