القـرن الإفـريقـي: لعبة المصالح الدولية وحسابات دول المنطقـة (4-4(
الصومال الجديد
آخر تحديث: 11/03/2018
لقراءة التقرير أو تنزيله بصيغة بي دي اف انقر هنا
التقرير الأسبوعي
الرقم 22
طبيـعة التوجـه العربي للقـرن الإفريقـي:
كمـا سبـق أن أشـرنا في الجـزء الثاني من هـذا التقـرير، فإن العـلاقات بيـن العـرب والسـاحـل الشـرقي لإفريقيـا، تعتبـر قديمـة وضـاربة في عمـق التـاريخ، وتعـود جـذورها إلى ما قبـل ظهـور الإسـلام بعصـور سحيقـة، حيـث أقـام العـرب بعـلاقات وطيـدة مـع سكـان المنطقـة.
وهنـا لا يفـوتنا أن نذكـر بأن العـلاقات بيـن العـرب وسكـان المنطقـة، لم تقتصـر على التجـارة فقـط، بل أن هنـاك عـلاقـات أخـرى، لهـا طابعهـا الدينـي توطـدت بيـن سكـان السـاحل الإفريـقي بصفـة عـامة وإثيـوبيا على وجـه الخصـوص، وبيـن مصـر التي كانـت معبـر ومستقـر العـروبة منـذ قـرون قديمـة، ويتجـلى ذلك من خـلال الرابـط الدينـي بيـن الكنيسـة المصـرية والكنيسـة الإثيـوبية القبطيـة، فقـد ارتبطـت الثانيـة بالأولـى ارتبـاط الابنـة بالأم منـذ عـام 331م.
وبـدوره أعطى ظهـور الإسـلام أبعـاداً جـديدة للعـلاقات بيـن شعـوب الجـزيرة العـربيـة والسواحـل الشـرقي لإفريقيـا، خـاصة وأن هـذه المنطقـة عرفـت الإسـلام منـذ فجـر الدعـوة الإسـلامية، وأن الإسـلام بسمـاحته قـد أتـاح للعـرب المسلميـن من تعـزيز نفـوذهـم واستقـرارهم في المنطقـة من خـلال توثيـق الصـلات مـع شعـوب المنطقـة، ولهـذا ظلـت هـذه العـلاقة تشهـد تطـوراً مستمـراً وازدهـاراً كبيـراً خـلال الحقـب التاريخيـة المختلفـة.
مصـر والقـرن الإفـريقي .. تاريـخ من العـلاقات المثمـرة:
كمـا سبقـت الإشـارة، فإنـه يمكـن وصـف العـلاقات المصـرية مـع مختلـف دول القـرن الإفريـقي، بأنهـا عـلاقات تاريخيـة قـديمة، حيـث تعـود جـذورها إلى عهـد الفراعنـة.
والثابـت تاريخيـاً أن اليقطـة المصـرية الحـديثة التي بـدأت ببنـاء الدولـة العصـرية في مصـر، قـد مـدت إشعاعهـا إلى إفريقيـا كلهـا خاصـة شـرق ووسـط القارة، وعبـر هـذا الإشعـاع الحضـاري، تبلـور مـرة أخـرى حقيقـة الدور المصـري في إفريقيـا منـذ أوائل القـرن التاسـع عشـر، كدور رائـد في الحضـارة والمدنيـة والثقـافة، ثـم في التحـرر والاستقـلال في القـرن العشـرين.
وسـواء كان الهـدف المصـري هو تحقيـق مـزيد من الاستكشافات ونشـر الحضـارة المدنيـة بيـن الشعـوب الأفريقيـة، أم كان هـدفاً سياسيـاً بحتـاً يرمي إلى التوسـع والنفـوذ لحمايـة أطـرافها ومواجهـة الاستعمـار الأوروبي، فإن من المؤكـد فإن الوجـود المصـري قـد بلـغ أوسـع انتشـاره في عصـر الخـديو إسمـاعيل الذي كانت لـه سيـاسة محـددة ومعلنـة في إفريقيـا.
وفي تلك الفتـرة امتـد الوجـود المصـري إلى منطقـة البحيـرات الإستـوائية والسـودان في وسـط القارة الإفريقيـة وفي بعـض أقاليـم الحبشـة والصـومال وعلى طـول سـاحل البحـر الأحمـر، الأمـر الذي حـول مصـر إلى إمبراطـورية لها ممالك كثيـرة ومتسعـة في إفريقيـا خاصـة في شـرق القارة ووسطهـا، فيهـا المدن والمـدارس والمستشفيـات، ويعسكـر فيهـا أيضاً الجنـود والضبـاط المصـريون، ولهـذا أصبحـت السيـاسة المصـرية عامـلاً مؤثـراً في السيـاسة الدوليـة في المنطقـة وإفريقيـا ككـل، وهـذه كانـت إحـدى العقبـات الأساسيـة التي واجهتهـا القـوى الاستعمـارية الأوروبيـة الحـديثة حيـن بدأت توسعهـا وبسـط نفـوذها في إفريقيـا بعـد تقسيمهـا.
مـع تصـاعد النفـوذ الأوروبي وقـوته الغـلابة، اضطـرت مصـر إلى سحـب وجـودها من شـرق ووسـط إفريقيـا، وقـد استطـاعت بريطانيـا أن تضغـط على الخـديو إسمـاعيل حتى أجبـرته على وقف سيـاسته في إفريقيـا وتقليـص نفـوذه وبالتالي سحـب جيـوشه منهـا، الأمـر الذي أدى إلى تحجيـم نشـاطها الواسـع ووقف سيـاستها الخارجيـة خاصـة فيما يتعلق بـالدور المصـري الإفريـقي.
وهكـذا استطـاعت القـوى الاستعمـارية الجـديدة أن تمـد نفـوذها إلى منطقـة القـرن الإفريـقي ومن ثـم إعادة تشكيـل الأوضـاع والحـدود السيـاسية في المنطقـة وفق مصالـحها الاستعمـارية مستفيـدة من الفـراغ الكبيـر الذي خلفـه الانسحـاب المصـري من الـساحل الشـرقي لإفريقيـا، ولقـد كان لتلك التطـورات والتـداعيات التي سـادت هـذه المرحلـة تأثيـراتها البالغـة، ليـست على المنطقـة فحسـب، وإنمـا على مصـر التي سقطـت نفسهـا في يـد الاحتـلال البريطـاني منـذ 1882م، الأمـر أنهى الوجـود المصـري الفعـال في شـرق إفريقيـا أولاً ثم وسـطها خاصـة السـودان ومنطقـة البحيـرات الإستـوائية.
ومـع تراجـع الدور المصـري وانحسـار نفـوذها التاريـخي في المنطقـة، برزت في الأفق الإمبراطـورية الإثيـوبية، كقـوى إقليميـة جـديدة تتسـابق لاقتسـام المنطقـة وتوسيـع حـدودها على حسـاب دول الجـوار الأخـرى خاصـة الصـومال وإريتـريا.
وهنـا لا يفـوتنا التذكيـر بأن مصـر قـد بدأت منـذ منتـصف القـرن العشـرين، محاولات عـديدة لاستعـادة دورهـا ونفـوذها على المستـوى الإقليمـي والعالمـي، خاصـة من الناحيـة السياسيـة والاستـراتيجية، وذلك من خـلال دعـم حـركات التحـرر الوطني في إفريقيـا والوطـن العـربي، فقـد تحـولت مصـر التي كانت أهـم قاعـدة للاستعمـار البريطـاني في العالـم إلى قبلـة لكـل قـادة حركـات التحـرر ومنبـراً للعـروبة ومناهضـة الاستعمـار.
وبمـا أن الدولـة المصـرية لم تكـن أصـلاً غنيـة بالقـدر الذي يسمـح لهـا بإغـداق الأمـوال على جميـع حركـات التحـرر في مختلـف أنحـاء إفريقيـا، ولذلك فإن القيـادة الجـديدة بعـد الاستقـلال، اعتمـدت بذكـاء على القـوة الناعمـة المصـرية متمثلـة بالإعـلام والفـن والثقـافة والتعليـم.
وفي سيـاق ذاتهـا قام الرئيـس المصـري الراحـل جمـال عبـد الناصـر، بإنشـاء إذاعـة “صـوت العـرب” في القـاهرة عـام 1953م، ومن ثـم إطـلاق أكثـر من 25 إذاعـة موجهـة لإفريقيـا تبث برامجهـات بلغـات ولهجـات إفريقيـة مختلفـة، وتلك الإذاعات لعبـت دوراً محـورياً في نقـل ثقـافـة النضـال والتحـرر إلى القـارة السمـراء، فضـلاً عن دعـم حركات التحـرر في الصـومال وجيبـوتي ودول القـرن الإفريـقي ككـل.
كمـا أن قضيـة البحـر الأحمـر وموضـوع النيـل، ظلتـا يشغـلان المسـاحة الأعظـم من اهتمـام عبـد الناصـر، ضمن القضـايا الأفريقيـة الأخـرى، حيـث رأى أن استمـرار وبقـاء دول القـرن الإفريـقي تحـت قبضـة الاستعمـار يضعـف مصـر ويهـدد أمنهـا القـومي وموانئهـا وجـزرها البحـرية من ناحيـة الجنـوب، ولهـذا أولى عبـد الناصـر اهتمـاماً كبيـراً لتوثيـق الصـلات مـع الصـومال بعـد استقـلالها وذلك باعتبـارها حليفـاً استراتيجيـاً يجـب المحافظـة على العـلاقات معـه بأي ثمـن وفي ظـل أي ظـروف.
بيـد أن الدور المصـري العربي والإفريقـي، قـد شهـد تـراجـعاً مستمـراً بعـد رحيـل جمـال عبـد الناصـر وتبـدل سيـاسة مصـر بوصـول الرئيـس الراحـل أنور السـادات خاصـة مـع اتجـاه الأخيـر لعقـد سـلام منفـرد مـع إسـرائيل، ممـا فجـر حـربا عربيـة عربيـة باردة، فقـد بدأت دول الصمـود العـربي تهـاجم مصـر ليـل نهـار، ما أثـر فعـلاً في دورهـا ومكـانتها التـاريخية بشكـل كبيـر.
وقـد استمـر الأمـر على حالـه إلى أن تولى الرئيـس الأسبـق حسنـي مبـارك للسلطـة، وبـدأ جهـودا دبلوماسيـة كبيـرة نجحـت في ترميـم العـلاقات المصـرية ـ العربيـة، وإعـادة مقـر الجامعـة العربيـة إلى القـاهرة، ولم يختلـف الأمـر كثيـراً بالنسبـة للعـلاقات المصـرية ـ الإفريقيـة، إلا أن التحـولات الكبـرى التي شهـدتها خارطـة السيـاسة الدوليـة في بـداية حقبـة التسعينـات من القـرن العشـرين، المتمثلـة في إنتهـاء الحـرب البـاردة وتفكـك الاتحـاد السـوفتي ومنظـومة الدول الشيـوعيـة الدائـرة في فلكـه، وبروز الولايات المتحـدة الأمريكيـة كقـوة أحـادية ولاعـب وحيـد متفـرد بالقضـايا الدوليـة المختلفـة، أدى إلى تحجيـم الدور المصـري في القـرن الإفريـقي وتهميـشه لصـالح قـوى إقليميـة ذات النفـوذ في المنطقـة وعلى رأسهـا إثيـوبيا التي استفـادت من انهيـار الحكـومة المركـزية في الصـومال عـام 1991م، لتعـزيز نفـوذها الإقليمـي، ودخلـت إريتـريا مؤخـراً في الصـراعات الصـوماليـة من باب المكـايدة لإثيـوبيا كمـا دخلـت دول أخـرى مثـل كينيـا وأوغنـدا وقـد ساهمـت تلك الدول بدرجـات متفاوتـة في تأجيـج الصـراع داخـل الصـومال وتمـزيق دولتـه.
ومن جانبهـا سعـت مصـر منـذ انـدلاع الأزمـة الصـوماليـة إلى إيجـاد حلـول للصـراع، وقـد استضـافت القاهـرة مؤتمـراً للمصـالح الوطنيـة عام 1997م، ولكن هـذه المحاولـة باءت بالفشـل، نتيجـة لإعـلان إثيـوبيا رفضهـا القاطـع لتنفيـذ قـرارات ونتائـج المؤتمـر على أرض الواقـع.
ومـع أن المشكلـة الصـوماليـة كان لهـا تداعيـاتها وتأثيـراتها البالغـة في تراجـع الدور المصـري بمنطقـة القـرن الإفريـقي، لكـن القاهـرة لم تكـن راغبـة في مواجهـات حـادة مـع إثيـوبيا باعتبـارها حليـفا استـراتيجياً للولايـات المتحـدة الأمريكيـة في المنطقـة.
ومن جهـة أخـرى لم تقتصـر المنافسـة بيـن إثيـوبيا ومصـر على الملف الصـومالي فحـسب، فقـد رأت مصـر أن تمارس حقهـا فيمـا تسميـه مجالهـا الحيـوي بالتأثيـر في مجـريات ملف جنـوب السـودان، وأصـدرت المبـادرة الليبيـة ـ المصـرية في أكتـوبر 1999م، كبديل عـربي لمبـادرة دول (الإيغـاد) عقب انهيـار مفاوضـات نيـروبي بيـن الحكـومة السـودانية والحـركة الشعبيـة المتمـردة.
ومـع أن المبـادرة كانـت واضحـة في رفضهـا لمسـألة تقـرير المصيـر لجنـوب السـودان المتضمـنة في إعـلان المبـادئ للإيغـاد، غيـر أن التحـرك المصـري والعـربي عمـوماً، لم يكـن بالقـوة التي توازي الضغـوط العسكـرية والدبلـوماسيـة الهائلـة التي كانت تتعـرض لها حكـومة السـودان من الدول الغربيـة فضـلاً عن الدعـم المباشـر من بعـض دول الجـوار للحـركة الشعبيـة لاستطـالة الحـرب في الجنـوب لمصـالح خاصـة بهـا.
وعـودة لطبيعـة التوجـه العـربي الراهـن للمنطقـة، فإنه من الصعـوبة بمكـان الحـديث عن استـراتيجيـة عربيـة موحـدة، ولا حـتى عن رؤيـة عربيـة مشتـركة، تجـاه منطقـة القـرن الإفريـقي، وذلك في ظـل تـأزم العـلاقات العـربية والتبـاين حـول مجمـل القضـايا العربيـة المختلفـة، ومن ضمنهـا مـا كان يعـرف “بالأمـن القـومي العربي المشتـرك”.
ولـذلك ما زال يعتبـر التوجـه العـربي بشكـل استراتيجـي لمنطقـة القـرن الإفـريقي ضعيفـاً حتى الآن، مقـارنة مـع القـوى الإقليميـة الصـاعدة مثـل إسـرائيـل وإيـران وتركيـا وغيـرها.
الاهتمـام العربي الراهن .. الأسبـاب والدوافـع:
هنـاك عـوامل جيـوساسيـة عـدة، تشكـل فعـلاً محـركاً أسـاسيـاً لاهتمـام بعـض الدول العربيـة بالمنطقـة في الوقـت الراهـن، لعـل أبرزهـا التـداخل الجيـوبولتيكي الكبيـر، وكذلك الأهميـة الاستـراتيجيـة لهـذه المنطقـة وما لهـا من تأثيـرات بالغـة، ليـس على الأمـن والمصـالح العـربية فحـسب، وإنمـا على حـركة المـلاحة الدوليـة والنشـاط الاقتصـادي ومؤشـرات الأسـواق الماليـة العالميـة، خاصـة وأن منطقـة القـرن الإفريـقي ترتبـط بمناطـق للتـوتر والتنافـس العالمـي، وذلك عبـر حـدودها الجغـرافية التي تربطـها باليمـن ومن ثـم بمنطقـة الخليـج العـربي، كمـا أن هـذه المنطقـة قـد أصبحـت توصـف ـ من قبـل الخبـراء والمحلليـن ـ بأنهـا جـزء من “منظـومة الشـرق الأوسـط الكبيـر”، ولـذلك اجتـذبت كثيـرا من الصـراعات والتدخـلات الدوليـة والإقليميـة التي تخفـي وراءها العـديد من الأهـداف الاستـراتيجيـة غيـر المعلنـة.
وإلى جـانب مـا سبقـت الإشـارة أعـلاه، فإن قضيتـي ميـاه النيـل وتأميـن البحـر الأحمـر، يشكـلان عـاملاً أسـاسياً لتـدافـع العـديد من القـوى الإقليميـة الصـاعدة مثـل إسـرائيل وإيـران لتعـزيز نفـوذها وهيمنتهـا على المنطقـة، للحيلـولة دون تفـرد الدول العـربية بالسيطـرة على البحـر الأحمـر، وربمـاً كان هـذا واحـدا من الأسبـاب التي دفعـت بعـض الدول العـربية خاصـة الخليجيـة الاهتمـام مؤخـراً بمنطقـة القـرن الإفـريقي وما يجـري فيهـا من أحـداث، بيـد أن طبيعـة ومستـوى الاهتمـام العـربي بتطـور الأحـداث ومآلاتها المستقبليـة في المنطقـة، تتبـاين من دولـة لآخـرى إلى درجـة التعارض والتناقـض، نتيجـة لغيـاب رؤيـة سياسيـة عربيـة مشتركـة مستقلـة عن الاستراتيجيـات الدوليـة المعلنـة من الولايات المتحـدة الأمريكيـة والدول الأوروبيـة ذات النفـوذ التقليـدية في المنطقـة.
لقـد كانـت الأزمـة الخليجيـة القطـرية الأخيـرة، بمثـابة ورقـة التـوت التي تخفـي ورائهـا العـديد من عـوامل التناقـض والتنـافر العـربي، فقـد كشفـت الأحـداث وتطـوراتها عن عجـز وشـلل النظـام العـربي الراهـن، وخـلل واضـح في الرؤيـة العـربية المشتـركة، مـع عـدم وجـود موقف ثابـت تجـاه القضـايا الأسـاسية ذات الطابـع القـومي، الأمـر الذي يعكـس عـدم ثبـوت وحـدة الهـدف بيـن الدول العـربية، كمـا أن تـداعيـات الأزمـة، كشفـت مـدى وحقيقـة الخلل في الميـزان الاستـراتيجي والأمني في هـذه المنطقـة.
وهنـا يبـدو جليـاً أن مجمـل المواقف والتحـركات العـربية هي عبـارة عـن ردود أفعـال مؤقتـة، لا ضـرر منهـا ولا تأثيـر ولا معنـى لهـا سـوى تعبيـر واضـح عن تراجـع الـدور العـربي المستمـر لحسـاب الأطـراف الإقليميـة ذات النفـوذ والسيطـرة في المنطقـة.
وبنـاء على تلك المعطيـات أعـلاه، نستطيـع القـول مرة أخـرى، إن طبيعـة الوجـود العـربي الاستـراتيجي في المنطقـة ما زال ضعيفـاً حتى الآن، من حيـث مستـوى التعـاون السيـاسـي والأمنـي والعسكـري مـع دول المنطقـة، ومن حيـث المصـالح الاقتصـادية والاستثمـاريـة أو التسيـق المشتـرك حـول استخـدام المـوارد والثـروات الهـائلة التي تـزخر بهـا المنطقـة.
خيـارات وحسـابات دول المنطقـة:
من حقـائق التـاريخ والسيـاسة أن قـوة الـدول في عـالم اليـوم لا يقـاس بقـدرتهـا الاقتصـادية العسكـرية وأهميـة موقعها الجغـرافي وثقلهـا السكـاني “البشـري” فحـسب، وإنمـا يقـاس أيضـاً بقـدرتها السيـاسية لحمـاية مصـالحها وأمنهـا القـومي، علمـاً أن قـوة السـلاح ومهـارة التخطيـط وإعـداد الجيـوش تظـل دائمـاً أذرعـاً تنفيـذية تتعـامل مـع الواقـع الذي ترسمـه الجهـات السيـاسية والاستخبـاراتية.
وهـذه الحقيقـة لا تغيـب عن بال صـانعي القـرار، وهـو الأمـر الذي يجعـل دولا صغيـرة لا تملك كثيـرا من المقـومات العسكـرية والاقتصـادية، أن تبـرز كقـوة فاعلـة ومؤثـرة في المشهـد الإقليمـي والدولـي، نتيجـة لتخطيـط استـراتيجي ورؤيـة سيـاسية ثاقبـة تجـاه مختلـف المشـاكل الداخليـة والتحـديات الخارجيـة المحيطـة بهـا.
وهـذا فعـلاً ما لا يتوفـر حاليـاً لدى معظـم النخبـة السيـاسية الحاكمـة لدول القـرن الإفـريقي، ممـا يجعـل تطـور الأحـداث ومآلاتها المستقبليـة، أمـراً مرتبطـاً بالسيـاسات والاستراتيجيـات الخارجيـة لدى الـدول الكبـرى والقـوى الفاعلـة في المنطقـة.
ولهـذا يعتقد أن دول المنطقـة سـوف تواجـه العـديد من التحـديات التي تزيـد من حـدة الصـراعات وتعقيـد الأزمـات في المنطقـة وبالتالي فإن طبيعـة العـلاقات السيـاسية بيـن هـذه الـدول قـد تشهـد خلال المرحلـة القادمـة مـزيدا من التـأزم والاهتـزاز، نتيجـة للأجنـدات المحليـة المتحالفـة مـع الأجنـدات الخارجيـة، وذلك ما لم تتبنـى دول المنطقـة رؤيـة جـديدة تعلى من أسـاليب الحـوار والتعـاون المشتـرك لوضـع خـطط عمليـة تهـدف إلى تسـوية سلميـة للصـراعات الدائـرة في المنطقـة واعتمـاد التكـامل الاقتصـادي الإقليمـي، كحـل للمشـاكل الاقتصـادية والسيـاسية والاجتمـاعية والأمنيـة في المنطقـة، وبالتالي تنسيـق تلك الشـراكة على المستـوى الإقليمـي والدولي بمـا يخـدم مصالحها المشتـركة ويعـزز الموقف التفـاوضي والمركـز المالي والتجـاري لدول المنطقـة.
الإحـالات المرجعيـة:
1. د. نجـلاء مرعي، التدافع الدولي نحـو “القرن الإفريقي، مجلة البيـان ، العدد 300، 2013م.
2. عاصم فتح الرحمن، تغيير موازين القوة في القرن الإفريقي، مركز دراسات المستقبل، الخرطوم، 2012م.
3. د. عبد الرحيم حاج يحيى، العربية الفصحى في اللغة الصومالية، مكتبة الملك فهد الوطنية للنشر، الرياض،2006م.
4. إدريس سليمان، الدور الأمريكي في إنفصال جنوب السودان، المجلة السودانية للدراسات الدبلوماسية، العدد التاسع، الخرطوم، 2011م.
5. عبد الوهاب الصاوي، السودان والقرن الإفريقي، المجلة السودانية للدراسات الدبلوماسية، العدد التاسع، الخرطوم، 2011م.
6. ساـمي السيد أحمد محمد، القرن الإفريقي .. صراع دولي على النفظ والجغرافيا، صحفية البلاد، العدد 22162، التاريخ 01/10/2018م.
7. عبـد الله الفاـتح، التوغل الإيراني في القرن الإفريقي، مركز مقديشو للبحوث والدراسات، 2015م.
8. صلاح الدين حافظ، صراع القوى العظمى حول القرن الإفريقي، عالم المغرفة ـ 49، المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، الكويت.